الجزء الأول تسربت مؤخرا بعض التقارير من البيت الأبيض و كلها تتمحور حول سينارويهات الحكم بعد سقوط نظام البعث الحاكم الآن في العراق . على الأقل ثلاثة من هذه السيناريوهات لا تدعم قيام ديمقراطية حقيقية في البلاد . فجلها قائم أساسا على نظرية عنصرية مسبقة ترى أن العراقيين لا يصلح لهم إلا ديكتاتور عسكري أو حكم ملكي متسلط يستحيل معه تخيل أي شكل من أشكال الديمقراطية . و هناك على الأقل خمسة سيناريوهات و واحد منها ستعتمده كبداية الإمبراطورية الأمريكية لا محالة. 1 العراق تحت حكم الجيش يطلق البيت الأبيض من حين لآخر بعض الإشارات للدلالة على إمكانية قيام الجيش بانقلاب ضد مجموعة البعث بزعامة صدام حسين . و مبعث هذا التصور هو وجود مجموعات كبيرة من الضباط العراقيين السابقين في المنفى . ففي يوليو 2002 اجتمع سبعين من هؤلاء الضباط في لندن تحت رعاية مؤتمر المعارضة العراقية و ادعى هؤلاء أن لهم اتصالات بقيادات عسكرية بارزة داخل الجيش العراقي . و ضم هذا اللقاء الجنرال نجيب الصالحي القائد السابق في الحرس الجمهوري الذي يتزعم الآن حركة الضباط الأحرار و مقرها الولاياتالمتحدة . ظهر هذا التنظيم سنة 2001 و تعهدته كل من وزراة الخارجية الأمريكية و مؤتمر المعارضة العراقية المتمركز في لندن و المدعوم أمريكيا أيضا . و كان ريتشارد باوتشر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية قد صرح بان هذا التنظيم سوف يفيد الولاياتالمتحدة كثيرا . و لكن دعوات متكررة كانت قد وجهت منذ سنة 1990 لهذه القيادات العسكرية الموجودة الآن في المنفى و كان آخرها في محاولة انقلاب فاشلة سنة 1996 لعمل شيء ما و هم داخل الجيش دون جدوى . و يبدو واضحا انه ليس لهؤلاء أي تأثير على القيادات العسكرية العراقية البارزة أو حتى القيادات الصغرى . و إضافة إلى هذا هناك مشكل المصداقية , فمثلا الجنرال نزار الخزرجي رئيس الأركان السابق و المتواجد حاليا في الدانمارك كان قائدا سابقا في الحرب العراقية الإيرانية و انشق سنة 1995 عن الجيش العراقي و هو الآن متهم بارتكاب جرائم حرب ضد الأكراد في حلبشة سنة 1988 . و بالرغم من رغبته الشديدة في الانضمام إلى مجموعة ضباط المنفى العراقيين إلا انهم حذرون جدا منه لان دخوله سيعني فتح ملفات سابقة للدور الذي لعبوه هم أيضا في الهجمات الكيماوية على إيران و الأكراد . و تعد العراق من الدول التي طغى عليها حكم العسكر . ففي 1958 أطاح كل من العميد عبد الكريم قاسم و الكولونيل عبد السلام عارف بالحكم الملكي المدعوم بريطانيا و أعلن بعد ذلك عن قيام الجمهورية العراقية تأثرا بحركة الضباط الأحرار في مصر التي أطاحت بالحكم الملكي هناك سنة 1952 . و على اثر هذه التطورات اعتقد الحزب الشيوعي بأن استبداد النخب الحاكمة قد انتهى فأنشأ مراكز متعددة للمقاومة السلمية أسماها بالمقاومة الشعبية , إلا أن عبد الكريم قاسم و تحت وهج السلطة قمع بشدة كل نقابات العمال و الفلاحين . فقضى الجيش تقريبا على المعارضة و فرق شملها . و كان في هذه الفترة صدام حسين عضوا في حزب البعث لم يتجاوز عمره الثانية و العشرين سنة و كان من المشاركين في عملية الاغتيال الفاشلة سنة 1959 ضد عبد الكريم قاسم . و بعد أن عزل قاسم نفسه عن القوى الشعبية داخل المجتمع العراقي استفرد به الجيش و أطاح به سنة 1963 على اثر انقلاب