تمثِّل حماس الفريق المقاوم في فلسطين في عصرٍ عربي التزمت فيه الحكومات العربية بمذهب التسوية السلمية مع الكيان الصهيوني، والتي تؤدي إلى التفريط في الحقوق العربية ما دامت هذه الحكومات لا تملك أوراقًا للضغط أو للإغراء. فمن الطبيعي أن يقدِّم المفاوض العربي ما يطلبه الطرف الصهيوني، وهذا المبدأ ينطبق بشكل أوضح في فلسطين؛ حيث السلطة الوطنية تعتقد أن بإمكانها دون أوراق أن تحصل من الكيان الصهيوني على بعض الحقوق الفلسطينية، وبعد أن أعلنت السلطة أنها ضد المقاومة، بل وتحوَّلت السلطة إلى ذراع للكيان لضرب المقاومة، والدلائل على ذلك لا تحصى. فأصبح في فلسطين رأسان: رأس مقاوم يحظى بالشعبية الكاسحة، ورأس مسالم يحظى برضا الكيان التام بديلاً عن الشعبية الفلسطينية، ويرتهن بقاءه بمدى جديته في ضرب المقاومة، بل إن هذا الهدف هو المبرر الوحيد لبقائه؛ فأي تهاون منه يبحث الكيان عمن يقوم به بشكل أفضل، فأصبحت السلطة سلطةً وظيفيةً تسعى إلى ضرب المقاومة لا إلى العمل من أجل استرداد فلسطين. انعكس هذا الموقف على علاقة مصر بحماس، أما الكيان الصهيوني فقد أعلن رسميًّا أن الفشل في احتواء حماس يتطلب العمل على اقتلاعه في المعادلة؛ بحيث تصبح السلطة وحدها هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني ويصبح توقيع رئيس السلطة على أية وثيقة للتسوية أمرًا ميسورًا؛ ولهذا السبب فإن الكيان فرض الحصار على غزة ويريد أن يصفِّيَ حماس بعمل عسكري مباشر؛ فهل هناك تنسيق بين الموقفين المصري والصهيوني حول هذه القضية أم تضارب؟! تناولت قناة (الجزيرة) الدولية الناطقة باللغة الإنجليزية قضية البدائل في غزة بين الهدنة والانفجار؛ ففي حلقةٍ شاركتُ فيها مساء 25 ديسمبر 2008م لفت نظري ما قاله المتحدث من الكيان وهو أستاذٌ للعلوم السياسية بالجامعة العبرية؛ حيث أكد أن سبب المشكلة في غزة هو مصر؛ لأن مصر تخاف من الإسلاميين - حسب قوله - وأن مطاردتها للإخوان المسلمين أوصلها إلى مطاردة حماس، ودفعت الكيان إلى أن يقوم بما سمَّاه المهمة القذرة، وهو تصفية حماس لصالح مصر. ورغم ما في هذه النظرية من غرابة، إلا أنني أراها مغرقةً في السذاجة؛ سواءٌ كانت من وحي الخيال الصهيوني أو كانت هدفًا مصريًّا؛ لأن المنظمات الأيديولوجية لا يصلح معها المواجهة العسكرية. فمن الواضح أن حماس قد ازدادت شعبيتها منذ حصار غزة، وسوف تزداد شعبيتها والنقمة على أبو مازن ومصر كلما اشتد التخطيط العسكري ضد سكان غزة، وقد يؤدي العمل العسكري الواسع في غزة إلى انفجار الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وربما في الشارع العربي. وكنت أظن أن المتحدث الصهيوني سوف يشكر مصر على صمودها الأسطوري ضد كل النداءات الدولية لفتح معبر رفح وإنقاذ سكان غزة، ولكن الكيان- كعادته- لا يرضى عن مصر مهما فعلت حكومتها طلبًا للرضا. من ناحيةٍ أخرى فإن وضع العنوان في الظروف العادية قد يعطي الانطباع بأن هناك تحالفًا بين مصر وحماس ضد الكيان الصهيوني، ولكن هذا الخيال الإيجابي أقل لمعانًا من هذا الخيال الصهيوني السلبي الذي يفترض أن مصر الرسمية تفكِّر وتخطِّط لتوظيف الكيان للقضاء على حماس. وأخيرًا.. فأنا ممن يرون أن عدم مساندة المقاومة سوف يؤدي إلى ندم مصر والمصريين، وأن المقاومة تدافع عن مصر داخل حدود أمنها القومي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله الأشعل-مساعد وزير الخارجية المصري السابق