منذ زمن بعيد لم يجر التركيز على الملف النووي الباكستاني من طرف الأمريكان والإسرائيليين كما وقع خلال الأيام الأخيرة، فلأول مرة منذ سنوات طويلة نسمع تعليقات إسرائيلية مباشرة حول الملف المذكور من طرف نتنياهو وليبرمان، فضلاً عن محللين إسرائيليين يطالبون بمعالجته على نحو عاجل. بعد تعليقات غير مسبوقة من نتنياهو ربطت النووي الإيراني بالنووي الباكستاني، جاء ليبرمان ليحذر في حوار مع صحيفة روسية من استيلاء حركة طالبان على الحكم ووقوع القنابل النووية في أيدي أنصار أسامة بن لادن، منبها الصين وروسيا، فضلاً عن الولاياتالمتحدة إلى إمكانية ذلك وما سيترتب عليه من مخاطر. درور زئيفي، وهو بروفيسور محاضر في دائرة الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون، كتب في يديعوت أحرونوت (20 ـ 4) مقالاً وجه من خلاله ذات التحذير، لكنه فضل عدم قصف الترسانة النووية الباكستانية، مقترحاً العمل سراً لإخراج الرؤوس النووية من هناك ، وذلك بالتعاون مع الرئيس زرداري مقابل مساعدته قدر الإمكان للحفاظ على حكمه . وكعادة واشنطن التي تتحرك على إيقاع الهواجس الإسرائيلية، ها هي السيدة هيلاري كلينتون تقف أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب (20 ـ 4) لتعطي صورة سوداوية عن الوضع في باكستان في ظل توسيع حركة طالبان لمناطق نفوذها بعد اتفاق وادي سوات، متحدثة عن إمكانية وقوع البلاد وسلاحها النووي تحت سيطرة الحركة، ومطالبة الرئيس الباكستاني بالعمل بكل قوة من أجل الحيلولة دون ذلك. بعد ذلك بأيام، تحديداً أول أمس السبت، كررت كلينتون ذات التحذير في حوارها مع فوكس نيوز، وتحدثت عن دفع باكستان إلى وضع إستراتيجية لاستعادة زمام الأمور . يأتي ذلك كله في ظل إلحاح إسرائيلي على الولاياتالمتحدة كي تبادر إلى معالجة الملف النووي الإيراني، وفي ظل تسريبات تتحدث عن استعدادات إسرائيلية لقصف المنشآت النووية الإيرانية، الأمر الذي أخذته طهران على محمل الجد للمرة الأولى: محذرة من ردها العنيف على ذلك. في الحالة الباكستانية تبدو الأوضاع في أسوأ أحوالها، لاسيما أنها تأتي معطوفة على تطور غير مسبوق في العمليات العسكرية من طرف حركة طالبان الأفغانية مع بداية الربيع، وفي ظل صراخ حلفاء الأمريكان في الناتو من صعوبة الوضع، لا سيما في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة. إلى أين تمضي الأوضاع في باكستان في ظل هذه المعادلة المعقدة ممثلة في وقوع حكومة زرداري بين مطرقة الأمريكان وسندان حركة طالبان الباكستانية، بينما تأتي العمليات الأمريكية في مناطق القبائل، والتي تقتل المدنيين بلا حساب لتزيد السخط عليهم وعلى الحكومة في آن، وذلك في وقت تشعر فيه دوائر عسكرية لا سيما داخل جهاز الاستخبارات بأن واشنطن لا تلقي بالاً لمصالح باكستان، وما يعنيها هو معركتها مع طالبان الأفغانية، الأمر الذي يرد عليه بمزيد من توفير أدوات الدعم للحركة. ولا شك أن هذا الحديث المتكرر عن الملف النووي سيزيد في قلق تلك الدوائر ويعزز من ردود أفعالها. باكستان في ظل هذا الوضع تبدو مهددة، ليس بالفوضى والتقسيم فحسب، بل بالقضاء على ترسانتها النووية، وهذا الإصرار الإسرائيلي عل معالجة الملف لن يمر من دون إجراءات من طرف واشنطن، ما يعني أن المنطقة مرشحة للمزيد من التطورات. هكذا تتسع ورطة إدارة أوباما التي تبيع الكلام الناعم من أجل تعاون الحلفاء وغير الحلفاء معها على أمل الخروج من الورطة التي تعيشها في باكستان وأفغانستان وفي العراق (لا تسأل عن الأزمة المالية).