هل توافق من يقول بأن أحداث 16 ماي كانت فاصلة في السلوك السياسي للعدالة والتنمية، إذ أصبح أقل جرأة مما كان عليه من قبل؟ هذا غير صحيح، حتى نبسط الأمور بشكل جيد، أولا حزب العدالة والتنمية لم يقع في خطابه تحول كبير بعد 16 ماي. الذي وقع هو أنه بعد 16 ماي اتخذنا قرارات مرتبطة بالظرفية وهذا طبيعي. وقعت أحداث 16 ماي يوم الجمعة وعرض قانون الإرهاب للتصويت يوم الاثنين، وطبعا لا يمكن أن يكون موقفنا يوم الاثنين هو موقفنا يوم الخميس قبل التفجيرات التي وقعت، هذا سيكون عملا غير سياسي، وغير واقعي، أي سيكون الإنسان يعيش في أحلام، وفي يوتوبيا معينة، أي سواء ذهبت الرياح شمالا أو جنوبا فهو عنده نفس الاتجاه، وهو سلوك غالبا ما يؤدي بالفاعلين السياسيين إلى التحطم. ومسار حزب العدالة والتنمية استفاد مما وقع لليسار في المغرب، وما وقع للعديد من الحركات الإسلامية من حولنا عبر العالم . فكثير من هذه الحركات استسهلت توتر علاقتها بأنظمتها وأسهم سلوكها في تردي وضعيتها السياسية، فأدخلت واقعها ومجتمعاتها في مشاكل لا قبل لها بها. ولذلك فإن التحليل الذي ذكرته مختزل، لم يأخذ بعين الاعتبار مختلف الأبعاد أولا، ومختلف التجارب ثانيا. وبالنظر إلى ذلك فإن القرارات التي اتخذناها بعد 16 ماي هي قرارات من مسؤوليتنا كمغاربة، ومن مسؤوليتنا كأناس نحب وطننا واستقراره، ومن ثم فنحن بهذه القرارات سعينا إلى الإسهام في حفظ استقرار بلادنا. لكن المهم في كل هذا هو أن سلوكنا السياسي العام قبل وبعد 16 ماي لم يقع فيه تغيير كبير، فضبط وتقليص مشاركة حزب العدالة والتنمية مثلا في الاستحقاقات الانتخابية قد بدأ سنة 1997 بـ40% من المشاركة، ثم سنة 2002 بـ60% منها، وهكذا انتقلت مشاركتنا في خط تصاعدي إلى أن وصلنا سنة 2007 إلى المشاركة بـ100%. فتقليص حجم المشاركة هو استراتيجية ذاتية للحزب بدأها دون تدخل أي طرف آخر، وبالتالي فهو سلوك قاصد. وما وقع في الانتخابات الجماعية سنة 2003 هو أن وزارة الداخلية حاولت الاستفادة إلى أقصى حد من استراتيجية موجودة أصلا. وعلينا ألا نقرأ دائما التاريخ الذي وقع فقط، بل يجب أن نقرأ أيضا التاريخ الذي لم يقع. لو افترضنا أن سلوك حزب العدالة والتنمية كان مغايرا فوقعت إشكالات وردود فعل، لكان هؤلاء الباحثون أنفسهم أو المعلقون أنفسهم سيقولون عن حزب العدالة والتنمية إنه متسرع ولم يكن واقعيا في قراراته السياسية، ولم يأخذ بعين الاعتبار تحول الظروف ولا مصلحة البلاد حتى دخل في مأزق. إن المهم هنا هو أن حزب العدالة والتنمية يسير وفق استراتيجية قاصدة، ولا يهم أن يفقد بعض المقاعد أو بعض المواقع، المهم أن يسهم في استقرار الوضع السياسي وفي تطوره الإيجابي نحو الأمام. عقدت آمال كبيرة على الانتخابات التشريعية في 2007؛ لكن سجلت فيها أكبر التراجعات وتعمقت في انتخابات ,2009 هل يمكن القول إن انتخابات 2007 حدث فيها انعطافة نحو التراجع عن المكتسبات؟ هذا الأمر لا يحتاج أن نتحدث بهذه اللغة الحاسمة، القول بأنه حدثت انعطافة هذا يحتاج إلى تحليل عميق، وأنا لا أظن هذا التقدير صحيح.. بعض أطر الحزب وأوراقه المرجعية تتحدث عن هذا... نحن في حزب العدالة والتنمية نتحدث عن تراجعات وليس عن انعطافة، لأن ما وقع قبل ذلك في انتخابات 2006 بشأن تجديد ثلث مجلس المستشارين كان أيضا فظيعا، وهذا كان قبل الانتخابات التشريعية .2007 وأكثر من ذلك هناك من يقول من السياسيين والباحثين بأن انتخابات 2002 شهدت أيضا في العديد من الدوائر اختلالات في مستوى اختلالات ,2007 لكن بسبب كون حزب العدالة والتنمية إنما رشح في 60 في المائة من الدوائر، وهي في عمومها ذات أغلبية حضرية توجد بها طبقة سياسية ومثقفة مستقرة. فوقعت الاختلالات أساسا في 40 في المائة الأخرى. وهي اختلالات لم يشهدها حزب العدالة والتنمية لأنه لم يشارك في الانتخابات في تلك الدوائر، إنما شاهدنا الاختلالات التي وقعت في الجزء الأول أي 60 بالمائة، وهي محدودة . لكن في 2007 والتي شاركنا فيها بـ100 بالمائة من الدوائر، وقفنا على التدخل ومحاولة التحكم في مجمل الخريطة السياسية، وقد تكون هناك عوامل أخرى. هل تعتقد أن المؤسسة الملكية في حاجة اليوم إلى حزب سياسي هذا السؤال ليس له إلا جواب واحد هو: لا، أبدا. إن المؤسسة الملكية ليست بحاجة إلى حزب سياسي. فالمؤسسة الملكية يمكنها عن طريق التعامل السياسي مع جميع الأحزاب السياسية أن تكون حكما سياسيا بامتياز كما كانت لفترات طويلة. يعني في نظرك حزب الأصالة والمعاصرة لم يتم خلقه أقول المؤسسة الملكية غير محتاجة، وأنا أظن بأن تشكيل حزب الأصالة والمعاصرة بالشكل الذي تم به خطأ سياسي، والطريقة التي نما بها ودبر بها ملف الانتخابات الأخيرة، كانت فيها تجاوزات من مثل استعمال وسائل الدولة أو استعمال الإدارة مباشرة لصالحه، وغير ذلك، وبالتالي يعتبر هذا انتكاسة أخرى في المشهد السياسي والحزبي للأسف الشديد. في الوقت الذي كانت هيئة الإنصاف والمصالحة تعالج الملفات الحقوقية لسنوات الرصاص، كانت تتم اعتقالات جديدة بتهم وبوتيرة شبيهة بما كان يقع في تلك السنوات، لكن تجاه التيار الإسلامي هذه المرة. في نظرك من يستهدف هذا التيار اليوم في المغرب؟ يجب أن ندقق في لفظة التيار الإسلامي، يمكن القول إن هناك استهدافا لفصائل معينة من التيار الإسلامي في الحقيقة لم ينج منها حتى حزب العدالة والتنمية يجب أن نعرض هذه الأمور بنسبية، حزب العدالة والتنمية يتعرض قبيل الانتخابات لمضايقات تذهب أحيانا إلى حد الاعتقالات والمحاكمات، هذا صحيح، ولكن هذا ليس في نفس مستوى الخروقات التي وقعت في ملف ما يسمى السلفية الجهادية. الأول طابعه ظرفي، والثاني طابعه أكبر بكثير، وله امتداد عبر الزمن، لأن الملف الذي صدرت فيه أحكام 20 و30سنة، هذا ليس ملفا يدبر في ظروف انتخابية فقط، ثم يمضي، هناك فرق كبير بين المستويين. إذن التراجع الحقوقي بالأساس هو ما وقع في ملف السلفية الجهادية عن طريق تجاوزات، ليس عدم توفير شروط المحاكمة العادلة إلا واحدة منها. لكن أيضا وقعت تجاوزات أخرى على مستوى حرية الصحافة، وعلى مستوى التعامل داخل السجون، وهذه كلها أوجدت نوعا من الانطباع على وجود تراجع حقوقي غير مقبول في بلد كالمغرب، وفي الحقيقة لم نرجع قط إلى ما كان عليه المغرب قبل مجيء الملك محمد السادس، الحمد لله ما يزال هناك قدر مهم من الحريات العامة، وحرية تشكيل الجمعيات، وحرية التجمعات، وحرية الصحافة. إن ما يقع هو أن بعض ان اللوبيات تحاول تحويل المكتسبات لصالحها، وإذا لم تستطع تحاول إجهاضها. والواجب على قوى الإصلاح مقاومة التراجعات بكل قوة، كل من موقعه.