حديث القرآن الكريم عن الشيطان الرجيم تكرر كثيرا في مواقع متعددة وهذا التكرار والتركيز والتأكيد يدل على أهمية الأمر وخطورته. فمثلا كل السور الطوال في القران من البقرة حتى الأنفال تجد فيها ذكر للشيطان الرجيم، وفي آخر سورة من المصحف وهي سورة الناس كما في أوائل أول سورة من المصحف سورة بعد الفاتحة هي البقرة ، وفي سورة أخرى يتكرر الحديث عن الشيطان بصيغ مختلفة. فالأمر جدً ، لأن الذي يتحدث ويحذر هو الله جلا علاه ولأن الأمر يتعلق بمنشإ الإنسان ومصيره فمنذ البدء كانت العداوة:( وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) . ولما تقرر مصير بني آدم جميعا يوم القيامة تبرأ الشيطان ممن اتبعوه قال تعالى: (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل) إبراهيم الآية .24 إذا كان الأمر بهذه الأهمية والخطورة فالأحرى ببني ادم أن يتعرفوا على عدوهم الأول وطبيعة عمله وما يريد للإنسان، غير أن واقع حال الناس أنهم لا يعرفون هذا العدو الذي يريد لهم الشقاء المطلق في الدنيا والآخرة. وكأن الشيطان غير موجود وكأن القران والسنة لم يتكلما عنه، وحتى الكلام عن الشيطان في زماننا ليس بالأهمية التي لهذا الموضوع.ألهذه الدرجة نغفل عن بديهيات القران العقدية؟ أليست هذه الغفلة ذاتها من عمل الشيطان؟. الشيطان عدو لكم إن الله تعالى أخبرنا في أكثر من آية أن الشيطان عدوا لنا عداوة ظاهرة مكشوفة فقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) النور الآية .21 وأمرنا سبحانه بمعاداة الشيطان فقال : (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) فاطر .6 وأخبرنا سبحانه أن الشيطان يرانا ونحن لا نراه فقال تعالى:( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) الأعراف الآية .26 وذكرنا لنا عزوجل الأعمال التي يقوم بها الشيطان الرجيم. من هذه الأعمال أنه ضلل كثيرا من خلق الله عن الصراط المستقيم فقال تعالى:( ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وان اعبدوني هذا صراط مستقيم. ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون) يس الآية 61 جبلا كثيرا: يعني خلقا كثيرا. إنها حقيقة مخيفة حقا، وهي أن كثيرا من الناس في مختلف العصور قد أضلهم الشيطان فتنكبوا الطريق وكان الأحرى بهم أن يعقلوا ولكنهم لم يكونوا يعقلون. ومن هذه الأعمال أنه يأمر الإنسان بالكفر قال عزوجل: (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر، فلما كفر قال إني بريء منك) سورة الحشر.16 وإذا كان الكفر بالله هو أقصى ما يطلبه الشيطان من الإنسان، فإنه يسلك لذلك طرقا متدرجة خطوة خطوة.معصية بعد معصية.شيئا فشيئا.قال الله تعال( يأيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان)، تأمل كلمة خطوات لأن الخطوة شيء يسير خطوة بعد خطوة حتى يوغل الإنسان في البعد عن الله فيستسهل الكفر. ومن أعمال الشيطان أنه يصد الناس عن ذكر الله وعن الصلاة قال تعالى ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) المائدة93 الذكر والصلاة أمضى سلاح ضد الشيطان لأن الصلاة ذكر الله - وهي أمضى سلاح ضد الشيطان لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر ويريد من الإنسان أن يغفل عن سلاحه حتى يتمكن منه على غرار قوله تعالى( ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة) النساء101 كذلك الشيطان يود لو يغفل المسلم عن ذكر الله . ف الشيطان جاثم على صدر ابن آدم إذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس كما قال صلى الله عليه وسلم. ومن عمل الشيطان أنه يأمر بالعري والزنا قال الله تعالى : (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما سوءاتهما) الأعراف 26 انظر إلى ظاهرة نزع اللباس وإلى مستوى العري، وإلى أسلوب