إذا كانت المقتضيات القانونية أطرت بشكل مستوف ضمان مبدأ التعددية والإنصاف في ولوج وسائل الإعلام السمعي والبصري، وزاد قرار الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في وضع معاييرها، والتزم بإعداد تقارير عن التعددية في كل وسائل الإعلام العمومية والخاصة، فإن هناك قضايا أخرى لم تشملها كل هذه الاعتبارات، ومن ذلك قضية اللغة العربية، فباستثناء ما يتضمنه تضمنته ديباجة القانون رقم 77,03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري من ضرورة الحفاظ على التراث الثقافي للأمة في غناه وتنوعه، فإن المعيار الوحيد المعتمد لمعرفة مدى التزام وسائل الاتصال السمعي والبصري بشقيه العمومي والخاص هو ما ورد من شروط في دفتر التحملات. وبالنظر إلى ما تضمنه دفتر التحملات التي التزمت به شركة سورديا القناة الثانية بخصوص التنوع اللغوي والثقافي، فإن القناة الثانية التزمت ببث 70 بالمائة من البرامج باللغة العربية، وبرنامج يومي باللهجة الأمازيغية وباقي التعابير الأخرى التي يمتاز بها المغرب، وإذا كان دفتر التحملات قد أعطى للقناة الثانية فترة انتقالية تتدرج فيها من بث 60 في المائة من البرامج باللغة العربية سنة 2006 و65 في المائة سنة ,2007 فإن تعامل القناة الثانية مع هذه الشروط يتسم بكثير من الالتباس، إذ تعمد إلى استعمال الدارجة بديلا عن اللغة العربية في كثير من البرامج. وعلى الرغم من غياب أرقام علمية تكشف مدى التزام القناة الثانية بهذه النسبة- وهو الأمر الذي ينبغي للقناة الثانية أن تبادر بتضمين تقاريرها السنوية ما يثبت التزامها بمقتضيات هذه الشروط حسب ما تنص عليه المادة 48 من القانون المنظم للاتصال السمعي البصري- فإن التوجه الفرنكفوني يبقى هو الإطار العام الذي يحدد مضمون البرامج وأهدافها؛ بما في ذلك البرامج الدينية التي يتم في الغالب التدخل في تحديد بعض عناوينها وضيوفها كما هو الحال في برنامج الإسلام وقضايا العصر. ويمكن أن نلمس معالم هذا التوجه الفرنكفوني في المؤشرات الآتية: 1 ـ اللغة الفرنسية هي لغة التواصل والإدارة داخل أروقة القناة الثانية: فجميع الاجتماعات التي أدارها سواء المدير السابق أو الحالي مع رؤساء الأقسام والمصالح تتم باللغة الفرنسية، وجميع الوثائق والمراسلات الإدارية التي تتحرك بين المصالح المكتوبة باللغة الفرنسية، ولغة التقارير والبلاغات والتدقيق المالي هي اللغة الفرنسية، إلى درجة أن مديرة قسم كبير في القناة، وهي المشرفة على عدد من البرامج التي تبث باللغة العربية، لا تحسن اللغة العربية قراءة أو كتابة. 2 ـ الرعاية الخاصة للبرامج التي تبث باللغة الفرنسية، إذ تحظى بأحسن الإمكانيات واللوجستيك والديكور، بخلاف البرامج التي تبث باللغة العربية، فإنها لا تحظى إلا بالمتواضع من الإمكانيات. 3 ـ التمييز بين رواتب الإعلاميين، فالذين يتحدثون اللغة الفرنسية يقبضون في أسوأ الحالات ضعف ما يتسلمه الإعلاميون الذين يتحدثون اللغة العربية. 4 ـ الموقع: بحيث يحظى الموقع الإلكتروني (النسخة الفرنسية) باهتمام كبير، حيث يتضمن كل التفاصيل الضرورية عن البرامج وتوقيتها ونوعيتها، بينما لا يكاد يجد المتصفح في النسخة العربية أدنى المعلومات والمعطيات عن هذه البرامج مما يضطره إلى بحث النسخة الفرنسية. 5 ـ كل ابرامج ذات الصبغة الاقتصادية والعلمية تبث باللغة الفرنسية، وفي ذلك محاولة لبعث الانطباع بأن لغة الاقتصاد والعلم لا يمكن أن تكون إلا الفرنسية، أما اللغة العربية فهي عاجزة عن مواكبة التطور العلمي. - 6 كل الممرات والمصالح والأبواب داخل بناية القناة الثانية تطلق عليها أسماء باللغة الفرنسية في غياب تام للغة العربية. - 7 المضمون الثقافي للعديد من البرامج يمضي في اتجاه إشباع رغبات لا تمس بصلة إلى الشرائح العريضة من المجتمع المغربي، إذ في الغالب ما تمثل رغبات أقلية محدودة في المجتمع، تتبنى القيم الثقافية الفرنسية. هذه بعض المؤشرات التي تكشف هيمنة العقلية الفرنكفونية على صناعة الخط التحريري للقناة الذي يزاوج بين إشباع حاجات الأقلية الفرنكفونية في المغرب، وبين تلبية رغبات صناع القرار السياسي.