كان من المتوقع أن يثير خطاب أوباما ردود فعل مختلفة من جهات متعددة بحكم أنه تناول قضايا جوهرية تشمل علاقة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالعالم الإسلامي، وحدد بدقة التوترات الكبرى التي تفسر الصراع بين الطرفين، ورسم الخطوط العامة لمستقبل علاقات جديدة قائم على التعاون والشراكة. ولأن الخطاب تناول موضوعات مختلفة بعضها متصل بالنخب والحركات السياسية وأنظمة الحكم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وبعضها شامل لهذه الأطراف وعموم العالم الإسلامي مثل النظرة إلى الإسلام، وبعضها الآخر مرتبط بقضايا سياسية إشكالية مثل قضية العراق وفلسطين وأفغانستان، فإن ردود الفعل ستختلف بحسب قرب الجهات المعنية بالموضوع الذي أثاره الخطاب. ومثلها مثل جميع الفاعلين، كانت الحركة الإسلامية معنية بهذا الخطاب من جهة كونه تناول القضايا الأكثر حساسية والتي تتحكم إلى ابعد الحدود في تحديد طبيعة العلاقة وموقف الإسلاميين من الولاياتالمتحدةالأمريكية (النظرة إلى الإسلام، الحجاب وحرية المسلمين في الغرب، التطرف والإرهاب، القضية الفلسطينية، العراق، قضية أفغانستان، الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي، بالإضافة إلى قضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعوائق توطينها في العالم العربي والإسلامي) ولأن الخطاب يتضمن كل هذه القضايا، ويحمل مفردات جديدة بضعها محسوب على طبيعة البراغماتية السياسية الأمريكية، وبضعها يعبر عن تحول تكتيكي أو استراتيجي في الموقف الأمريكي من بعض القضايا، فإن بعض الحركات الإسلامية لا زالت تدرس مضمون هذا الخطاب ودلالاته السياسية، وفي المقابل كان من الطبيعي أن تسارع التنظيمات الفلسطينية الإسلامية إلى التعليق على الخطاب بحكم مستوى الوضوح الذي تتسم به انتظاراتها. رغم استنكاف الحركات الإسلامية بالمغرب عن موقف رسمي، إلا أنه صدرت تحليلات ومواقف لفعاليات قيادية، ومن ذلك افتتاحية يومية التجديد والتي صدرت مباشرة بعد الخطاب، إلا أن الملاحظ هو حصول نوع من التقدير لما ورد في الخطاب، وعدم النظر إليه بشكل عدمي لكن مع الحرص على تقديم رؤية متوازنة، تقدر الإيجابي وتتحاور على السلبي. وهو ما برز في حديث كل من الدكتور سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وكذا الدكتور مولاي عمر بنحماد نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح للتجديد (انظر نص الحوار معه والمنشور في هذه الصفحة)، في هذا الحوار أكد الدكتور مولاي عمر بنحماد حيث أكد على أن حاجة الرئيس الأمريكي لتوجيه خطاب للعالم الإسلامي أو أن يسعى لتحسين صورة بلده هو أمر جيد من حيث المبدأ، فالعالم الإسلامي لا يمكن تجاوزه أو تجاهله والعلاقة معه أساسية ومركزية، ورغم وصفه أن كل الإشارات الإيجابية التي قالها لا يمكن أن تصنف إلا في خانة التغيير والذي نقدر أبعد من ذلك انه قد يساهم في دفع مواقف أطراف أخرى داخلية وخارجية أيضا للتغيير كما نشر مؤخرا عن الرئيس الفرنسي بأنه يوافق على كل ما قاله أوباما بشأن الاستيطان، إلا أن د. بنحماد حذر بأن علينا ألا نفرط في التفاؤل مضيفا أن العالم الإسلامي ينتظر ترجمة ما قيل من كلام جميل إلى مواقف عملية أجمل ، والذي تفعله القوات الأمريكية في أفغانستان لا يدل على ذلك !! أضف إليه سلبيته المفرطة تجاه موضوع الحصار على الشعب الفلسطيني والتعامل مع حماس وترك الأمر للكيان الصهيوني ؟!، وأكد على أن فإن العالم الإسلامي مطلوب منه الفعل وليس انتظار أن يغير الآخرون مواقفهم ، فهذا التغيير هو ثمرة لفعل وترجمته إلى أعمال أو القطع مع التراجع عنه يحتاج هو الآخر إلى فعل. وعلى الذين يقللون من أهمية كافة أشكال الاحتجاج السلمي المدني أن يراجعوا مواقفهم من جهته اعتبر الدكتورالعثماني أنه من حيث الإجمال فالإدارة الجديدة هي أفضل من الإدارة القديمة، وأنه لا يمكن بحال أن نسوي بين أسلوب الإدارتين في التعامل مع القضايا، لكن من الناحية العملية، يرى العثماني أن ما يهم الحركة الإسلامية في هذا الخطاب هو أمرين اثنين: القضية