الدكتور سعد الدين العثماني، سياسي وفقيه وطبيب، ولد سنة 1956 بمدينة إنزكان، وهو سليل أسرة عرفت بالعلم وبالعلماء. سلك العثماني سبيله في طلب العلم، فحصل على البكالوريا في العلوم التجريبية سنة 1976 من ثانوية عبد الله بن ياسين بإنزكان، قبل أن يتوجه إلى كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء وحصل فيها على الدكتوراه في الطب العام سنة ,1986 في الوقت الذي كان يتابع دراسته أيضا في كلية الشريعة بآيت ملول في أكادير وحصل فيها على الإجازة سنة ,1983 ثم على شهادة الدراسات العليا في الفقه وأصوله سنة 1987 من دار الحديث الحسنية بالرباط ثم بعد أزيد من 12 سنة توج بحثه بالحصول على دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط(1999). بعدما كان قد حصل سنة 1994 على دبلوم التخصص في الطب النفسي من المركز الجامعي للطب النفسي بالدار البيضاء. وخلال مسيرته العلمية تلك، لم يكن سعد الدين العثماني بعيدا عن العمل الدعوي والحركي، بل كان من أبرز قياداته الوطنية، فطيلة سنواته بالجامعة(1991-1981) كان عضوا بالجماعة الإسلامية وعضو مكتبها الوطني، كما انتخب عضوا بالمكتب التنفيذي لحركة الإصلاح والتجديد منذ سنة 1991 حتى تاريخ اندماجها مع رابطة العمل الإسلامي في سنة .1996 حيث أعيد انتخابه في المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح من 1996 حتى ,2003 حيث أصبح عضو مجلس الشورى بالحركة. أما مساره السياسي فبدأ بمحاولة تأسيس حزب التجديد الوطني في 1992 الذي رفضت السلطات الترخيص له، وحينما التحق أعضاء حركة الإصلاح والتجديد بحزب عبد الكريم الدكتور الخطيب رحمه الله، انتخب برلمانيا في ,1997 ثم انتخب نائب الأمين العام في الحزب ,1999 وأصبح سنة 2004 أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، وهو اليوم رئيس المجلس الوطني للحزب ذاته. يؤكد سعد الدين العثماني أن منذ سنوات لم يضف المغرب إلى المكتسبات التي حققها في بداية العشرية في ميادين مختلفة أي شيء جديد ذو أهمية، دون أن يقر بأن الآمال في انتقال ديمقراطي قد تبخرت، وذلك بسبب التراكم الذي حصل والذي لا يمكن التراجع عنه كلية. وأبرز العثماني أن احتكار أصحاب الامتيازات واللوبيات لمراكز النفوذ الاقتصادي والسياسي وممانعتها في اشتراك فئات جديدة، وتحالفها مع قوى الهيمنة الخارجية بشكل يعيد ما كان من صراع بين قوى التحرر وقوى الاستيلاب، يعد من بين الصعوبات التي تواجه المغرب في مسيرته نحو بناء الديمقراطية. مرت اليوم 10 سنوات على حكم الملك محمد السادس، بينما ثمة شبه إجماع على حصول تراجعات في مسار الانفتاح السياسي، هل يمكن القول بأن الآمال في انتقال ديمقراطي قد تبخرت فعلا؟ لا يمكن أن نقول بأن آمال الانتقال الديمقراطي قد تبخرت، لأنه لا أحد ينكر أن المغرب شهد طيلة العقدين الأخيرين تطورات وتحولات كثيرة إيجابية على مستويات عدة، على المستوى الحقوقي، على مستوى حرية التعبير، وعلى مستوى إصلاح الحقل الديني، وملف المرأة، وعلى مستوى المسلسل الديمقراطي نفسه. وهي مكتسبات يصعب أن تلغى دفعة واحدة، أو أن يتم التراجع عنها كليا. لكن فعلا منذ بضع سنوات لم يضف إلى هذه المكتسبات شيء ذو أهمية، وأكثر من ذلك، وقعت تراجعات في مستويات معينة، خاصة على المستويين الحقوقي والانتخابي، وهذا أعطى انطباعا عاما بأن الآمال قد تبخرت. لكن ما ينبغي الانتباه إليه، هو أن المراحل الانتقالية دائما تكون فيها صعوبات مثل تلك التي نشهدها اليوم في المغرب، وأن تطور الإصلاح السياسي لا يسير وفق تطور خيطي تصاعدي ولكن وفق منحى تموجي فيه صعود وهبوط، والعبرة بالمسار العام. وعوامل ذلك كثيرة منها أن أصحاب الامتيازات غير المشروعة واللوبيات المسيطرة يصعب عليها أن تقبل بتفتت مراكز النفوذ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي واشتراك فئات واسعة فيه، فيقاومون التغيير ويتعاملون مع الإنجازات بمكر يحاول إبطال مفعولها وتأثيراتها الإيجابية، لتؤول في النهاية إلى تكريس مزيد من هيمنتها ونفوذها. وهناك عامل آخر مهم هو دور القوى الخارجية ذات النفوذ في القرار السياسي والاقتصادي، وهو