في آخر أيامه وهو يجمع حقائبه للمغادرة نطق بوش بلا استحياء وفي قمة الإهانة للعرب، وللذين أبيدو بنيران جنوده، وقال بأنه لم يكن مستعدا للحرب وأنه غزا العراق بناء على معلومات استخبارية غير صحيحة، ليكشف مرة أخرى عن وقاحة الإدارة الأمريكية التي اشتغلت إلى جانبه، فبعد أزيد من خمس سنوات من أراقة دماء الأبرياء؛ وبعد أن أصبح العراق من أكثر البلدان قتلا وتدميرا وتشريدا جاء هذا الاعتراف ليمثل الاستهانة بحياة الشعوب والأنظمة التي تحكمها، في ابشع صورها. الاحتلال خلف أزيد من مليون عراقي وأرقامه تتتجاوز القتل الجماعي في مذابح روندا الذي بلغ 900 ألفاً عام ,1994 وتقترب من مليون و700 ألف ضحايا المذبحة الكمبودية الشائنة حقول الموتفي عهد الخمير الحمر في السبعينات، ويأتي بوش ليقول إنه خطأ مخابراتي بكل بساطة. فيما تنفع تصريحات بوش وهروب العراقيين من هذا الجحيم أدى إلى أزمة لاجئين فحسب وكالة اللاجئين للأمم المتحدة ءزخص ومنظمة الهجرة الدولية حدة، فإنه في العام 2007 تم اقتلاع حوالي خمسة ملايين عراقي من مساكنهم، بينما توزع العراقيون في الخارج بين سوريا أزيد من مليون، وأكثر من مليون توزعوا في الأردن، إيران، مصر، لبنان، تركيا، وبلدان الخليج. وأخذت الهجرة بالزيادة لتصل إلى 100 ألف شهرياً، وليس أمامهم خيار قانوني لممارسة العمل في معظم البلدان المضيفة، بينما صارت المحافظات في حالة اكتظاظ بائس. تصريح بوش هذا من المؤكد أن لا شيء سيترتب عليه، ما عدا حسرة شرفاء الأمة والناقمين على سياسته، وربما يحس بعض القادة العرب بضميرهم يؤنبهم على كل ما اقترفوه بصمتهم أومباركتهم لخطوات السياسية الأمريكية في المنطقة. أما الذين شاركوا الإدارة الأمريكية في الجريمة فلا شك أنهم يملكون تبريرات أفظع من اعترافات بوش الأخيرة. لن ينتظر المظلومون من الأممالمتحدة مقاضاة بوش بتهمة مجرم حرب، وتحميل إدارته الفظاعات التي ارتكبت في العراق، وليس في العراق حكومة وطنية قادرة على المطالبة بتعويضات بحجم ما سببه من ضمار في البلاد، ولا الدول العربية تمتلك الجرأة وحرية القرار لتطالب بمحاكمة الرئيس المنتهية ولايته على ما ارتكبه من جرائم، وعلى احتلاله بلدا عربيا له سيادته. بوش اختار الاعتراف بما سماه خطأ، وهو في حقيقة الأمر جهر بالجريمة، لأنه يعلم جيدا أن لا أحد باستطاعته المطالبة بلجان تحقيق دولية في أسباب غزوه العراق، ولا محاكمته على حجم الخراب والدمار الذي ألحق بهذا البلد. لن ينسى الشرفاء وذوو المروءة من العرب والمسلمين الإهانة العظمى التي أقدمت عليها إدارة بوش بإعدام الرئيس صدام فجر يوم عيد الأضحى، ونغصت على الشعوب فرحتهم في أعظم المناسبات الدينية. وها هو اليوم وعلى بعد أيام قليلة من المناسبة نفسها يعلن في تحد صارخ إهانة أخرى يعلن فيها أنه كان قادرا على غزو كل بلداننا حتى بدون سبب، وفي أحسن الحالات بناء على تقارير خاطئة للمخابرات. تُرى، ماذا سيقدم هذا التصريح لملايين العراقين الذي وجدوا أنفسهم في المخيمات أو طردوا من أرضهم أو هجروا إلي بلدان أخرى هربا من آلة الفتك والدمار. ماذا سيقدم هذا الاعتراف لدولة اغتصبت نساؤها وشرد أطفالها ودمرت حضارتها، إذا لم يترتب عليها عمل يرد الاعتبار. بوش لم يعتذر، ولم يندم، بل غادر الرئاسة ورأسه مرفوع حسب تعبيره.. ولا عزاء للعراقيين.