بادرة حميدة تلك التي قام بها مجموعة من المثقفين والفنانين المغاربة بإعلانهم إنشاء تجمع يدعىالائتلاف المغربي من أجل التعددية الثقافية هذا الأسبوع، استباقا للمخاطر التي سوف تأتي مع منطقة التبادل الحر بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية التي قطعت المفاوضات حولها شوطا طويلا وينتظر أن يتم الإعلان عنها خلال السنة الجديدة الحالية. وقد جاء تأسيس التجمع المذكور ردا على التحديات الثقافية التي تطرحها اتفاقية التبادل الحر على بلادنا وهويتنا، خصوصا في غياب أي استراتيجية ثقافية للحفاظ على تراثنا وهويتنا وقيمنا قبيل الدخول في معترك خطير كهذا، الخاسر الأكبر فيه نحن لا هم، الأمريكيون. من غريب الصدف أن يأتي الإعلان عن هذا التجمع بعد أسبوع واحد تقريبا من اختتام سنة بكاملها كانت خلالهاالرباط عاصمة للثقافة العربية وفق التقليد الجديد لمنظمة اليونسكو التي دأبت عليه في السنوات الأخيرة الماضية، وقد كنا نحتفل بهذا التتويج في الوقت الذي كانت المفاوضات حول منطقة التبادل الحر بين بلادنا والولاياتالمتحدة تجري غير بعيد عن وزارة الثقافة، وقد بدا لنا في وقت ما بأن الثقافة غير معنية تماما بما يجري، أو أن من يمثلون المغرب في هذه المفاوضات غير معنيين تماما بالثقافة، لا أحد معني بلا أحد، بينما الأمريكيون معنيون بكل شيء، حتى باسم أبيك واسم أمك. إن هذا يدل على أن الشأن الثقافي في بلادنا لم تعد له تلك الأهمية التي توليها شعوب وبلدان أخرى له، والتي تعتز بثقافتها ولغتها أو ما يسميه الأوروبيونالتراث غير المادي، ودليل ذلك أن البعد الثقافي في مسلسل الشراكة مع الاتحاد الأوروبي كما أرسته قمة برشلونة الأورو متوسطي عام 1995 أو مسلسل الشراكة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ومنطقة التبادل الحر ليس له حضور متميز، فيما يذهب الاهتمام كله إلى التركيز على القضايا الاقتصادية والتجارية والمالية، بل إن المرء ليستغرب غياب الدراسات التي تنصب على تبيان هذا البعد في علاقته بالمشاريع المذكورة واقتصارها على الأبعاد الاقتصادية والتجارية، بحيث أنه لم يصدر في بلادنا شيء يذكر عن هذا الجانب، باستثناء مقال وحيد فقط في الملحق الثقافي ليوميةالعلم قبل ثلاث سنوات كتبته الأستاذة نجاة المريني عن الأبعاد الثقافية في مسلسل برشلونة، أما في الجانب الأوروبي والفرنسي بالخصوص فقد أشبع هذا الموضوع بحثا ودرسا، لأن المسؤولين هناك يعرفون بأنهم معنيون، ولأن المثقفين يعرفون بأنهم ليسوا غير معنيين. لقد أصبح خيارالاستثناء الثقافي مسألة مطروحة بجدية في السنوات الثلاث الأخيرة بعد أن رفعتها فرنسا وكندا في وجه الولاياتالمتحدةالأمريكية في المفاوضات داخل منظمة التجارة العالمية واتفاقية (الغات)، وتصدرت فرنسا بلدان الاتحاد الأوروبي في الدفاع عن هذا الخيار الداعي إلى استثناء الشأن الثقافي من الاتفاقيات الأخرى الخاصة بالسلع والبضائع داخل المنظمة، وإبعادها عن رهانات العولمة ورفع الحواجز الجمركية خوفا من الهيمنة الأمريكية. وفي الدورة الثانية والثلاثين لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) التي عقدت طيلة ثلاثة أسابيع بين 29 سبتمبر و 17 أكتوبر الماضيين بجنيف أثار الرئيس الفرنسي جاك شيراك هذه القضية مجددا ودافع عن التعددية الثقافية وطالب بعولمةمتحكم فيها جيدا، كما دعت فرنسا وكندا إلى إنشاء مؤسسة تعنى بالمحافظة على السياسات الثقافية للدول، وهي القضية التي ستشكل عام 2005 موضوع الدورة المقبلة لليونسكو، لكن الولاياتالمتحدة اعترضت على هذا الاقتراح، داعية إلى إدخال الثقافة ضمن مفهوم السلعة وعدم تأطيرها بتشريع خاص. والذي يبدو هو أن الولاياتالمتحدة عازمة على الانتصار في هذه المعركة على فرنسا وأوروبا، فهي لم تعد إلى منظمة اليونسكو بعد عشرين عاما من خروجها من أجل لا شيئ، إنها تدرك بأنها تحمل معها إلى ساحة المعركة انتصارا سريعا في العراق وآخر في أفغانستان وبعض الدول الأخرى في الجيب. يقول الفرنسيون الذين يستشعرون أكثر منا مخاطر العولمة على ثقافتهم ومنتجاتهم الرمزية إن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تملك ثقافة تصدرها للعالم، والصورة الوحيدة للولايات المتحدة لدى الشعوب الأخرى إذا حيدنا القوة جانبا هي هوليود، رمز الفرجة والتسلية والفراغ الثقافي والدعاية السياسية والقيمية، ولذا تخشى بلادمونتيسكيو من بلاد جيمس بوند. وبالنسبة إلينا نحن في المغرب، فإن المسألة واضحة بما فيه الكفاية، فإذا كنا من مستهلكي الثقافة الفرنسية بحكم التاريخ والجغرافيا، وكانت اللغة الفرنسية هي الثانية أو الأولى لدى بعض الفئات، وكانت فرنسا هي الأكثر تخوفا من العولمة الأمريكية ومنتجات هوليود، فكيف إذن سيكون موقعنا في منطقة التبادل الحر مع دولة عظمى؟. لقد رأينا حتى الآن نموذج الثقافة التي تريد الولاياتالمتحدة ترويجها في العالم، من خلال ما تبثه إذاعةساوا في بلادنا التي في العالم، ومن خلال المجلة العجيبة التي تسمىهاي، أي الرقص والفراغ والفراغ والرقص، ثقافة استغفال الشعوب واستبلاد الحس. نتمنى لالائتلاف المغربي من أجل التعددية الثقافية نجاحا في مهمته. وإلى اللقاء.