ينما تتدافع الدول العربية لإيجاد رد موحد على هجوم (إسرائيل) على غزة، يبدو أن تركيا تأخذ زمام المبادرة لتجسير الانقسامات التي قوضت الجهود العربية للتأثير على الفلسطينيين. بدأ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بجولة في البلدان العربية، بالتزامن مع الاجتماع الطارئ الذي كان يعقده وزراء خارجية الدول العربية في مقر الجامعة العربية في القاهرة، للخروج بموقف موحد من الأزمة في غزة. وحتى الآن، ساعدت الهجمات فقط في إلقاء الضوء على الانقسامات التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط على صعيد الشارع والحكومات في المنطقة - وهي خلافات أعاقت الجهود التي تبذلها الدول العربية لكبح جماح حركة حماس الإسلامية، وإجراء مصالحة بين الفصائل الفلسطينية التي تعاني انقساما مريرا. لقد كانت تركيا، وهي ليست عضواً في الجامعة العربية، على علاقة وثيقة ب(إسرائيل) ولكنها اتخذت موقفاً قوياً معارضاً لهجماتها على غزة، وعلقت وساطتها في المحادثات غير المباشرة بين الدولة العبرية وسورية. أردوغان زار مصر والسعودية والأردن للتشاور حول الطرق الكفيلة باستعادة السلام. وتعتبر الدول المذكورة من الحلفاء الرئيسيين لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، وجميعها تخشى من نهوض الإسلام السياسي ومن النفوذ الإيراني. ويتوقف أردوغان أيضاً في سورية التي تعتبر من دول الرفض، والتي كثيراً ما تجد نفسها في موقع المعارضة لحلفاء الولاياتالمتحدة في المنطقة. لقد تجلى الصراع الإقليمي على النفوذ بين حلفاء واشنطن من جهة، وبين سورية وإيران من جهة أخرى في العراق ولبنان إلى جانب الأراضي الفلسطينية، ذلك أن سوريا تدعم حماس، بينما تعتبرها الدول العربية، وخاصة مصر التي لها حدود مشتركة مع غزة، حجر عثرة أمام وحدة الصف الفلسطيني وأمام عملية السلام الأوسع بين الدول العربية و(إسرائيل). وقد اعترف هشام يوسف، وهو أحد كبار المسئولين في الجامعة العربية، بصعوبة الوصول إلى إجماع عربي، ولكنه قال إن الشيء المهم هو إيجاد نهاية للعنف. ومما قاله على هذا الصعيد: إن الوضع بالغ الحساسية وهناك انقسامات، ولذلك لن يكون الأمر سهلاً. ولكن هناك اتفاق على الأمور الأساسية - فالجميع يريدون أن يتوقف هذا الهجوم العسكري فورا. لقد زادت المظاهرات التي عمت المنطقة من الضغط على الدول العربية، التي يطلب منها أن تتخذ موقفاً أقوى ضد الدولة العبرية. وفيما بدا أنه رد على الانتقادات التي وجهت لمصر، أدان الرئيس المصري مبارك تلك الهجمات بقوة، متهماً الزعماء (الإسرائيليين) بشن عدوان وحشي على الفلسطينيين. ولكنه أصر في الوقت نفسه على أنه لن يعاد فتح حدود مصر مع غزة بشكل كامل، إلا بوجود السلطة الفلسطينية كجهة مسؤولة عن المعابر الحدودية؛ (وكأن الحكومة الموجودة في غزة ليست منتخبة من شعب فلسطين). وكانت قد صدرت أعنف البيانات ضد (إسرائيل) عن إيران وحزب الله اللبناني، والذي يبدو أنه أكثر براعة في الضرب على الوتر الحساس بالنسبة للشعوب. وكان قد تطور سيناريو مشابه خلال الحرب على لبنان عام ,2006 عندما قامت مصر والأردن والسعودية في البداية بإدانة حزب الله الذي ظهر كبطل في أعين كثير من العرب، بسبب صموده في وجه العدوان. والنتيجة هي أن الحكومات المدعومة من الغرب تبدو في صورة بعيدة عن نبض الشارع العربي. ولكن الحقيقة أن الدول العربية لا تستطيع أن تفعل أكثر من مناشدة واشنطن التي تقدم الدعم التكتيكي للتصرفات (الإسرائيلية)، للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وفي الوقت نفسه تأمل في ممارسة بعض النفوذ على الفصائل الفلسطينية. أندرو إنغلاند الفايننشال تايمز/ 05 دجنبر 2009