عرفت السينما المغربية في الآونة الأخيرة بروز اتجاه جنسي خيم على مجموعة من الأفلام المغربية التي أثارت حفيظة الجمهور وانتقادات المتتبعين للشأن السينمائي. فالكل يتذكر سخط الجمهور خلال عرض أحد الأفلام المغربية ذات المنحى الجنسي في الدورة التاسعة للفيلم الوطني بطنجة. تلا ذلك مجموعة من التصريحات للعديد من المخرجين والفنانين الذين انتقدوا بشدة هذا النوع من الأفلام التي تعبر عن تدني مستواها الفني والفكري. لكن هذه السنة تعاد الكرة من جديد، مما يطرح عدة أسئلة حول الجهات التي تدعم هذا التوجه الجنسي في السينما والدوافع الحقيقية لتشجيع مثل هذه الأفلام، إضافة إلى مساءلة هذه الأفلام فنيا وجماليا والنظر في كيفية معالجتها. الإرهاصات الأولى عادة ما ينسب إلى السينما أنها فن الإثارة والاستفزاز والتحرر من كل القيود والتطرق إلى كل الطابوهات. وهذه هي الصورة التي نقلها جل السينمائيين العرب إلى المجتمعات العربية الإسلامية المعروفة بالمحافظة، ناسين أنه في البدايات الحقيقية للسينما أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات ظهرت بأمريكا ما يسمى بـ اللجنة الوطنية للرقابة كلجنة تتصدى للتجاوزات اللاخلاقية في الأفلام. ويمكن القول إن السينما العربية ابتدأت من الوهلة الأولى جريئة ومتمردة على قيم المجتمع تحت غطاء الواقعية، خصوصا مع المخرجين المتشربين للثقافة الغربية، والذين حصلوا على معارفهم السينمائية بالغرب. وهذا ما عبر عنه المخرج المغربي عز العرب العلوي بقوله: الاختلاف في الخلفية الثقافية، لأن هؤلاء المخرجون الذين نطالبهم بأن يكونوا منسجمين مع الحضارة العربية الإسلامية ليست هذه الثقافة العربية الإسلامية؟ والمغرب لا يستثنى من هذه القاعدة، إلا أن الأفلام الأولى للتجربة السينمائية المغربية كانت تتحاشى المشاهد الجنسية، وكانت تكتفي بما يوحي إلى ذلك. لكن اليوم وبعد مرور نصف قرن على السينما بالمغرب؛ أصبح هناك ما يمكن تسميته بالتوجه الجنسي في السينما، يروج له في القاعات السينمائية والأوساط الفنية والثقافية حتى يجد له صدى بين الجمهور المغربي وخصوصا فئة الشباب. توجه أم موضة عابرة؟ يرى المخرج عز العرب العلوي أنه لا يمكن الحديث بشكل عام عن اتجاه جنسي مؤسس له مكون وله فكر وله رؤية وإيديولوجيا. بمعنى مدرسة عامة تسمى بالاتجاه الجنسي تشتغل عليه موضوعا وطريقة. وإنما هي موضة أو خرجات منفصلة وغير معللة، ولا تضيف إلى الفيلم ما يعتقد المخرج أنها تضيف له. وعن انعكاسات هذه الخرجات على الجمهور المغربي يقول العلوي في تصريح لـالتجديد : قد تمنع مجموعة من الناس من أن يشاهدوا هذا الفيلم براحة تامة انسجاما مع ثقافتهم وتقاليدهم ودينهم. إذن فهي تنفر أكثر ما تحبب الفيلم لأنها بمثابة تلك الذبابة التي تسقط في كأس اللبن. وهذا ما كان من الممكن أن يتفاداه شريط كازا نيكرا مثلا بحذفه أشياء تثير حساسية المتلقي كمسلم وكعربي. لكن حسب الناقد سيجلماسي هناك مخرجون مغاربة اختاروا الاشتغال على المواضيع الجنسية بشكل مفكر فيه من خلال رصدهم للمفارقات المجتمعية التي يمكن الوقوف عليها في علاقات الرجال بالنساء داخل مؤسسة الزواج وخارجها. ويذكر عبد القادر لقطع في أفلامه حب في الدارالبيضاء ( 1991 ) و بيضاوة ( 1998 ) و وجها لوجه ( 2003 ) و ياسمين والرجال ( 2007 ). ثم عزيز السالمي في فيلمه الطويل الأول حجاب الحب ( 2008) وأفلامه القصيرة سبقت رؤيته وعلى جناح السلامة وعايدة. ويرجع السبب في هذا الاختيار إلى أن هذين المخرجين المتشبعين بالثقافة الغربية يحاولان خلخلة بعض الثوابث داخل مجتمعنا المحافظ من خلال تفجير المسكوت عنه بنوع من الجرأة المضمونية. مشيرا إلى أنه لا يحق لنا أن نحاكمهما على اختياراتهما وإنما نطالبهما مستقبلا بتطوير مقارباتهما الفنية لهذه الإختيارات. وهنا يستوجب الأمر معرفة دوافع وأسباب هذه الاختيارات أوالخرجات التي يعتبرها العلوي نوعا من الانفتاح غير المبرر. استفزاز أم إرضاء المنتج الخارجي؟ إن المتتبع لظاهرة الجنس في الأفلام المغربية يلاحظ أن أسبابها متعددة: إما استفزاز المجتمع أو استقطاب جمهور عريض؛ خاصة ذلك الذي يبحث عن المتعة المسروقة، أو قصد تحقيق أرباح على مستوى شباك التذاكر، أو كما قال الناقد سيجلماسي: إرضاء لاشعوري لبعض مكبوتات المخرج. إلا أن المخرج العلوي يرى أن الاستفزاز ليس هو المقصود من هذه الخرجات، بل هي إرضاء للمنتج الخارجي، بمعنى أن هذه الخرجات حسب قوله هي رسالة موجهة إلى الخارج ، مثل أفلام وداعا أمهات وفين ماشي ياموشي الموجهة إلى الخارج، والتي تغازل اليهود. وبالتالي فرغبة الإنسان في الجري وراء الإنتاج ومصادره تجعله يتنازل على الكثير من تقاليده والكثير من ثوابته الدينية. كما أنه يعتبر توظيف الجنس ضد الإسلاميين أو لاستفزازهم الغرض منه البحث عن كتابات صحفية لإثارة ضجة إعلامية كما حصل مع فيلم لولا وأفلام أخرى. بل يذهب إلى أن الأصل ليس استفزازهم بل هو تتميم العملية فقط. موضحا أن البحث عن الإنتاج يستدعي من المخرج أن يقوم بجميع الخطوات: أولا أن يثير ما هو جنسي داخل الفيلم، ثانيا أن يثير ضجة داخل المجتمع الذي يعيش فيه؛ تمكنه من أن يطلب لجوءا فكريا عند الآخر، كأنه مضطهد في مكان ما. ومن ثم يحتاج إلى إنتاج خارجي لكي يستمر في رسالته النبيلة. وفي نظر العلوي هذه هي الخطوات التي سيقوم بها المخرج ليعطي صورة متكاملة عن وضعه في بلاده. وهكذا سيجد منتجا في الخارج يرحب به ويعينه على نشر فكر متفتح. ليخلص المتحدث في الأخير إلى أن المشكل الموجود في بلادنا هو أنه لو كانت هناك جهات منتجة تعتمد الوسطية وتعتمد رؤية الحفاظ على مجتمع بشكل عام لأنتجنا مخرجين ينسجمون مع الوضع القائم كدولة إسلامية. مما يستوجب البحث عن نوعية المعالجة أو المقاربة لظاهرة الجنس في الأفلام المغربية. مقاربة جمالية وهوياتية كناقد سينمائي يعتقد أحمد سيجلماسي أن حضور موضوع الجنس في الأفلام المغربية أمر عادي جدا، لأن الجنس جزء من حياة الإنسان اليومية كالسياسة والاقتصاد وغير ذلك. وما دام الفن عموما والسينما خصوصا لهما ارتباط وثيق بالإنسان في أبعاده المختلفة، فهو لا يتصور سينما خالية تماما من الجنس. لكنه يرى أن شكل هذا الحضور يختلف من فيلم لآخر، بمعنى هناك أفلام تتضمن لقطات أو مشاهد جنسية مجانية لا تخدم البناء الدرامي بقدر ما تشوش عليه، إذ يتم إقحامها بشكل تعسفي من قبل المخرج للأسباب سالفة الذكر. وفي المقابل نجد أفلاما تعالج مواضيع جنسية شائكة بطرق فنية جريئة يحضر فيها التلميح والإيحاء عوض اللقطات الساخنة التي لامبرر لها دراميا. أما المخرج عز العرب العلوي فيرى أن الاختيارات الجنسية في الأفلام المغربية ليست ضرورة جمالية يمكن الاعتماد عليها بشكل أو بآخر، وتؤسس لعمليات متكاملة تخص مكونات الفيلم بشكل عام. موضحا أنه في بعض اللحظات عندما تكون لقطات جنسية في الفيلم يشعرك المخرج كأنه انقطع الخيط الرابط ما بين مكونات الفيلم وهذه اللحظة الجنسية ثم العودة إلى الفيلم. لذا يطرح السؤال التالي: لو حذفنا هذه اللقطات الجنسية هل سيشكل خرقا في المكونات الفيلمية؟ يقول العلوي:أظن أنه في جميع الأفلام كـحجاب الحب أو لولا أو كازا نيكرا سيبقي الخيط الرابط للفيلم وللخط التحريري للمخرج الذي يجب أن يحتكم في نظره إلى الجو العام للمجتمع، إذ يصرح: حينما أقول أنا مسلم وأنا عربي في دولة إسلامية ولها حضارة، فالأمر يستدعي وأنا أنظر إلى هذه العملية أن أعطي سينما تعبر عن هذا الواقع. وإذا أعطيت سينما مغايرة فأنا أشعر أنني لا أنتمي إلى هذا الوطن. قد يكون جميلا من أجل الحفاظ على هوية هذا الوطن أن تؤسس لجنة وطنية لرقابة الأفلام من اللقطات الجنسية الفاضحة، عوض لجنة لا يهمها إلا شباك التذاكر.