أما في ما يخص موقع النظام القانوني المغربي وسط هذا الزخم من التحولات و التطورات التي يشهدها المشهد القانوني، فيمكن القول إن المعطيات الدولية الراهنة و المتمثلة على وجه الخصوص في تحرير التجارة و رؤوس الأموال و حركة المبادلات فرضت على المغرب تحديات و إكراهات تقتضيها ضرورات الإنخراط الفعال في المجتمع الدولي الحالي الذي يعج بمتغيرات قادرة على زعزعة ثوابت الأنظمة القانونية الوطنية. فمما لاشك فيه أن ظاهرة الإنفتاح الجمركي و مناخ الحرية الإقتصادية اللتان تشكلان النواة الصلبة للعولمة تستلزمان من المغرب رفع الرهانات التي ترافق هذه الأخيرة من تنافسية و بحث عن معايير الجودة و القدرة على ملاءمة التشريع الوطني مع التحولات الجديدة. هكذا يمكننا أن نسجل أنه نتيجة لعضوية المغرب في صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و منظمة التجارة العالمية، و نظرا لإلتزاماته تجاه شركائه التجاريين الأوربيين و العرب بعد التوقيع على سلسلة من إتفاقيات التبادل الحر و التي تجد على رأس قائمتها إتفاقية التبادل الحر الموقعة مع الإتحاد الأوربي بتاريخ 28 فبراير 1996، فقد أنجز المغرب مجموعة من الإصلاحات التشريعية همت على الخصوص القطاع الإقتصادي. و يتضح الإنخراط الفعلي و الوعي الحقيقي للمشرع المغربي بإكراهات العولمة من خلال الدستور كأسمى وثيقة قانونية ضمن سلم تدرج القواعد القانونية، ذلك أنه بمناسبة المراجعة الدستورية التي تمت بتاريخ 13 شتنبر 1996 وقع التنصيص على إقرار حرية المبادرة الخاصة كإطار قانوني و دستوري، بحيث لا يسمح بالإنتقاص منها أو المساس بها أو الحد من ممارستها إلا بموجب نص قانوني ووفق الحدود التي تخولها ضرورات النمو الإقتصادي و الإجتماعي للبلاد. هكذا نجد أن المشرع الوطني قد تبنى هذا التغيير الدستوري كتعديل وحيد طال الباب الأول من الدستور، و الذي يضم المبادئ و الأحكام العامة التي تنسج خيوط فلسفة الوثيقة الدستورية. و بذلك يكون المشروع قد كشف عن مضمون المرجعية الفكرية و الإطار المذهبي اللذين سيعمل وفقهما النظام الإقتصادي المغربي و الذي قوامه الحرية و الليبرالية و إطلاق روح المبادرة الفردية. فما هي إذن أهم الخصائص المميزة لمسار التأهيل التشريع الوطني من أجل مواكبة ظروف إنفتاحه على المحيط الخارجي و تدبير التنافسية التشريعية التي تشهدها الأنظمة القانونية الوطنية في ظل السباق المحموم من أجل خلق الذروع القانونية المتوافقة مع منطق العولمة ؟ 1- يمكن أن نسجل أن تحديث الترسانة القانونية في المغرب مع مطلع عقد التسعينات تم بدافع ملاءمة التشريع الوطني مع التشريعات الدولية المعمول بها. لذلك نجد أن معظم النصوص القانونية الحديثة ذات طابع إقتصادي صرف نذكر منها على سبيل المثال ميثاق الإستثمارات، قانون تحدث بموجبه المحاكم التجارية، مدونة التجارة، مدونة الجمرك، قانون حرية الأسعار و المنافسة، قانون تحدث بموجبه المحاكم الإدارية، مدونة تحصيل الديون العمومية، مدونة الضرائب و قانون مكافحة الإرهاب...... هكذا، و منذ توقيع المغرب على بروتوكول إنضمامه إلى الإتفاقية العامة للتجارة والتعريفة الجمركية بمدينة جنيف بتاريخ 18 ماي 1987، قامت السلطات العمومية بالتخفيضات اللازمة على التعريفة الجمركية و مراجعة بعض الأسعار ورسوم الإستيراد و ذلك حرصا منها على إحترام تعهداتها في إطار الغات و الإتفاقية المحدثة لمنظمة التجارة العالمية. 2 - تتميز معظم النصوص القانونية المستجدة بكونها لا تستجيب بالضرورة لحاجيات موضوعية محلية، بل هي في الغالب عبارة عن مواءمة يراها المشرع ضرورية لتشريعنا الوطني من أجل مواكبة مستجدات التشريع الدولي وإكراهات المرحلة الراهنة. و دليلنا على هذا القول تصديرات و ديباجات معظم القوانين الصادرة خلال الفترة الأخيرة و التي غالبا ما تربط أسباب وضعها و إخراجها إلى حيز الوجود بإلتزامات المغرب تجاه شركائه و المنظمات الدولية التي ينتمي إليها أو معطيات الساحة الدولية المتميزة بالمنافسة والتحرير الإقتصادي، و مما يعزز ذلك الكلمة التي ألقاها الوزير المكلف بالشؤون العامة للحكومة بمناسبة مناقشة مشروع قانون حرية الأسعار و المنافسة أمام مجلس النواب، حيث جاء فيها أن هذا المشروع «يستجيب لمقتضيات معاهدة الشراكة المبرمة مع الإتحاد الأوربي و لما تم التعهد به من إحترام مبادئ الشفافية و الإنصاف و التنافس في المعاملات المعتمدة في إطار منظمة التجارة العالمية للتجارة و كذا للتوصيات الصادرة في هذا المضمار عن مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة و التنمية. و هو مع هذا و ذاك يندرج في سياق إصلاحات المنظومة المؤسساتية للإقتصاد الوطني، و يعد عاملا من عوامل تأهيله و رفع مستوى أدائه و تنافسيته بقصد إستتباب تنمية مستديمة و خلق شروط مناعة وطنية في محيط إقتصادي يتسم بالعولمة و الشمولية». 3 - تأسيسا على الخاصية السابقة، فالقانون لم يعد يعبر عن إرادة الأمة، بل أصبح خير ناقل لإرادة الفاعلين في مسلسل العولمة. بحيث نجد أن مقتضيات النصوص القانونية المحلية مجرد إجترار و تكرار لمضامين توصيات المنظمات الإقتصادية الدولية لطموحات الشركات عبر الوطنية، الأمر الذي جعل من هذه القوانين تشريعات قسرية وجبرية تستهدف ترسيخ دعائم و سنن العولمة داخل المجتمعات الوطنية، ضاربة بذلك عرض الحائط مرتكزات سياساتها التنموية و مخططاتها الإقتصادية. و هذه الملاحظة تصدق على عدد من القوانين و التدابير التشريعية في المغرب و التي هي في حقيقة الأمر مجرد إنصياع للوصفات الإقتصادية الجاهزة التي يعدها صندوق النقد الدولي و البنك العالمي، نذكر منها على سبيل المثال قوانين الخوصصة و التدابير المالية التي جسدتها القوانين المالية منذ تطبيق برنامج التقويم الهيكلي سنة 1983 و الإجراءات التحفيزية التي تضمنها ميثاق الإستثمارات للمستثمرين الخواص لاسيما المادة 17 منه. يتبع