أكّد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) الفلسطينية أن الحركة لن تكون طرفا في الصراعات الداخلية بعد رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، لأن حماس ستكون دومًا صمام أمان للوحدة الفلسطينية، وحمّل المسؤولية كاملة للكيان الصهيوني في جريمة تسميم عرفات، وقال خالد مشعل في حوار مع شبكة الإسلام اليوم: إن حالة التفكك العربي ساعدت شارون كثيرًا على استمرارية نهجه التعسفي الدموي تجاه شعب فلسطين.. إضافة إلى الدعم الأمريكي لشارون، وإعطائه غطاءً سياسيًّا وماديًّا لكل جرائمه.. ولذا يؤكد خالد مشعل أن العدو الصهيوني لا يعرف إلا لغة القوة.. ودليله في ذلك هو فشل كل الإتفاقيات السلمية التي وُقّعت مع العدو الصهيوني من مدريد إلى أوسلو إلى خريطة الطريق مرورًا بتقليص الوجود الشرعي للسلطة الفلسطينية، وإلى نص الحوار مع خالد مشعل: ما هو موقف حركة حماس من تداعيات وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات؟ و ما هو مستقبل حماس بعد غياب عرفات ؟ أولاً أريد أن أؤكد بداية أن الكيان الصهيوني قام بتسميم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، لذلك فنحن نحمّل إسرائيل المسؤولية كاملة عن جريمة موت عرفات، فكل التقارير الطبية خلال الأيام الماضية تشير إلى تعرض الرئيس عرفات للتسميم. فهي جريمة قتل صهيونية مُتَعَمَّدة، وحماس تعتبر رحيل عرفات خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني، لكننا نؤكد أن مسيرة الشعب الفلسطيني ستتواصل، وأن رحيل عرفات سيزيد حماس تصميمًا وصمودًا على مواصلة الجهاد والمقاومة ضد العدو الصهيوني. كما نرفض أي محاولة لشقّ وحدة الصف الفلسطيني، فبعد وفاة عرفات بدأت الفصائل الفلسطينية المختلفة الحوار لترتيب البيت الفلسطيني من الداخل للتعبير عن وحدتهم وتماسكهم، فحماس ستظل دومًا تتسم بالنزاهة والمصداقية والبعد عن استغلال الأحداث والإنتهازية، لذلك لن تكون حماس طرفاً في أي صراعات داخلية، وسنطالب الجميع الإلتزام بهذا الموقف، وسنبذل كل جهدنا لمنع أي اقتتال داخلي، خاصة فيما يتعلق بحركة فتح والسلطة، ونحن ندعو لتشكيل قيادة جماعية لشعبنا الفلسطيني تشارك فيها كل القوى الفلسطينية، وتمهّد لعقد انتخابات عامة، أما مستقبل حماس بعد غياب عرفات فحماس حركة مقاومة ضد عدو صهيوني غاصب، لا ترتبط بأشخاص فهدفها محدّد وواضح، وهو تحرير الأرض واسترداد الشعب الفلسطيني لكافة حقوقه المسلوبة، وغياب عرفات سيزيدنا تصميمًا على مقاتلة العدو الصهيوني. الإنتخابات الرئاسية هل تفكر حماس في خوض الإنتخابات الرئاسية بعد رحيل ياسر عرفات ؟ حركة حماس ليس لديها نية للمشاركة في الإنتخابات الرئاسية والتشريعية، وذلك لأنها انتخابات قائمة على أساس اتفاق أوسلو الذي تعتبره حماس باطلاً ومنتهيًا وغير شرعي، ونحن ندعو لانتخابات حقيقية تشارك فيها جميع فئات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وذلك للوصول فعلاً إلى إصلاح حقيقي من خلال إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، أما الإنتخابات المحلية فحماس ستشارك فيها وتجري الإستعدادات الكاملة لخوضها بإذن الله. في ظل استمرار السياسة الإسرائيلية الغاشمة من جهةٍ، والعجز العربي عن الردّ من جهةٍ أخرى.. كيف تتوقع صورة الأيام المقبلة؟ لا شك أن العدوان الصهيوني سيتواصل بل سيتصاعد أولاً لأنَّ هذا جزءٌ من الطبيعة الصهيونية القائمة على القتل وسفك الدماء وعلى الإرهاب والمجازر منذ قيام الكيان الصهيوني، وثانيا لأن الوضع العربي بتفككه وعجزه يغري هذا الكيان بتصعيد عدوانه على شعبنا الأعزل أو شبه الأعزل، وثالثًا لأن شارون أخذ دعمًا أمريكيًا مفتوحًا وغطاءً سياسيًا وماديًا لكل جرائمه القادمة والسابقة فالإدارة الأمريكية موافقة على كل جرائم شارون، بل ومشاركة في هذه الجريمة، وهذا كان واضحًا في تصريحات المسؤولين الأمريكان بعد كل جريمة اغتيال لقادة حماس، لكن السؤال الكبير الذي يبقى ماثلا.. أين الأمة؟! وأين دورها على المستوى الرسمي والشعبي؟! نعم الشعوبُ متعاطفةٌ معنا بشكل كبير.. نحن نقدر هذا عاليًا، ولكن هذا التعاطف بحاجة إلى برنامج.. بحاجة إلى ترجمة.. بحيث يتحول التعاطف والتأييد إلى آليات عملٍ فاعلة ومؤثرة ودائمة تجعل طاقة الأمة داخل إطار المعركة إلى جانب الشعب الفلسطيني.. أما على المستوى الرسمي فأعتقد أن الوضع العربي في أسوأ حالاته، وهذا لا يعفي العرب من المسؤولية، وما نخشاه أن هذا العجز العربي والصمت العربي أمام الجرائم الصهيونية أن يتحول إلى خيار دائم للمستوى الرسمي العربي والإسلامي، ومن ثم يُفَاجَأ القادة العرب أن الإستهداف الصهيوني الأمريكي لن يتوقف عند حد اغتيال قادة العمل الجهادي الفلسطيني أو تهديدها، بل سيطال حتى الرؤوس والقيادات العربية، وحينها لن ينفع الندم، ما نرجوه أن تستيقظ الأمة، وأن تدرك أنها مستهدفة، وأن المستهدف ليس قيادات حماس في الداخل أو الخارج، وإنما المستهدف الأمة جميعًا. مسئولية الأمة إذن تعتبرون أن العجز العربي ورقة إضافية في يد رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون إلى جانب الورقة الأمريكية؟ صحيح بالتأكيد العجز العربي يغري شارون بأن يفعل في شعبنا الفلسطيني ما يشاء من دون حسيب أو رقيب.. من دون حتى توقع ردة فعل غير محسوبة، ولذلك أنا أقولها ولست مفتئتًا على الله، ولا على أمتنا أخشى أن هذا الموقف تحمل الأمة مسؤوليته أمام الله تعالى أنها مشاركة بالجريمة من حيث لا تقصد، ولا تدري لأنَّ ترك الشعب الفلسطيني الضحية وحده أمام هذه المعركة الهائلة الشرسة التي كما قلت بحجم إسرائيل، وأمريكا معًا يواجه هذا المصير رغم أن نصرة هذا الشعب هو مصلحة عربية قبل أن يكون مصلحة فلسطينية، فالتخلي عن هذا الواجب وعن مساندة الشعب الفلسطيني مساندة فعلية حقيقية الذي هو مسؤولية شرعية أمام رب العالمين ربما يوقع أصحابه في الإثم، وربما تكون لهم مشاركة سلبية شاؤوا أم أبَوْا، وربما دون أن يدركوا الوقوع بهذه الجريمة. بعض المسؤولين العرب انتقد أسلوب حركة (حماس) في المواجهة.. معتبرًا أن نتائجه سلبية.. ألا ترون أن هذا الكلام سليما في ميزان الواقعية السياسية؟ نقول لهؤلاء -أيًّا كانت دوافعهم ونواياهم- ماذا يفعل الشعب الفلسطيني حينما يتعرض للعدوان؟ عندما يُغتال الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي؟ واغتِيل قبلهما وبعدهما قادة وكوادر؟ عندما يُقتل الأطفال والشيوخ؟ عندما تُهدم المنازل؟ عندما تُستباح المدن الفلسطينية والقرى والمخيمات، عندما تُهَدم رفح ومخيماتها أمام أنظار العالم، بمن فيهم العرب والمسلمون، عندما يكون ذلك كله ماذا يتوقعون من الفلسطيني؟ هل تستكثرون على الضحية حينما تُذبَح وتتلوى من الألم أن تعبر عن ألمها وعذابها؟! الملامة والإدانة والرفض يجب أن تكون ضدّ هذا العدو الصهيوني، وضد الإدارة الأمريكية التي تعطي دعمًا مفتوحًا وتمنح غطاءً شرعيًا للكيان الصهيوني لتنفيذ جرائمه ضد شعبنا، ثم إن العرب على المستوى الرسمي قدموا أعلى صور الواقعية، وقدموا مواقف سياسية في منتهى المرونة، وباللغة التي يمكن أن ترضي أمريكا والمجتمع الدولي، ماذا شفع لهم هذا ؟! العرب الآن يتقاطرون إلى واشنطن للقاء بوش، وفي المقابل ماذا يعطي بوش للعرب حينما