قوى لم تتخل بعد عن ميولها الاستعمارية تجاه دولنا، وتسلك كل السبل للحفاظ على امتيازات راكمتها طيلة العقود الماضية أو للحصول على امتيازات جديدة. وتتحالف قوى الهيمنة الخارجية هذه مع قوى الاحتكار الداخلية بشكل يعيد ما رأيناه على مدى التاريخ المعاصر، من صراع بين قوى التحرر والوطنية وقوى الاستلاب والاحتكار والهيمنة. وفي مراحل الهبوط والتراجع المذكورة آنفا، يكون ثمة نوع من القلق وحتى الإحساس بالانسداد في الأفق، ويسود نوع من التوتر داخل المجتمع وبين هيئاته، وهو شعور إنساني يجعل المواطن ينسى أحيانا ما تحقق من مكتسبات، بينما هي أصبحت واقعا لا يمكن إلغاؤه بالسهولة التي قد يظنها البعض. لكن الأهم هو أن القوى التواقة للإصلاح لا بد أن تبقى يقظة وتبقي جذوة مقاومة الانتكاسات متقدة. فما ضاع حق وراءه طالب. هل يعني ذلك الحاجة إلى دينامية جديدة؟ وهل توافق على أن المدخل هو القيام بإصلاح دستوري وسياسي؟ لا أظن ذلك، لو كان هناك تقدم كبير على مستوى تنظيم الانتخابات وعلى المستوى الحقوقي لكان أي تعديل دستوري يأتي في هذا السياق طبيعيا. ولا أظن أن المسألة تتعلق بالمطالبة فقط، بل بقدرة الفاعلين على توفير شروط تحول معين. فالتعديل الدستوري مثلا كان هناك دائما من يطالب به، لكن المشكل ليس في المطالبة بهذا الإصلاح أو ذاك، بقدر ما يجب إعادة دراسة وقراءة وضعيتنا في إطار الشروط الجديدة، أقصد السياق الدولي الجديد، ذي التأثير الكبير على المغرب، وفي إطار سياق جهوي متحول أيضا، ولا يمكن تصور إمكانية إنجاح الانتقال الديمقراطي في بلادنا عن طريق النظر إليها كبيئة مغلقة أو مثل صندوق مغلق غير خاضع لتأثيرات الظروف الخارجية، من يرى ذلك فهو غير واقعي. في الحقيقة إن كل عملية تحول ممكنة داخل المغرب لا يمكن أن تتم إلا في تفاعل مع معطيات جهوية ودولية ذات تأثير كبير، وبالتالي فنحن لا نسبح في التيار وحدنا، نحن نسبح في صراع وفي تفاعل مع تحولات دولية وجهوية كما قلت إذا، فهذا يتطلب تقوية الجبهة الداخلية لأن المغرب اليوم يعيش نوعا من فقدان البوصلة السياسية كما يبدو؟ هذا صحيح، لابد من تقوية الجبهة الداخلية، لكن الأهم هو الوعي بالشروط التي تتم في إطارها مقاطعا... وهل يمكن تقوية هذه الجبهة الداخلية بدون توافق جديد أنا لا أريد أن أنغلق في إطار أطروحة التوافق القديم كي أتحدث عن توافق جديد، الفاعل السياسي يستوعب المرحلة بمؤثراتها، ويحاول أن يكون رد فعله مناسبا للمرحلة وللمؤثرات. ولذلك فصنع التوافقات لا تتم فقط بإرادة أطراف سياسية معينة، وليست شيئا إراديا بحتا، بل هي تحول يجب استجماع شروطه. والحال اليوم أن الوضع الدولي أصبح صعبا على عكس الوضع الدولي في بداية هذا القرن، بمعنى أنه اليوم أصبح هناك عدم اهتمام بالتطور الديمقراطي لدولنا، وأصبح خطاب الديمقرطية يتراجع بشكل كبير على المستوى الدولي، بل أصبحت لغة المصالح هي الطاغية حتى رسميا. كما أن الأزمة المالية ثم الأزمة الاقتصادية العالمية جعلت الجميع مشغولين بالخروج من عنق الزجاجة ولو على حساب التطور الديمقراطي، وأحيانا على حساب حقوق الإنسان. إذن هناك معطى دولي ضاغط يصعب أن تفلت منه دولنا جميعا، وليس المغرب إلا واحدة منها. وعلى المستوى الجهوي فإن استمرار التنازع حول مغربية الصحراء، وما وقع ويقع في بعض الدول المجاورة للمغرب من عدم استقرار، يؤثر على المغرب، الذي لابد له من أن يأخذ بعين الاعتبار التأثيرات السلبية التي تأتيه من الجوار وأن يتسلح باليقظة لمواجهتها، وبالتالي هذا يؤدي إلى نوع من التوتر ونوع من الترقب المستمر. والبيئة الديمقراطية تتطور في بيئة عادية، ولا يمكن أن تتطور طبيعيا في ظروف استثنائية أو في ظروف فيها الترقب والتوجس، إذن القضية أعمق بكثير من مجرد مطالبة الفاعلين السياسيين بالتوافق فيما بينهم، أو بينهم وبين المؤسسة الملكية. وهناك معطى آخر هو أن تطور النخبة السياسية، مع الأسف الشديد، في هذا العقد الأخير لم يكن دائما تصاعديا بل كان في أغلب الأحوال تراجعيا، فكثر الترحال السياسي بشكل لم يشهده تاريخ المغرب قط، كما ازداد الفساد المالي بشكل كبير أيضا على المستوى السياسي.