ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال التي يخلدها المغاربة كل سنة في الحادي عشر من يناير تزامنت هذه السنة مع العدوان الإسرائيلي على غزة والذي دخل يومه السابع عشر. هذه المناسبة، بقدر ما تعيد إلى الذاكرة المغربية فصولا من التضحيات التي قدمها المغاربة من أجل نيل الاستقلال، بقدر ما تزيد التأكيد على أن خيار المقاومة والصمود هو الخيار الذي سلكته كل الشعوب من أجل التحرر ودحر الاستعمار، وهي نفس التجربة التي لا زال المغاربة يحتفظون بصفحات من التضحيات التي قدمها المجاهدون والمقاومون المغاربة في حرب التحرير التي خاضوها ضد الاستعمار الفرنسي. نفس التجربة يعيشها اليوم الفلسطينيون في قطاع غزة، إذ يتصدون لأكبر قوة عسكرية في العالم، ويصمدون في معركة المقاومة والممانعة دفاعا عن حقهم في الوجود ضدا على الاحتلال الذي يمعن في قتل الأطفال والنساء ويخرق القانون الدولي ويلقي أرضا كل الاتفاقات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الطفل والأسرى والمدنيين. من حسن حظ المغاربة وبقية الشعوب الأخرى أنها تحتفل كل سنة بذكرى استقلالها وتعيد ربط الماضي بالحاضر، وتتذكر الدروس والعبر من تجربة الماضي، لكن للأسف، يبدو أن هناك محاولات يائسة من بعض فلول الانهزام لمحو الذاكرة والتاريخ وسنن التدافع ضد العدو من خلال بث خطاب مهرول ومطبع قلبه وولاؤه مع العدو أكثر من ولائه للأمة وتطلعاتها في الصمود والمقاومة ودحر الاحتلال. ليس غريبا أن نسمع فلول الانهزام، وهي بدلا من أن توجه سهامها إلى الوحشية الصهيونية التي خرقت كل العهود والمواثيق الدولية، توجه اليوم سلاحها ولسانها وكتاباتها ضد المقاومة الباسلة وتتهمها - كما فعل عباس أبو مازن - بإفناء الشعب الفلسطيني. إنها لمفارقة كبرى، بين من يمارس السياسية من وحي ذاكرته التاريخية، ومن وحي نضال الشعوب التي تحررت من نير الاستعمار، ومن وحي فهمه لسنن التدافع بين المقاومة والاحتلال، وبين من يبحث في سراب التسوية عن شيء اسمه الحقوق دون أن يقدم بين يديه أية تضحيات تذكر. درس التاريخ، ودرس ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال، ودرس الشعوب التي تحررت من الهيمنة الاستعمارية يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن للاستقلال ثمنا تقدمه الشعوب بتضحياتها ودمائها، وأن خيار المقاومة هو خيار النصر، وهي الخيار الأوحد لإجبار العدو على الانسحاب من غزة ورفع الحصار عن الشعب الفسلطيني وفتح كل المعابر لرفع المعاناة الإنسانية عن غزة. إنه بحق موقف الواجب، أن تأتي تعليمات للملك محمد السادس تزامنا مع ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال، إلى الحكومة وإلى بنك المغرب من أجل فتح حساب خاص لدى هذه المؤسسة تحت اسم حساب مساعدة فلسطين لتمكين المغاربة من الإسهام في التعبئة وفي دعم الشعب الفلسطيني، بعد أن أرسل المغرب في إطار المساعدة التي يخصصها لفائدة سكان غزة، طائرات محملة بالأدوية والمواد الغذائية الأساسية والأغطية. إنها بحق موقف الواجب والنصرة التي تظهر عمق مشاعر التضامن التي يكنها المغاربة لإخوانهم في غزة. وهو موقف يحتاج إلى تثمين، ويحتاج إلى أن يكون إشارة من المغرب تلتقطها الدول العربية الأخرى حتى يصير البعد التضامني مع غزة ودعم أبنائها خيارا عربيا إسلاميا يتقوى في مراحل لاحقة إلى ما هو أكبر من التضامن الإنساني ليرقى إلى مستوى تجسيد إرادة سياسية عربية موحدة لدعم المقاومة وحق الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال.