4 - مما لاشك فيه أن لظاهرة المنافسة التشريعية تأثيرا جليا على التشريع الوطني، إذ عرف المنتوج القانوني المغربي تطورا كميا في العقد الأخير و ذلك حتى يساير المشرع التطورات الحاصلة في المشهد القانوني العالمي، غير أن هذا التضخم القانوني لا يضمن بالضرورة نجاعة التنظيم و الضبط المعياريين اللذين خلقت لأجلهما القاعدة القانونية، بل إن هذه الظاهرة من شأنها أن ترتب نتائج عكسية منها ضياع الحقوق و الضمانات القانونية وسط الزخم القانوني، ذلك أن وفرة النصوص القانونية، كما يقال تعني عددا أقل من الحقوق المكفولة Plus de Textes veut dire moins de Droits . 5 - ينضاف إلى ما تقدم، إرتباط الترسانة القانونية المغربية بمرجعية أحادية و هي المتمثلة في النموذج القانوني الفرنسي الذي أثبتنا تجاوز الطابع التنافسي التشريعي للمرحلة الراهنة له و للفلسفة التي يرتكز عليها لصالح النموذج الأنجلوساسكوني و الذي أبدا تواؤما مرنا مع إكراهات العولمة، و بالمقابل نشيد بضرورة وجوب إحياء التأصيل الشرعي لمصادر تشريعنا الوطني بدل أن ينهل من التشريعات الوضعية، ذلك أن في أحكام التشريع الإسلامي و إجتهاداته أحكاما توافق جميع الأزمنة و الأمكنة. كما نشدد على وجوب خلق مرصد لجودة التشريع يعمل بتنسيق مع جميع الهيئات المتدخلة في العملية التشريعية من أجل دراسة فعالية و فاعلية النصوص القانونية. نستنتج من خلال ما تقدم، أن جدلية صراع الأنظمة القانونية بالبلدان النامية لا تتم بنفس الطريقة التي تعرفها دول الشمال من حيث إن دينامية التغيير لا تأتي من القاعدة أو من مستهلكي القانون الإقتصادي، بل من النشاط الصادر عن الشركاء الخارجيين أو الأجانب أو من جهود التوحيد النابعة عن سلطات هذه الدول من أجل التواؤم مع إكراهات الشمولية الإقتصادية. في حين تتشابه نتائج سيرورات التطور في كليهما من حيث إن النتائج المترتبة عن ذلك تفضي إلى أن نموذج القانون الإقتصادي يزيح كل فروع القانون التي تواجهه أو تنافسه في حقله التداولي. مما لاشك فيه أن التطورات التي سبق التعرض لها تحتمل بعض المظاهر الإيجابية من بينها السماح بنمو وعي حول الإكراهات التي تلقي بظلالها على جميع التشريعات الوطنية لاسيما في المادة الإقتصادية. و مادام أن الأنظمة الإقتصادية متداخلة في ما بينها و غير مستقلة الواحدة تجاه الأخرى بفعل ظاهرة الإعتمادات المتبادلة ، فإن القوانين التي تنظمها لا يمكنها أن تتنكر لبعضها البعض، و أول ما يمكن تسجيله هنا كمعطى صحي في حق عولمة القانون الليبرالي هو التلاقح القانوني في ما بين الأنظمة القانونية، ما دام أنه لا يمكن إستساغة فكرة إنعزال دولة عن أخرى وبالتالي لا يمكن أن يتطور قانون بمعزل عن القوانين الوطنية الأخرى أو بمعزل عن القانون الدولي. و من جهة أخرى، فإن الإمتياز الثاني الذي تم تحقيقه و الذي يرتبط عضويا بسابقه هو أن عولمة القانون قد سرعت من مسلسل التقارب في ما بين التشريعات الوطنية، الأمر الذي يشكل بدون تأكيد عنصرا أساسيا في تسهيل الحوار ما بين الأمم. و من خلال إقامة الحوار بين الدول و المجتمعات و المقاولات و الثقافات عن طريق عملية تلاقح الأنظمة القانونية في ما بينها، و التي ظلت لعهود ممتدة في الزمن متجذرة في ترابها الإقليمي لا تخرج عن إطاره، نجد أن العولمة بهذا الشكل و المرتكزة على دينامية السوق أفرزت على ساحة القانون مسلسلا لهدم بناء سيكون لامحالة في صالح المعنيين بالقواعد القانونية. 1-Yves Dezalay- L?impérialisme de la vertu-Le Monde Diplomatique-Mai 2000- Page-8-9. 2- Voir André Jean Arnaud ? Le Droit comme produit : Présentation du dossier sur la Production de la norme juridique ? Revue Droit et Société-1994. 3-Voir Horatia Muir Watt ? La Concurrence entre les Systèmes Juridiques ?lettre de Prospective- Tribune -2007. 4- Philippe Ndawell Nziem et Charles Albert Michalet ? Les Nouvelles Régulations de l?Economie Mondiale ? Karthala ? Paris ? 2005- Page 33. - 5- Laurent Carroué , Didier Collet et Claude Ruiz ? La Mondialisation- Editions Breal Paris ? 2006- Page 93. 6-Voir Jacques Fontanel ? La Globalisation en analyse- Editions L?harmattan ? Paris ? 2005- Page 93. 7-Laurent Carroué , Didier Collet et Claude Ruiz ? La Mondialisation -OP.Cité- Page 107. 8 - Mahmoud Mohamed Salah, La Mise en Concurrence des Systèmes Juridiques Nationaux : Réflexions sur l?Ambivalence des Rapports du Droit et de la Mondialisation ? Revue Internationale de Droit Economique- 2001- Page 267. 9-يرجى لمزيد من التفصيل الإطلاع على الدراسة التي إعتمدت تقرير البنك الدولي و التي برهنت على التفوق الذي يميز النموذج القانوني الأنجلوساكسوني على مستوى إستقطاب رؤوس الأموال و إستحداث المناخ للحياة الإقتصادية للدول G. CANIVET, M.-A. FRISON-ROCHE et M. KLEIN ? Mesurer L?éfficacité économique du droit- Paris- L.G.D.J.- collection Droit et économie- 2005 10- قانون التجار هو الترجمة المبدئية لهذا المفهوم اللاتيني و الذي يفيد النظام القانوني الذي تم إستخدامه من طرف التجار بأوربا خلال القرون الوسطى، و بذلك إرتقت مجموعة من الممارسات و الأعراف التي تم تداولها من طرف التجار في هذه الفترة التاريخية بدون تدخل من لدن السلطات العمومية إلى درجة الإلزام القانوني ، كما مكنت التجار من تنظيم أنشطتهم التجارية بشكل مرن و يستجيب للخصوصيات المحلية. Francis Roche ?Lex Mercatoria-Group Publishing-2000 11- Marie-Ange Moreau ? Normes Sociales Droit du travail et Mondialisation : Confrontation et Mutation ? Dalloz ? 2006. 12- F. DESSEMONT, Internet, la propriété intellectuelle et le droit international privé, in Internet, quel tribunal décide ? Quel droit s?applique ?, Kluwer Law International, pp. 47 et s. 13- و قد أيد هذه الأطروحة جاك شوفالييه في مؤلفه القيم حول دولة ما بعد الحداثة حيث أشار إلى أن دول الجنوب عموما لازالت تبحث عن ترسيخ قيم الحداثة داخل مؤسساتها Jaques Chevallier-L?Etat Post-moderne-Droit et Société ?LGDJ-Paris- 2004- Page 17. الرسمية و لمزيد من التفصيل يراجع: 14- Anthony Ogus et Michael Faure - Economie du Droit :Le Cas Français ? LGDJ- Paris ? 2002 ? Page 15. 15- Voir- Curtis J. Milhaupt and Katharina Pistor- Law and Capitalism: What corporate Crises reveal about legal systems and economic development around the world ? The University of Chicago Press-2008-page 38 16- J.M.Sorel : Sur Quelques Aspects Juridiques de la Conditionnalité du FMI et leur Conséquence- European Journal of International Law-Vol 7 - 1996. 17- من أجل المزيد من المعلومات يمكن الإطلاع على أطروحة الدكتوراة التي نوقشت في فرنسا تحت عنوان : Stratégie de Développement et Intervention des Institutions Financières internationales:Banque Mondiale et Fonds Monétaire International (le cas du Maroc) Wafaâ Balbal ? Université de Bourgogne- 1998. 18- Voir Roland Drago-La Confection de la Loi-PUF-Paris-2005.