تطرح اليوم أسئلة وتحديات عميقة على الإعلام العمومي، ذلك أن هذا الإعلام من جهة يختص بدعم تقدمه الدولة من المال العام يبرمج كل سنة في ميزانية قطاع الاتصال، وهو ما يجعل هذا الإعلام محط رقابة ليس فقط من الجهاز التشريعي، أو الهيئات المختصة بالاتصال السمعي البصري (الهيئة العليا للاصال السمعي البصري)، ولكن أيضا من الجمهور الذي يسهم عبر دفع الضرائب في تمويله، ومن جهة أخرى، فهو ملتزم بإطارين قانونيين: الأول عام، وهو القانون المتعلق بالاتصال السمعي البصري، والثاني خاص، وهو دفتر التحملات الموقع من قبل متعهدي الاتصال، وهو ما يجعله أيضا محط متابعة وتقويم ومساءلة حول حدود وفائه بالتزاماته. القناة الثانية، وعلى مدى عشرين سنة، سجلت تراجعا كبيرا على مستوى التزامها بما تضمنته هذه المقتضيات القانونية، لا سيما في الأبعاد الثلاثة: السياسية (التعددية) القيمية (منظومة القيم) اللغوية (حجم ومكانة اللغة العربية). وإذا كان التقرير التركيبي للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لفترة سنة 2007, قد عرى حقيقة التزام القناة الثانبة بمراعاة الطابع التعددي ومبدأ الإنصاف في ولوج وسائل الاتصال في برامجها، وكشفت أرقامه انحياز القناة الثانية المطلق للحكومة وأحزاب الأغلبية البرلمانية، و تهميشها الكبير لأحزاب المعارضة، والإقصاء الكلي للأحزاب غير الممثلة في البرلمان، فإن برامج القناة كشفت على المستوى القيمي تناقضا كبيرا في خط تحريرها. تناقض يتأرجح طرفاه بين دعم جزئي لمنظومة القيم الإسلامية في البرامج الدينية والاجتماعية، ودعم عناصر منظومة ثقافية أخرى لا علاقة لها بثوابت الشعب الأخلاقية والقيمية ولا بمقتضيات القانون المؤطر للمجال السمعي البصري، وهو الأمر الذي يعكس غربة القناة الثانية من قبل المشاهد، وإن حاول السيد سليم الشيخ أن يبرر نسبة المشاهدة التي لم تتجاوز 20 في المائة في وقت الذروة بالمقارنة مع الدول العربية، وهو القياس الذي كان ينبغي أن يكون مع دول أخرى متقدمة وليس مع دول لم ترق إلى مستوى النموذج المغربي في علاقته بالديمقراطية وحقوق الإنسان. ونفس الأمر يسجل، لكن مع حدة أكبر، فيما يتعلق بوضع اللغة العربية التي يفترض أن تكون حاضرة في برامج القناة بنسبة 70 في المائة كما ينص على ذلك دفتر التحملات، وهي النسبة التي أثبت التتبع أنه يتم الالتفاف عليها باستعمال الدارجة عوضا عن اللغة العربية. إنها تحديات تتطلب من الإدارة الجديدة أن تضعها في جدول أعمال المهمة التجديدية التي أعلن سليم الشيخ أنه سيباشرها في القناة في إطار عملية مراجعة شاملة، تراجع الموروث السلبي الذي وصفه المدير العام الجديد للقناة بـالتخلف، وتخرج القناة من غربتها القيمية، وتغير جهة استهدافها لتخاطب الشرائح العريضة للمجتمع المغربي بدل إشباع رغبات الأقلية الفرنكفونية المتغربة في المغرب. على أن مهمة المراجعة والتجديد هذه لا تتطلب أكثر من جرأة في القرار وشجاعة في التدبير، خاصة وأن المحيط الداخلي (الفضاء المؤسسي للقناة) والخارجي (الرأي العام والنخب) سيحيط هذه المراجعة بكامل الدعم والمساندة، إذ ليس هناك من شك، أن القناة الثانية تتوفر على إمكانات وكفاءات ومواهب إعلامية كبيرة، فما ينقصها سوى الاستثمار الجيد في مواردها البشرية، وإعادة النظر في خطها التحريري لجهة إعطاء مضمون حقيقي لما التزمت به القناة، خاصة ما يتعلق بمنظومة القيم واللغة العربية بما يعزز مكانة المقاربة الدينية والعلماء في برامجها، ويقوي من مبدأ التعددية واحترام مبدأ الإنصاف وتشجيع الحوار السياسي، والانفتاح على الإبداع الوطني بدل تشجيع الألوان الفنية الرديئة أوالمتغربة.