بمناسبة مرور خمس سنوات على احتلال العراق، أجرى كل من معهد السياسة الخارجية الأمريكي والمركز من أجل أمن أمريكي جديد استفتاء للرأي بين أزيد من ثلاثة آلاف وأربعمائة من المتقاعدين من الجنود الأمريكيين والعديد من الضباط السامين السابقين في الجيش الأمريكي، من الذين خدموا في العراق خلال الفترة الماضية، لاستطلاع آرائهم حول تأثير الحرب في العراق على الجيش الأمريكي. فكانت النتيجة أن هؤلاء العسكريين الأمريكيين يرون في جيش بلادهم قوات منهارة بشكل خطير ويعتبرون بلدهم في أسوأ مستويات التهييء والاستعداد لأي حرب أخرى مقبلة. فعن سؤال: هل ترى أن القوات الأمريكية هي اليوم أقوى أم أضعف أم في نفس المستوى الذي كانت عليه منذ خمس سنوات مضت؟ كان الجواب لدى ستين في المائة بأضعف، ولدى خمس وعشرين في المائة بأقوى فيم يرى خمس عشرة في المائة أن القوات الأمريكية هي في نفس مستواها منذ خمس سنوات عندما دخلت العراق غازية ومحتلة. وعن سؤال آخر لا يقل عن السابق أهمية، وهو هل الحرب على العراق قد حطمت الجيش الأمريكي ودمرته؟ أجاب ست وخمسون في المائة من الضباط والجنود المتقاعدين بـلا، فيم اثنان وأربعون في المائة أقروا بأن تلك الحرب قد دمرت جيش بلادهم. وعن سؤال هل هذه الحرب قد أضعفت العسكرية الأمريكية بشكل خطير؟ أجاب ثمان وثمانون في المائة بـنعم وفقط أحد عشر في المائة بـلا. هذه المعطيات تؤكد من جديد ما سبق أن أكدته جميع الحروب الاستعمارية السابقة، من أنه لم يخرج أي جيش محتل مهما بلغت قوته سالما من غزو بلد آخر مهما كان ضعفه. فلا النابالم ولا القنابل العنقودية ولا إحراق القرى بسكانها انتقاما من ضربات المقاومين قد تمكنت على مدى أزيد من سبع سنوات من أن تقضي على شعب الفييتنام الأعزل الجائع العاري. ولكنها أنهكت أقوى جيش في العالم واضطرته إلى الخروج دون شروط، بل بشروط المقاومة الفيتنامية الشمالية، التي وافقت بعد استعطاف الوسطاء أن تؤجل دخولها الكاسح إلى سايغون إلى ما بعد مغادرة الجنود الأمريكيين. ولا استطاعت حرائق النابالم أن تثني الشعب الجزائري عن مقاومة محتليه إلى أن اضطروا للجلوس إلى طاولة المفاوضات. والأمثلة كثيرة لعل أبرزها يتضح من كوننا لم يسبق أن رأينا جيش الاحتلال الصهيوني منهزما وخارجا هاربا تاركا أحذيته وراءه إلا على يد المقاومة اللبنانية سنة ,2000 كما أن طائراته لم تستطع في صيف 2006 إلا أن تدمر الجسور والمنشئات المدنية بقصفها من فوق كلمتارت بكل جبن، ولكن جيشها المدجج بالسلاح انهزم على الأرض أمام مقاومين قلة لا يملكون من السلاح إلا القليل والخفيف. أما السعي إلى التفاوض دون ظهر مقاوم يحمي الحقوق ويؤمن الحفاظ على ميزان قوى ضاغط فلم يؤد أبدا إلا إلى المزيد من الاستسلام ومن الخضوع لما يفرضه المحتل. ولقد رأينا كيف أن المبادرات العربية للسلام، هي التي تزيد من جرعات تنازلها في كل مرة، منذ مبادرة قمة فاس سنة 1982 إلى آخر مبادرة في قمة بيروت، بينما المواقف الصهيونية، منذ دخل العرب في مسلسل المبادرات تزداد تعنتا وإصرارا على إهانة العرب والفلسطينيين، وتجاهل كل مساعيهم السلمية، بل وحتى الاستسلامية. سوف تغادر القوات الأمريكية مهما بلغت قواتها العراق منهزمة مهما طال الزمن ما دام هناك مقاومون يجاهدون ويضحون بأنفسهم من أجل وطنهم ودينهم. ولن يُرجع الأرض المحتلة إلا ما أرجعها من قبل المقاومة.