استطاع السكان المسلمون في مدينة مليلية، التي تحتلها إسبانيا شمال المغرب، أن يفرضوا تغييرا جذريا وعميقا على التاريخ الإسباني، بعد أزيد من خمسة قرون على تاريخ سقوط غرناطة، آخر قلاع الدولة الأندلسية في شبه الجزيرة الإيبيرية. وانتزع مسلمو مليلية بعد طول انتظار، قرارا رسميا باعتبار عيد الأضحى عطلة رسمية في المدينة، وهي أول مرة توافق فيها السلطات الإسبانية على اعتبار مناسبة إسلامية عطلة رسمية وفق بنود الدستور. وجاء إقرار العطلة الرسمية مباشرة من طرف الحكومة المحلية التي يقودها الحزب الشعبي، وهو حزب لم يعرف عنه من قبل مواقفه المساندة للسكان المسلمين. وعلى الرغم من أن هذا القرار سيسري ابتداء من سنة 2010، إلا أنه يعتبر إنجازا حقيقيا بالنظر إلى أن إسبانيا ظلت دائما على قدر كبير من الحساسية اتجاه المسلمين أو باقي الديانات بالنظر إلى التاريخ المشين التي عرفته شبه الجزيرة الإيبيرية إبان محاكم التفتيش التي تمت خلالها ملاحقة ملايين المسلمين الأندلسيين، ومعهم آلاف اليهود أيضا من الذين كانوا يعيشون في وئام تام في كنف الدولة الإسلامية بالأندلس. ومنذ أن سقطت غرناطة في يد الملوك الكاثوليك بعد ثمانية قرون من سيادة الإسلام في شبه الجزيرة الإيبيرية، فإن إسبانيا لم تسمح مثلا بناء مسجد في مدينة غرناطة، إلا قبل بضع سنوات وبعد وساطات كثيرة من بلدان إسلامية، وخضع المسجد لشروط هندسية كثيرة، وتحديد علو مئذنته بشكل لا يجعلها تعلو على باقي البنايات. كما يعارض الإسبان بشدة بناء مساجد في البلاد، وعادة ما يخرج السكان في مظاهرات أو احتجاجات معارضة لبناء مساجد في مناطقهم السكنية، وهو ما جعل إسبانيا واحدة من البلدان الأوروبية التي لم يحصل فيها توافق عددي ما بين ارتفاع عدد المهاجرين المسلمين وبين مساجدها. ويعيش في إسبانيا حاليا حوالي مليوني مسلم، غير أن عدد المراكز الثقافية الإسلامية أو المساجد تظل قليلة جدا مقارنة مع هذا العدد المرتفع من مهاجري البلدان الإسلامية. غير أن الوضع مختلف في مدينتي سبتة ومليلية، بالنظر إلى أن عدد المسلمين فيهما يقارب نصف السكان تقريبا، بالإضافة إلى أنهم يحملون الجنسية الإسبانية ويتمتعون بحقوقهم الدستورية على اعتبار أنهم إسبان كاملو المواطنة. وكان سكان المدينتين ناضلوا طويلا من أجل اعتبار أعيادهم الدينية مناسبة رسمية، خصوصا عيدي الأضحى والفطر، وهو ما لم ينجحوا فيه من قبل، على الرغم من أنهم يشكلون أصواتا انتخابية قوية، ويعتبرون رافدا أساسيا لكل الأحزاب السياسية في المدينة. وكان حزب «التحالف من أجل مليلية»، وهو حزب المعارضة الرئيسي، اتهم سلطات المدينة بممارسة ميز ضد السكان المسلمين وجرح مشاعرهم بسبب حرمانهم من الاحتفال بمناسباتهم الدينية.