أين سيجد أطفالنا الأمان ، إذا لم يكن بين أحضان الآباء والإخوة والأعمام والاخوال وكل من يحسب من قريب أو من بعيد على الأسرة والعائلة، أي صمام أمان لهذا الطفل وحضن الطمأنينة؟ كيف يفقد الطفل الأمن داخل وسط هو المؤمن عليه وهو حاضنه ورعيه من كل خوف أو هلع أو ازعاج؟ هل أصبح الشارع أكثر أمانا من البيت ومن كنف الأسرة؟ هذه الأسئلة يطرحها أو بالآحرى تطرحها الأرقام الصادمة التي أتى بها التقرير السنوي لجمعية «ما تقيش ولدي» والتي كانت فيها أرقام الاطفال المغتصبين أو المتحرش بهم جنسيا عموما..و في الأماكن الآمنة على وجه الخصوص تدمي القلب وتوجع النفس.. وما يرفع درجة القلق حول واقع ومستقبل قبل هؤلاء الأطفال هو أن الحالات التي رصدتها الجمعية في تقريرها السنوي، هي فقط ما توصلت به الجمعية عن طريق التصريح بها من طرف الأسرة أو الغير .. أما أن الحالات التي تبقى طي الكتمان فقد تكون أفظع وأكثر من حيث العدد.. فنحن كما صرحت الأستاذة نجاة أنوار رئيسة جمعية «ماتقيش ولدي» نعيش في مجتمع محافظ وما أكثرها الطابوهات التي يعيشها ويتعايش معها. **************** تقول السيدة نجاة انوار ,أن الجمعية في تقريرها السنوي اشتغلت على كل حالات الاعتداء الجنسي التي يتعرض لها الأطفال في كل الفضاءات التي يمكن أن يجد فيها الجاني ضالته ويقوم بفعلته بكل اطمئنان مستكينا إلى الغطاء الذي يوفره له مكان الاعتداء، إما لبعده عن المراقبة أو لكونه مكانا بعيدا عن الشبهات،،، وغالبا ما يكون بيت العائلة.. ويكون الفاعل شخصا يطمئن إليه الضحية.. الشيء الذي يجعل جرائم زنا المحارم يحظى بنصيب الأسد فيما يخص هذا النوع من الاعتداءات وأن القاسم المشترك فيها، أنها تتم في الأماكن التي من المفروض أن توفر الأمان الشخصي للأطفال، والطمأنينة لهم ولذويهم، على اعتبار أنها هي الفضاءات الطبيعية والعادية، والتي يقضون فيها جل أوقاتهم في الحياة اليومية: (كالبيت الأسري، بيوت الجيران والأقرباء، في الخيريات والمدارس الداخلية، المخيمات الصيفية وأماكن الشغل بالنسبة لخادمات البيوت) كما أن المعتدين هم في الغالب أناس تربطهم بالأطفال الضحايا علاقة الدم (الأب الأخ العم ابن الخالة أو العمة، أي معتدون من الوسط الأسري والعائلي...) أو علاقة قرابة (الجيران المدرسون فقهاء المساجد المدرب الرياضي حراس العمارات المشغلون أصحاب المتاجر بالأحياء...) وقد تضيف السيدة نجاة أنوار ، أنه من خلال الملفات التي تتوفر عليها الجمعية والتي اشتغلت عليها والمستوفية للمعلومات الكافية تم تسجيل 166 حالة. وأن حالة الاعتداء من طرف الآباء وصلت ستة (6) حالات، والعم حالة (1) واحدة والأخ حالتين (2) وستة عشر (16) حالة من طرف المحيط العائلي (ابن العم ابن الخالة..) في حين تم تسجيل تسعة (9) حالات بالنسبة للمدرسين. وتوزعت بقية الحالات بين فقيه المسجد، ومشغل الأم، والمدرب، والممرض، ورئيس الجمعية، وما تبقى من المعتدين هم من الغرباء. التعاطي البارد للقضاء مع الظاهرة يذكي استفحالها والتقرير أيضا لم يكتف برصد أرقام الحالات وتطورها بشكل متصاعد يدق ناقوس الخطر ويعلن أن طفولتنا في خطر... بل سلط الضوء أيضا على نوع من التساهل القانوني إن صح القول، في التعامل مع هذه الأفعال وتجريمها فالقانون الجنائي المغربي يحدد جريمة الاعتداء الجنسي على الأطفال من الفصل 485 إلى الفصل 499. وهي الفصول المفردة للعقوبات بالنظر لطبيعة الاعتداء، وشخص مرتكبيه، وتنظيم فعلي الجريمة والعقاب. ولئن كان المشرع قد حاول توضيب البعض منها وفق انتظارات المجتمع وكل المهتمين بقطاع الطفولة، فان الأحكام الصادرة تجاه الجناة المعتدين على الأطفال خلال هذه السنة، والمحاكمات التي تابعها محامو الجمعية وآزروا فيها الضحايا، قد تراوحت بين أربعة (4) أشهر سجنا نافذا وست (6) سنوات سجنا نافذا، في حين تراوحت الغرامات بين تسعة آلاف درهم (9000) وستون ألف (60.000 ) درهم. وهي عقوبات تجلي بشكل واضح أنها لا تتماشى وحجم الضرر اللاحق بالأطفال المعتدى عليهم، وآثارها على المجتمع بأكمله، ولا تتناسب العقوبات مع الجرائم المرتكبة.