واجهت الحركة الإسلامية في هذه السنة تحديا كبيرا، ففي اللحظة التي وصلت فيها القناعة داخل هياكل الحركة بفكرة المشاركة إلى أعلى مستوياتها، وفي اللحظة التي قطعت الحركة أشواطا داخل الإطار السياسي الجديد لترتيب فكرة المشاركة (هيكلة الحزب مركزيا وجهويا وإقليميا ومحليا)، وفي اللحظة التي أعلنت فيها قيادة الحركة الشعبية الدستورية ممثلة في الأمين العام للحزب الدكتور عبد الكريم الخطيب عن موقفها مع المشاركة في الانتخابات الجماعية، وباشرت إجراءات في اتجاه تنزيل هذا (نداء 13 أبريل إلى الشعب المغربي- نداء حول تجديد لوائح انتخابات الغرف المهنية 28 أبريل 1997)، سيواجه الإسلاميون تحدي قرار الأمانة العامة للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بعدم المشاركة في الانتخابات الجماعية (بيان 21 ماي 1997). وفي هذا السياق ستتخذ حركة التوحيد والإصلاح قرار المشاركة بصيغة لا منتمي، مع الإذن لعدد محدود من أعضائها بالترشح باسم أحزاب منحتهم تزكيتها، وهي المشاركة التي أعتبرها رئيس الحركة وقتها الدكتور أحمد الريسوني بالرمزية والمحدودة في مقاله المعنون بـالمشاركة المحدودة للإسلاميين بين الدلالات والانتقادات. الراية عدد 251 بتاريخ 5 يونيو .1997 ويبدو أن الحركة لم يكن لها من خيار بعد أن قطعت أشواطا في إقناع أعضائها بفكرة المشاركة السياسية، وبعد أن لم يتيسر لأعضائها المشاركة في إطار الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بسبب قرار الحزب مقاطعة الانتخاب، يبدو أن الحركة أرادت عدم تفويت الفرصة، وقررت المشاركة ولو بشكل محدود، وهو الأمر الذي جعل هذه التجربة تنطبع بمجموعة من السمات: - لم تكن الحركة قادرة على القيام بوظيفة الحزب السياسي، ولذلك كان أمر تدبير الترشيح للانتخابات الجماعية موكولا في مجمله لاعتبارات ذاتية أكثر منها موضوعية. - لم يسعف الوقت لتدبير ملف الترشيح نظرا لموقف حزب الحركة الشعبية المفاجئ من مقاطعة الانتخابات الجماعية، والذي لم يفصله عن موعد الاستحقاقات إلا ثلاثة أشهر. - كان عدد مرشحي حركة التوحيد والإصلاح للانتخابات الجماعية محدودا، وكان القصد من هذه الانتخابات أمران: أس- تفعيل فكرة المشاركة السياسية ومحاولة دمج أعضاء الحركة في المشهد السياسي. بس- محاولة بث خطاب انتخابي جديد يقوم بالأساس على شرف العمل السياسي ونبل وسائله ونظافة رجاله. وبشكل عام، يصعب تقييم حصيلة هذه المشاركة بالمعيار الرقمي، لأن تقييما بهذا الشكل كان يمكن اعتماده لو كانت مشاركة أعضاء الحركة في إطار حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، وفي سياق الدينامية التي انطلق بها الحزب منذ مؤتمره الاستثنائي. ولذلك، لم يعر قادة الحركة لهذا البعد الرقمي اهتماما كبيرا بالنظر إلى الأهداف التي سطروها من هذه الانتخابات، فالدكتور سعد الدين العثماني بصفته عضوا للمكتب التنفيذي للحركة، اعتبر في حوار لـالمستقل بتاريخ 18 من شهر يونيو 1997 أن الحركة لم يكن قصدها المشاركة بقوة في الانتخابات الجماعية، وإن كانت قد حاولت توجيه أعضائها لكي تكون مشاركتهم إيجابية نظيفة؛ بوسائل لا تشوبها شوائب التحايل أو التزوير أو مخالفة القانون، فحسب العثماني، فمعيار التقييم ليس هو العدد الذي حصله أعضاء الحركة في هذه الانتخابات وإن كان لا بأس به، ولكن المهم هو مدى التزام أعضاء الحركة بهذه الضوابط. ومع ذلك، فقد حقق الإسلاميون في هذه الانتخابات رقما له دلالاته السياسية بالنظر إلى السياق العام الذي جاءت فيه هذه المشاركة، فرقم 100 منتخب الذي حققته الحركة في هذه الانتخابات بالشروط التي تمت فيها، يبقى رقما دالا على حيوية جديدة دخلت إلى المشهد السياسي المغربي، وإن كان بعض قادة الحركة في تقييمهم لهذه المشاركة (محمد يتيم في مقاله مشاركة الإسلاميين في الانتخابات الجماعية العبر والدلالات الراية عدد 258 بتاريخ 24 يوليوز 1997) سعى إلى تبرير هذه النتيجة بجملة من الاعتبارات منها: أ - انشغال حركة التوحيد والإصلاح بالاستحقاقات التوحيدية ومقتضيات المرحلة الانتقالية، وما يعنيه ذلك من عدم تهيئها للتعاطي الفعال مع هذه الانتخابات. ب ـ وضعية عدم الاستقرار الداخلي بالنسبة للحركة، وعدم إتاحة بنيتها التنظيمية لإطار لتنظيمات وظيفية توكل لها مهمة التهيؤ للاستحقاقات الانتخابية. ت ـ انشغال الحزب بمهام البناء الداخلي.(إعادة الهيكلة- التحضير للخروج من المرحلة الانتقالية).