الدقات المدوية لناقوس الخطر التي دقها التقرير السنوي لجمعية ماتقيسش ولدي؛ تجاوزت أن تكون دقات ناقوس للخطر لو أسمعَت ضمائر حية. فالوتيرة مهولة جدا؛ لقد ارتفع الرقم من عشرين طفلا تم الاعتداء عليهم جنسيا سنة 2006 إلى 306 في سنة 2008, مع العلم أنها الأرقام المعلنة، أما ما بقي حبيس الصدور والبيوت خوفا من الفضيحة فربما كان أكبر بكثير. والمؤشر يدل على أن الوتيرة مرشحة للتصاعد أكثر بما أن التقرير وقف على أن أهم الأسباب يعود إلى ضعف في العقوبات الصادرة بحق المعتدين والمتحرشين جنسيا بالأطفال؛ مما شجع على تكرار تلك الجرائم، وزاد من استفحال الظاهرة. صحيح أن هناك عدة أسباب وعوامل أخرى؛ مثل السعار الجنسي الذي تسبب فيه الانفجار الإعلامي التكنولوجي وخاصة منه في الفضائيات والإنترنتو، الذي شهده العالم ومعه بلادنا في العقدين الأخيرين، والذي لم يقابَل بتحصين تربوي كافٍ؛ بل رافقه تراخٍ؛ بل تشجيع لانتشار تقليعات تسمي نفسها بالفنية؛ وهي ليست كذلك ظنا ممن فتح أمامها الأبواب مشرعة، وشجعها، ورعاها، أنها قد تلهي الشباب عن سماع دعاة التدين أو الاستجابة لهم؛ حتى ولو أدى ذلك كما يقول المثل الفرنسي إلى إلقاء الرضيع مع جفنة الغسل في المجاري. ولكن السبب الرئيس كما يؤكد تقرير الجمعية هو في ضعف العقوبات وعدم تناسبها مع حجم الجريمة. بل هناك أحكام يقول التقرير إنها أثارت الكثير من الاستغراب بعد أن ثبت الجرم على مقترفيها؛ مثل قضية هيري لو لوانيك الذي لم يكتف بالاعتداء؛ بل تجاوزه إلى الاتجار في أعراض الطفولة المغربية بمراكش؛ من خلال إنتاج وتوزيع أفلام تخص دعارة القاصرين؛ إذ ضبطت في حاسوبه سبعة عشر ألف صورة ومائة وأربعين ألف تسجيل عن طريق الفيديو؛ كان يرسلها إلى مواقع إباحية. ومع ذلك خفضت محكمة الاستئناف عقوبته من أربع سنوات سجنا نافذا - وهي عقوبة ضعيفة جدا بالمقارنة مع حجم الجرم- إلى سنتين؛ ليحظى بعفو مكنه من مغادرة السجن. وكم رأينا من معتدٍ على أطفال بالاغتصاب والعنف يعاقب بأشهر سجنا. مع أن مجرد التحرش الجنسي بطفل يستحق مقترفه أقصى العقوبات؛ وهناك من رجال القانون وعلماء الاجتماع من يرى أن تكون الإعدام. نعم هناك أسباب أخرى؛ ولكن السبب الأساس هو في تساهل القوانين. وفي التوجس الذي أصبح يسيطر على العقول من كل تربية على أسس القيم الإسلامية؛ مع إطلاق الحبل على الغارب أمام كل من يمكن أن يشيد سورا أمام مظاهر التدين. من شواذ وراقصي خلاعة ومغنيات التعري. لدرجة أن مغنيا تعرى بالكامل أمام جمهور موازين في السنة الماضية ولم تطله ولا طالت المنظمين الذين استقدموه أي عقوبة. قد يقف من يقول إن المقاربة القانونية غير كافية، لكنها اليوم مع تقرير جمعية ما تقيش ولدي، والتي نوجه لها تحية إكبار على جهدا النبيل، تشكل مدخلا رئيسيا، خاصة مع طوفان السعار الجنسي الذي يغذى من كل جانب.