أكدت أستاذة القانون العام نجاة زروق أنه إذا كانت اتفاقية (الغات) قد فتحت بعض الثغرات في صرح التبادل الحر، إلا أنه قد تبين بالمقابل بعد عشرات السنين من تطبيقها أن المعاملة التفضيلية في التجارة الدولية لم تفلح في إخراج معظم دول الجنوب من وضعية التأخر التنموي. وتعلن الحقبة العالمية الجديدة، التي تتميز ليس فقط بالعولمة والتحرير الاقتصادي وميلاد منظمة التجارة العالمية والاندماج الإقليمي وإنما أيضا بتفكك وعدم تجانس العالم الثالث، حسب الكاتبة، موت نظام المعاملة التفضيلية التي حظيت بها الدول النامية سابقا باعتبارها كتلة موحدة ومتضامنة. جاءت هذه التوضيحات في كتابها الجديد التجارة والتنمية: من اتفاقية (الغات) إلى منظمة التجارة العالمية، الذي أصدرته حديثا، والذي أعاد النقاش مجددا حول دور التجارة الدولية كرافعة للتنمية سواء على المستوى متعدد الأطراف أو الإقليمي أو القطاعي. ويقدم هذا الكتاب، الواقع في 892 صفحة، تحليلا تاريخيا ومسحيا في الآن ذاته، لمختلف مراحل التأسيس والتراجع أو إعادة النظر في المعاملة التفضيلية في مجال التجارة الدولية. وركزت مؤلفة الكتاب على المراحل الهامة التي ميزت مسار تنظيم التجارة الدولية، منذ مؤتمر باندونغ (1955)، الذي يؤرخ لميلاد العالم الثالث، وصولا لجولة الدوحة التي انطلقت سنة ,2001 مرورا بانتهاء جولة طوكيو (1979)، التي عرفت فيها المعاملة التفضيلية التي منحت للدول النامية أوجها، وبإنشاء منظمة التجارة العالمية. فمنذ جولة الأوروغواي بدأ العمل ب معاملة تفضيلية جديدة في مجال التجارة الخارجية. وتصب هذه المعاملة أقل فأقل لصالح الدول النامية وبشكل متزايد لفائدة الدول المتقدمة. وتركز زروق، في هذا الإطار، على جولة الدوحة الذي أطلقت أملا في تقويم مكتسبات جولة أوروغواي، مبرزة أن التبادل غير العادل سيستمر لمدة أطول على حساب دول الجنوب وأن معادلة التجارة-التنمية هي اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مستعصية الحل. ويقع كتاب التجارة والتنمية: من اتفاقية (الغات) إلى منظمة التجارة العالمية في أربعة فصول، حيث يعالج الفصل الأول عمل اتفاقية (الغات) لفائدة التنمية، في حين خصص الفصل الثاني لتحليل الظرفية الجديدة التي وظفت فيها، منذ ذلك الوقت، المعاملة التفضيلية. أما الفصلان الثالث والرابع فقد خصصا على التوالي للمكانة الحالية التي تحتلها الدول النامية في منظمة التجارة العالمية وللبعد التنموي الذي أدمج في جولة الدوحة. واعتبر المدير العام لمنظمة التجارة العالمية السيد باسكال لامي الذي مهد للكتاب، أن أهم ما يميز عمل الدكتورة نجاة زروق أنها قامت بأبحاث جادة، موظفة تفكيرا تاريخيا وديناميا في الآن ذاته، حول مكانة الدول النامية ضمن النظام التجاري متعدد الأطراف، فضلا عن النظام القانوني القابل للتطبيق على مستوى تبادلاتها التجارية. وأضاف أن الكاتبة، التي تمكنت من مساءلة التاريخ لإضاءة للحاضر، قد عملت على موقعة إطار قواعد المنظمة ضمن الظرفية الجديدة التي تمارس فيها من الآن فصاعدا نشاطها، حيث يتداخل كل من منطق العولمة وانفتاح التبادلات والإقليمية.