ثمة مؤشرات عدة تؤكد أن تكلفة المغرب جد مرتفعة نتيجة تفشي استهلاك الخمور وارتفاع الإصابة بالسرطان في المغرب، وهي إن كان البعض ظل ينظر إلى أن الأمر مجرد احتمال ضعيف لا يرتقي إلى التدقيق العلمي، مما يجعله لا يخلص من صراع مصالح توظف العلم، فإن تأكيد مدير المعهد الوطني لمكافحة السرطان بفرنسا، دومينيك مارانينشي، على أن العلاقة بين الخمور والسرطان مسألة قاطعة لا تقبل الجدل، يكون قد ألقى بقنبلة قوية ليس في مجال البحث العلمي فحسب، ولكن في وجه الحكومات المتواطئة مع لوبيات الخمر في بلدانها، وظلت تصرف النظر عن الأخطار التي تسببها أم الخبائث على صحة مواطنيها. الجديد الذي جاء به تقرير المعهد الوطني لمكافحة الخمر بفرنسا، يؤكد ما ظلت تنبه إليه منظمة الصحة العالمية من أن الجرعة القصوى المسموح بها، وليس الموصى بها كما يدّعي منتجو الخمور، هي كأسين بالنسبة للرجال، وكأس واحدة بالنسبة للنساء، أما تقرير الذي حمل توقيع دومينيك مارانينشي فإن تعتير أن الخمور وبسبب الإيتانول الذي تحتويه فهو مسبب للسرطان، ويعتبر أن هذا مؤكد بأدلة قاطعة لا تقبل الجدل، ولا فرق في ذلك بين الخمر والكحول، ويقول مارانينشي إنه ليس هناك أي معيار لتحديد العتبة التي يمكن القول معها إنه في أقل منها ليس هناك خطر للإصابة بالسرطان، فتقطة واحدة من الايتانول يمكن أن تصيب بالسرطان. بسبب هذه التحذيرات المتواصلة إذن، يمكن أن نفهم كيف تراجع استهلاك الخمور في فرنسا، التي تحتل المرتبة الأولى في العالم لإنتاجه، ويوضح تقرير المعهد الوطني لمكافحة السرطان بفرنسا، أن استهلاك الخمور عرفت تراجعا مطردا، إذ انتقلت معدل استهلاك الفرد الواحد من 26 لتر سنة ,1961 إلى 7,12 لتر سنة .2005 رغم الدعاية التي مارسها منتجو الخمور في فرنسا بالقول إن تناول الخمر ضروري من أجل صحة متوازنة في سنة 1995 بالترويج لدراسات لبسوها لبوسا علميا، فإن استهلاك الفرنسيين سنة 1990 للخمور تراجعت من 4,15 لتر لكل فرد إلى حوالي 14 لتر لكل فرد سنة .2001 والملاحظ هنا أن تراجع استهلاك الخمور، قابله، من جهة أخرى، تراجع في حالات المصابين بداء السرطان في فرنسا بنسبة 25%. وفي مقابل ذلك وأمام تلك التحذيرات، يسجل المغرب، ارتفاعا في الإنتاج والاستهلاك معا للخمور، كما يسجل سنويا ارتفاعا في عدد المصابين بالسرطان. يكشف تقرير مكتب الصرف بخصوص سنة 2008 أن واردات المغرب من الخمور بلغت نحو أزيد من 5,39 مليار سنتيم، مسجلة ارتفاعا بلغت قيمته 6,6 مليار سنتيم مقارنة مع سنة .2007 أما بالنسبة للصادرات فقد عرفت تراجعا بقيمة مليار سنتيم خلال الفترة نفسها، مما يؤكد حقيقة واحدة: استهلاك الخمور في ارتفاع. وبلغة الأرقام فإن المغرب صنع خلال سنة 2008 نحو 35 مليون قنينة خمر، ومن بين 27 مليون قنينة خمر أنتجتها أكبر شركة للخمر في المغرب، تم تصدير مليوني قنينة فقط لأوربا وأمريكا. مما يعني أنها توجه للسوق الداخلي أساسا، حيث تلقى انتشارا واسعا وصل إلى حدّ بيعها في الأسواق الممتازة التي يرتادها المغاربة المسملون أساسا. أما بالنسبة لارتفاع المصابين بداء السرطان في المغرب، فقد سجّل، حسب التقديرات المتداولة، ما بين 35 ألفا و50 ألف مصاب جديد كل سنة، وهي تقديرات لدراسة أنجزتها جمعية للا سلمى لمحاربة داء السرطان. وفي الحقيقة، فإن المغرب لا يتوفر على دراسة وبائية دقيقة حول هذا الداء الفتاك، لغياب سجلات جهوية وسجّل وطني للسرطان، مما يحول دون إنجاز أي دراسة علمية، كما يحول دون وضع أية سياسة عمومية. وأكد مصدر طبي أن دراسة واحدة أنجزت حول مرضى المعهد الوطني للسرطان بين 1985 و2002 أكدت هناك 68 ألفا و724 حالة جديدة من المصابين. وفي 2007 صرح وزير الصحة السابق، السيخ بيد الله، في مؤتمر حول السرطان انعقد بمراكش، أن النسبة السنوية للإصابة بالسرطان تقدر بنحو 30 ألفا و54 ألف حالة جديد كل سنة. باستحضار خلاصة الدراسة التي أنجزها المعهد الوطني لمكافحة السرطان في فرنسا، والتي تؤكد أن استهلاك الخمور يؤدي إلى الإصابة بالسرطان قطعا، وأن تناول كأس واحدة منها يسبب السرطان، بسبب أن الخمور تدمر الحمض النووي للإنسان، يكون أمام الدولة المغربية اليوم تحديان اثنان: تحدي مكافحة الخمور من جهة، وتحدى مكافحة السرطان الذي يفتك في صحة المواطنين المغاربة أكثر فأكثر، لأسباب مختلفة، واحدة منها هي الخمور أم الخبائث. للإطلاع على الملف اضغط هنا