يبدو أن النقاش الذي فتحناه مع نيشانحول قضية منهج التعامل مع الجانب المرضي واللاأخلاقي في المجتمع أخذ أبعادا إيجابية، فعلى الأقل، تحرر موضوع النقاش، وصار كل طرف يدلي بحججه واعتباراته، وصار بالإمكان أيضا مناقشة هذه الأطروحات من خلال حججها ومستنداتها، وفوق ذلك تنزه النقاش عن بعض النعوت والتصنيفات الإيديولوجية التي تغطي على الجانب العلمي والصحي في النقاش. في مقال سابق تم الوقف عند افتتاحية نيشان للأسبوع الماضي والتي جاءت تحت عنوان التطبيع مع الواقع، والتي دعت إلى الاعتراف بعيوب المجتمع وقبول الجانب اللاأخلاقي فيه والتسامح معه، حيث تمت المطالبة بتطبيق منهج الافتتاحية الذي دافع عن نقل السينما للجانب اللأخلاقي المتعلق بالعنف والجنس، على ظواهر أخرى تهم ايضا الجانب غير السوي في المجتمع والخاص بقدح اليهود وإهانة المرأة والتمييز ضدها، طبعا، افتتاحية نيشانلم تبصر في هذه الشواهد سوى المثال المتعلق باليهود، والأكثر من ذلك اعتبرت إيراد هذا المثال خروجا عن الموضوع بحجة أن فيلم كازانيكرا لم يأت على ذكر اليهود. ودون نتساءل عن الخلفية التي جعلت نيشان تركز فقط على مثال سب اليهود، فإن ذلك ليس خروجا عن الموضوعا لسبب لبسيط هو أن ذلك أيضا جانب غير سوى في المجتمع، ومناقشة الحق في تقديم فيلم يعرضه كما هو، لا يختلف عن مناقشة فيلم يعرض قضايا الجنس والعنف، فالمشكل يبقى هو نفسه، أي صوابية تقديم فيلم سينمائي يعرض جانبا لاأخلاقيا في المجتمع وشرعية عرض ذلك الفليم على الجمهور وتهنئة الدولة على الترخيص به، ولهذا سواء تعلق الأمر بظواهر سب اليهود أو بالعنف، موقفنا واضح هو رفض ذلك. فغريب أن يعتبر هذا المأخذ المنهجي خروجا عن الموضوع، مع أن التعابير القدحية والساقطة الموجودة في المجتمع تحمل مضمونا واحدا هو إهانة ركن من أركان البنيان الاجتماعي؛ سواء تعلق الأمر بالأخلاق أو التسامح الاجتماعي أو مكانة المرأة الاعتبارية، فكيف يستساغ الدعوة منطقيا ومنهجيا الاعتراف بأحد العيوب دون الآخر، وكيف يقبل التسامح مع بعضها دون البعض الآخر، وهي بمجموعها وبشتى صورها تمثل الجانب المريض والمختل في المجتمع. والأغرب من حجة الخروج عن الموضوع في جواب افتتاحية نيشان على مأخذنا المنهجي، استحضار حسن النية وسوئها في مسألة التعابير القدحية التي تسود دون سائر التعبيرات الأخرى، يقول كاتب افتتاحية نيشان لكن هنا وجب التمييز - يقصد في حالة التعابير القدحية لليهود-: نعم يجب التسامح مع هؤلاء الذين لا يتسامحون مع الغير بدون وعي معتبرين الدنيا هكذا، لكن لا يجب التسامح مع (بل الشفقة) الذين يروجون الكراهية عمدا وبكل وعي بغية التحريض والسيطرة على العقول، هناك فرق جوهري بين النية الحسنة والنية السيئة، والواقع أن هذا التمييز غير مطروح في الفيلم بخصوص مروجي العبارات الساقطة واللأخلاقية. ثم إنه لم يلتزم هذا الضابط في مسألة الذين يستعملون التعابير اللاأخلاقية والساقطة، ولم يقل على نسق ما قال في حالة اليهود: يجب أن نميز بين الذين يستعملون هذه المفردات اللاأخلاقية بدون وعي، والذين يروجونها بقصد ويحرصون أن يعم تداولها بل ويحرضون على شيوعها من أجل خراب أخلاق المجتمع. أما الملاحظة المنهجية الثانية في النقاش، فتتعلق بالتمييز بين التعابير القدحية حين يستعملها أفراد في مجتمعهم، وهذه التعابير حين تنقل إلى الواجهة الإعلامية أو الفنية، فالنقاش لم يكن أبدا حول ماذا سنفعل إذن بجداتنا المحبوبات اللواتي يهمسن بدون وعي وبراءة الله يلعن اليهود، ولا حول ماذا سنفعل بهؤلاء الذين ينطقون بكلمة ليهودي متبوعة بحاشاك، لا حول موقف القانون منهم، هذا كله كلام لغط خارج الموضوع، إنما النقاش كان حول هذه التعابير حين تنقل إلى الواجهة الإعلامية والفنية: أي بلغة مفهومة: حين تصبح رسالة موجهة إلى الجمهورولذلك، إذا كان صاحب افتاحية نيشان يتذكر قليلا، فالسؤال الذي طرحناه عليه في نقدنا لمقالته الافتتاحية الأولى كان موجها إلى عرض هذه التعابير في عمل سينمائي، كما هو حال التعابير الساقطة التي استعملت بكثافة في فيلم كازانيكرا.