يلتقيهم غير الابتسامات وبضع مجاملات؟! ثم الأوامر والتعليمات؟! ويجبرهم أن يلتزموا رؤية شارون في التسوية، وهي في الحقيقة رؤية شارون في تصفية القضية الفلسطينية. وهذا يقودنا إلى رؤية الواقعية العربية من منظور رسمي عربي وفلسطيني وفق رؤية أمريكية أوروبية.. رؤية غير مجدية ومحاولة البعض إلزامنا بهذه الرؤية الفارغة التي لم تقدم ولم تؤخر نعتبرها في حماس ورطة لا يمكننا القبول بها، مع يقيننا أن المعركة شرسة لكن الخيار البديل عندنا هو الصمود والثبات، وهو خيار مكلف وصعب، وثمنه باهظ لكن لا بديل له. وإذا لم يكن من الموت بدٌّ فمن العجز أن تعيش جبانا وأنا أؤكد لكم أن الشعب الفلسطيني لو وجد طريقًا آخر للتخلص من الإحتلال لاكتفى به، ولو وجدوا مجتمعًا دوليًا عادلاً منصفًا ينصف المظلوم، ويأخذ على يد الظالم الصهيوني لاكتفينا به، لكن لا قرارات المجتمع الدولي أنصفتنا، ولا أمريكا أنصفتنا، ولا أوروبا ولا العرب والمسلمون قادرون على ترجمة عاطفتهم إلى قدرة تردع إسرائيل، ولا هي قادرة على إجبارها على الإنسحاب ولا يملك الشعب الفلسطيني خيارًا سوى المقاومة، وهذا هو سر أن الآلاف من شعبنا ينحاز ويؤازر حركات وفصائل المقاومة، وما عشرات الآلاف التي تخرج لتشييع الجنائز كل يوم في أراضينا المحتلة ومبايعة المقاومة إلا دليل على أن الشعوب فقدت الثقة بالمرجعيات التي تدعو إلى التزام الواقعية الرسمية التي تصب في مصلحة الكيان الصهيوني. هناك من يتهم (حماس) بأنها لا تملك برنامجًا سياسيًا، ما تعقيبك؟ حركة حماس هي حركة جهادية تعمل على أرض فلسطين ضد الإحتلال الصهيوني وتحرير التراب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على جميع الأرض الفلسطينية، ومن يتهم (حماس) بأنها لا تمتلك برنامجًا سياسيًا فهو اتهام لا يعني الحقيقة.. فهي لها برنامج سياسي واضح هو تحرير الأرض الفلسطينية وطرد الإحتلال، وقد أعلنت الحركة أنها مع أي دولة فلسطينية على أي شبر يُحرّر من أرض فلسطين. والأرض هي العقيدة وجزء من ديننا، ولا يعني كوننا في حالة ضعف التنازل عن فلسطين التاريخية، فهي أرض وقف إسلامي، ومن يتنازل يرتكب خدشًا في دينه وعقيدته ولا نعطي المحتل الغاشم صك براءة ولن نقطع الطريق على الأجيال القادمة. طرح واقعي من أين تستمد حماس قوتها الجماهيرية؟ منطلق حماس هو ديني إسلامي، وهناك صحوة دينية في العالم، وفلسطين جزء من هذا العالم بطبيعة الحال، والناس يتوجهون إلى هذا الإسلام الصحيح الأصيل الذي يعيد الكرامة، كما أن طرح حماس واقعي، وقربها من معاناة الناس وإحساسها بآلام الناس وتضحياتها بالقادة والجنود وبمئات الشهداء الأسرى من قادتها ورموزها في السجون وكل هذه الأسباب تدفع الناس إلى التحلق حول حركة حماس حتى القوى والفصائل التي عزفت عن المقاومة عادت للمقاومة، وهذا يؤكد على أن برنامج حماس هو الذي يستطيع تحصيل حقوق شعبنا وتحقيق إرادته. إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة.. فما رأيك بهذه المقولة؟ الاتفاقيات من مؤتمر مدريد ومرورًا بأوسلو ثم انتهاء بخارطة الطريق لم تحقق إلا تنكرًا من قبل الصهاينة وعهودهم ومواثيقهم واتفاقياتهم لم تأت بشيء للسلطة الوطنية التي ألغت الميثاق، واعترفت بإسرائيل، ولكنها عادت إلى نقطة الصفر، ورأينا كيف أعادت إسرائيل احتلالها للضفة الغربية واستخدمت القوة، والبحث عن حلول للحديث عن مبادرات وهدنة هو لإخراج إسرائيل من مأزقها، ولم تحصد إلا التراجع الأمني والسياسي والاقتصادي، لذلك فإن لغة المفاوضات السياسية والاتفاقات والمعاهدات مع إسرائيل لا تنفع فهي لا تفهم سوى لغة القوة. أجرى الحوار : عوض الغنام