الخطوات في التعري تفهم أصل الحضارة إنه عمل الشيطان وقارن هذا العري بما جاء في دين الله من أن الحياء اسم من أسماء الله لأن الله حيي ستير كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الحياء من صفات نبي الإسلام إذا كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها و أن الحياء خلق الإسلام. وأما أمر الشيطان بالفاحشة وهي الزنا تتكرر في أكثر من أية قال تعالى (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء)البقرة 267 قف عند كلمة يأمركم وتأمل فيها . ومن عمل الشيطان أيضا أنه يحرض الناس على الخصام والنزاع والاقتتال قال الله تعالى: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان للإنسان عدو مبين) الإسراء .53 ينزغ بينهم= يثير الفتنة. أحسب هذه الآية أصلا في أخلاق الإسلام في التعامل بين الناس وفيها أن القول الحسن والكلمة الطيبة تبني العلاقات الطيبة حتى مع الخصوم ، وأن الكلمة السيئة وراء كثير من العدوات والنزاعات حتى بين الإخوان وكلمة السوء هي المادة الخام لعمل الشيطان ويأخذها من فيك ويحولها إلى سهم في نفس أخيك. وقال الله تعالى ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر). ما هو هدف الشيطان وماذا يريد الإنسان؟ إنه يريد أن يدخل هذا الإنسان إلى النار، هذا هو هدفه النهائي من كل عمله قال تعالى: (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)فاطر.6 إنه داعية ولكن إلى الشر لقد خسر إبليس خسارة عظمى، بخروجه من الجنة لما رفض السجود لآدم وتلك هي أصل القضية. كيف تغلب الشيطان ولا تكون في حزبه؟ إن الله تعالى أخبرنا( إن كيد الشيطان كان ضعيفا) النساء .75 إن كيده الضعيف أمام المخلصين الذاكرين اليقظين. فعندما تكون عبدا لله حقيقة أي متقيا لله مستقيما فلا سبيل للشيطان عليك. قال الله تعالى في هذا الحوار بينه سبحانه وبين عدوه إبليس( قال ربي لما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين، قال هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) الحجر .4239 ولعل من أهم المداخل التي يدخل منها الشيطان إلى نفس الإنسان، الجهل وإتباع الهوى والغفلة عن ذكر الله. فدواء الجهل طلب العلم ودواء الهوى تزكية النفس ومجاهدتها وإرغامها حتى نزل على ما أمر الله وحكمه. ودواء الغفلة ذكر الله كثيرا أما ذكر الله قليلا فليس يكفي في التصدي لعدو شرس مثل الشيطان، والله أمرنا بالذكر كثيرا في أكثر من أية ، وأغلب المواقع التي ذكر فيها النسيان في القران الكريم نسب فيها إلى الشيطان منه قوله تعالى ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله) المجادلة.19 وأهم وسائل الذكر هي القرآن والصلاة بخشوع. ومحمد صلى الله عليه وسلم جاءنا ليعلمنا ما نجهل ويتلو علينا الذكر ويزكي أنفسنا عن أن نتبع الأهواء والشهوات قال تعالى:(هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) الجمعة.2 إن الصراع بين الشيطان وبني آدم قديم قدم الإنسان وباق إلى يوم القيامة وهو صراع شرس ومحموم لا بد من العلم به وبتفاصيله كما جاء ذلك في القران والسنة؛ لأن القضية قضية عقيدة ومصير وهي خطيرة بالحجم الذي أعطاها الله في القران الكريم. ولا ينفع معها إلا الاحتماء بالله ودينه وقرآنه لذلك كانت كلمة البدء في عبادة المسلم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لو يعرف المسلم قدرها لما تخلى عنها في كل وقت وحين. فاللهم أعذنا من شياطين الإنس والجن. والحمد لله رب العالمين عناصر الخطبة: - الآية المرجعية: قال تعالى: (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل) إبراهيم الآية .24 - الشيطان عدو لكم - الذكر والصلاة أمضى سلاح ضد الشيطان - ما هو هدف الشيطان وماذا يريد الإنسان؟ - كيف تغلب الشيطان ولا تكون في حزبه؟