الفلسطينية، والموقف من الديمقراطية، أما ما حمله الخطاب من نظرة إيجابية عن الإسلام والمسلمين، فلا يعتبره العثماني جديدا مع تقدير المواقف التفصيلية التي صدرت بخصو هذه النقطة في خطاب القاهرة، بحكم أن ذلك كان جزءا من خطابه الافتتاحي غداة تنصبه رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية، حيث أكد العثماني، أن هذا الموقف الأمريكي الجديد هو ناتج عن الأزمة المالية العالمية التي تعيشها بشكل خاص الولاياتالمتحدةالأمريكية كما أنه ناتج عن الأزمة التي أدت إليها سياسات الإدارة الجديدة والتي فرضت على الإدارة الجالية محاولة تغيير صورة أمريكا في عيون العالم الإسلامي. وبخصوص القضية الفلسطينية، يرى العثماني ألا جديد في خطاب أوباما وأنه لم يقدم معالم سياسية جديدة، فقد أكد على ضرورة الالتزام بخطة خارطة الطريق وعلى الرباعية، وطالب حمس بنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل، وتحدث عن حل قيام الدولتين، وهي القضايا التي كانت في صلب مشروع بوش والسياسة الأمريكية. وأنه لم يقدم أية مواقف بخصوص القضايا الأساسية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مثل قضية القدس وعودة اللاجئين ورفع الحصار، وانتقد العثماني على خطاب أوباما تأييده للخط الإسرائيلي حين أعلن في الخطاب أن تأييد أمريكا لإسرائيل خط لن ينكسر. أما بخصوص الديمقراطية، فقد كانت أهم ملاحظة عند الدكتور سعد الدين العثماني هو ما تضمنه الخطاب من أن الإدارة الأمريكية لا ينبغي أن تفرض نظاما للحكم على أية دولة أخرى، بحيث اعتبرها العثماني غير مشرفة لأنها تعطي بحسب رأيه للأنظمة الاستبداية مخارج لتجاوز الحريات وانتهاك الحقوق السياسية وإقصاء بعض المكونات من حقها في المشاركة السياسية. بالنسبة لجماعة العدل والإحسان فإن المقالة التي نشرها القيادي في الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان عمر أحرشان وذلك في يومية المساء ليوم الثلاثاء، تقدم نموذجا ليس بالضرورة رسمي لكنه مؤشر عن طبيعة التوجهات الممكنة، وقد جاء في المقالة أنه على مستوى الخطاب، يمكن أن نقول أنه وقع نوع من التحسن لأنه اتسم بالشجاعة، ولأنه اعتمد لغة هادئة بعيدة عن خطاب التهديد والحرب ومنطق الثنائيات التي أغرق العالم فيها بوش وفريقه، ولكن السياسة ليست خطابا ول هي إعلان نوايا بل هي خطوات عملية وحصيلة ميدانية، ولذلك علينا أن ننتظر ماذا ستسفر عنه الأيام القادمة من قرارات، وإلا فإن الأمر لن يعدو أن يكون نوعا من الديبلوماسية الهادئة والناعمة وحملة علاقات عامة قد تقود في نهاية المطاف إلى مزيد من الكراهية، ليختم مقاله سننتظر بحذر، وإلى ذلك الحين يمكن القول إن خطاب أوباما يشكل بداية، رغم ما يمكن أن يؤاخذ عليه، لأنه، على الأقل، قد وعودا واعترف بأخطاء الإدارة الأمريكية السابقة وبين أن هناك فروقا دقيقة بينه وبين سلفه يجب استثمارها وتوسيع هامشها، باستحضار أن للرئيس، رغم سلطة المؤسسات ولوبيات الضغط هامشا كبيرا في صنع السياسة الأمريكية وتحديد أولوياتها، وهذا لن يتم بالتمني والانتظار بل بالضغط وخروج قادة العالم الإسلامي من الانتظارية والسلبية والصراعات الوهمية . *** الشيخ راشد الغنوشي: خطاب أوباما أحرج الأنظمة الاستبدادية العربية وخلافا لمواقف الإخوان، فقد كان موقف الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة المحظورة أكثر إيجابية، حيث اعتبر ما أورده في قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان رسالة تحرج الأنظمة العربية الديكتاتورية وتحشرها فى خانة التعصب ومعاداة الديمقراطية واعتبر دعوته الجميع إلى العمل والالتقاء لصالح البشرية معاكسة تماما للخيارات التي تنتهجها الأنظمة السياسية العربية الاستبدادية التي تعمل على إقصاء كثير من الأطياف السياسية. فمثلاً فإن النظام المصرى يحارب الإخوان المسلمين ويرغب فى إزاحتهم عن الحياة السياسية وهذا الأسلوب مخالف لدعوة الرئيس الأمريكي لالتقاء الجميع وبخصوص تعليقه على ما تضمنه خطاب أوباما عن الإسلام، فقد ثمن الغنوشي ذلك، معتبرا أن من شأنه أن يعيد الثقة في الإسلام التي بددها الاستئصاليون في الغرب الذين تبنوا العداء للإسلام واعتبروا أن الحركة الإسلامية إرهابية وأكد الغنوشي أن هذا الموقف كان له تأثير كبير على موقف الأوربيين من الإسلام، إذ سيساهم في تحسين نظرة الأوربيين للإسلام وتحسين تعاملاتهم مع العرب والمسلمين بحكم التقدير والتأييد التي يحظى بها أوباما كديمقراطي في دول أوربا. *** الدكتور يوسف القرضاوي: أرحب بخطاب أوباما والإفـراط في التفاؤل سذاجة رحب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بخطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ألقاه بجامعة القاهرة، معتبرا أنه بداية مشجعة للتعامل بين العالم الإسلامي وأمريكا على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، إلا أنه وصف التفاؤل المفرط بالخطاب بأنه سذاجة. وتمنى القرضاوي في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بجامع عمر بن الخطاب بالعاصمة القطرية الدوحة أن يكون الخطاب بداية لتغيير سياسة أمريكا ولو تغييرا جزئيا على مراحل داعيا العرب والمسلمين للاعتماد على الله وحده ثم على أنفسهم بعد ذلك. وعاب الشيخ القرضاوي على الذين أسرفوا في التفاؤل بالخطاب ظانين أن أمريكا غيرت سياستها وأصبحت صديقة للمسلمين وستحل المشاكل التي بينها وبينهم بين عشية وضحاها، ولم يتفق مع الذين انتقدوا أو ورفضوا الخطاب بالكامل وطالبوا بمنع أوباما من إلقائه قائلا: أنا لست مع المسرفين في التفاؤل ولا المسرفين في سوء الظن. ونبه إلى أن أمريكا تحكمها مؤسسات ولا يحكمها شخص الرئيس وهناك سياسات موروثة يسير عليها الرؤساء السابقون واللاحقون لا يمكن تغييرها، مقرا بأن الرئيس الأمريكي حاول التودد للمسلمين وتحدث بلغة غير مستفزة على خلاف لغات الرؤساء السابقين بوش ومن سبقوه. وأشار القرضاوي إلى أن الرئيس أوباما له جذور إفريقية وإسلامية أثرت فيه وجعلته يستنكر الاستيطان الإسرائيلي ولم يصف حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس بأنها إرهابية وإن كان وصفها بالعنف. وأبدى دهشته لوصف أوباما حماس التي تدافع عن أرضها وعرضها بالعنف وترك إسرائيل المعتدية المغتصبة بلا إدانة.وعلق الشيخ القرضاوي على استشهاد الرئيس الأمريكي بالقرآن والتوراة في الدعوة للسلم قائلا: لم أجد في التوراة نصا واحدا يدعو للسلام وكل ما في التوراة دعوة للحرب لدرجة أنها تصف الله عز وجل بأنه رب الجنود. *** حماس: لا جديد في الموقف بخصوص القضية الفلسطينية عبر المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس عن ترحيبها من جهة بما وصفته باللهجة الهادئة التي استخدمها الرئيس الأمريكي أوباما في خطابه والخالية من التهديد والوعيد الذي دأبت عليه الإدارة الأمريكية السابقة، وهو ما يعتبر تعبيرا عن اختلاف واضح عن أسلوب إدارة الرئيس الأمريكي بوش لهذا الملف، وانتقدت من جهة أخرى افتقار الخطاب إلى السياسات والخطوات العملية والفعلية على الأرض للجم العدوان ودعم حق الشعب الفلسطيني في سيادته على أرضه وإنهاء الاستيطان وإنهاء معاناته تحت الاحتلال الصهيوني، وانتقدت الحركة على لسان متحدثها تحيز الخطاب في تعامله مع العدو الصهيوني، إذ في الوقت الذي يطلب فيه من حماس نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل، لم يتطرق إلى المحرقة الحقيقية التي مارسها العدو الصهيوني في حق الفلسطينيين في عدوانه على غزة، كما اعتبرت حماس مطالبة الخطاب المتكررة لها بالاعتراف بإسرائيل وبشروط الرباعية شرعنه حقيقية للاحتلال وإعطاءه غطاء لاستمرار سياساته الإجرامية بحق أبناء الشعب الفلسطيني، والاعتراف بشروط الرباعية يعني الإقرار بصوابية سياسة العقاب الجماعي التي فرضتها أمريكا على شعبنا عقاباً على خياره الديمقراطي، واعتبرت حديثه عن القدس وقدسيتها يحتاج إلى موقف أمريكي لوقف تدنيسها من قبل الصهاينة، والاعتراف بعدم شرعية الاستيطان أمر جيد ولكن يحتاج إلى إنهاء الاستيطان، وانتقدت على الخطاب تجاهله لعودة عودة اللاجئين إلى أهلهم وديارهم وهو حق مشروع ومقر في القوانين والشرائع الدولية.