قاده عبد السلام عارف و حزب البعث . و أعلن بعد ذلك عن أول حكومة بعثية عراقية بقيادة الناصري عارف لكن هذا الأخير توفي اثر حادث مروحية سنة 1966 فتولى بعده الأمر أخوه الجنرال عبد الرحمن عارف . و تحول الحكم من الديكتاتورية العسكرية الكلاسيكية التي حكمت بين 1958 و 1963 إلى حكم ديكتاتوري بعثي قائم على شقين عسكري و مدني كان قد أعد له سنة 1962 . و كانت سنة 1963 قد شهدت صراعات شديدة داخل المؤسسة العسكرية إلى أن حسم الأمر أقطاب حزب البعث الذي هو امتداد لحزب البعث السوري ذو الملامح الفاشية . و في سنة 1968 أصبح حزب البعث يسيطر بشكل تام على كل مقاليد الحكم بعد أن كان يدير الأمور بشكل غير مباشر منذ سنة 1959 و أعلن أحمد حسن البكر الضابط العسكري السابق و القائد البارز داخل حزب البعث رئيسا جديدا للعراق . استمر أحمد حسن في الحكم إلى أن أزاحه صدام حسين سنة 1979 بعد أن أعدم معظم منافسيه في أحد اشهر مؤتمرات حزب البعث . و لا يعتبر العديد من المتتبعين للشأن العراقي صدام حسين ديكتاتورا عسكريا بالرغم من استحواذه على قوة الجيش التي تمكنه من التخلص من منافسيه و إعلان الحروب متى شاء . من الواضح إذا أن هناك توتر ما يشوب العلاقة بين الجيش و سلطة الدولة و لكن ما الذي يمكن أن يشجع ضباط الجيش على القيام بانقلاب ضد حزب البعث ؟ الجيش العراقي مازال يذكر جيدا كيف سلخت فرقة المشاة الأمريكية 24 إبان حرب الخليج جلود القوات العراقية المنسحبة في 2 مارس 1991 . يقول الصحفي سيمون هيرش و هو شاهد على تلك الحادثة انه تحدث إلى حوالي 200 جندي أمريكي ممن شاركوا في تلك الحملة و أكد معظمهم أن قتل القوات العراقية لم يأتي ردا على إطلاق النار كما ادعت القيادة الأمريكية بل عملية قتل منظمة لأولئك الجنود رغم رفعهم للراية البيضاء . و على هذا الأساس ما الذي يدفع الجيش العراقي ليخاطر بانقلاب يفتح الباب على مصراعيه أمام القوات الأمريكية ؟ و ما هي القناعات التاريخية التي تجعلهم يطمئنون للحكومة الأمريكية ؟ 2 العراق تحت الاحتلال الأمريكي جاءت التكذيبات الرسمية بسرعة بعدما تحدثت الصحافة عن هذا الأمر في أوائل شهر أكتوبر الماضي و قالت أن البيت الأبيض يبحث إمكانية إنشاء نظام حماية أمريكي على الأراضي العراقية شبيه بما حصل بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية سنة 1945 . فحسب الخطة فسيستقر في العراق حوالي 100.000 جندي أمريكي و سينصب الجنرال تومي فرانكس قائدا عاما للأراضي المحتلة العراقية . و سيقوم هذا النظام باعتقال مجرمي الحرب و محاكمتهم و حل حزب البعث . يقول زالماي خليلزاد المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان و الخبير في شؤون غرب آسيا لدى إدارة الأمن القومي و الرجل المرتقب أن يلعب دورا كبيرا فيما بعد العراق : " ستكلفنا هذه الخطة حوالي 16 بليون دولار سنويا و لكن الولاياتالمتحدة ملتزمة بتوفير كافة المصادر المالية الضرورية لذلك لأننا مصرون على أن نبقى هناك أطول فترة ممكنة " . و حين سئل كولين باول عن خطة الاحتلال هذه تجنب الإجابة لكنه أكد انهم ملتزمون بخلق نظام ديمقراطي لكن مع بقاء السيطرة تحت يد الجيش الأمريكي . يقول كولين باول : " نحن نعمل في إطار خطط طوارئ و هناك نماذج تاريخية يمكن لنا أن ندرسها كاليابان و ألمانيا مثلا " . ربما النموذج الياباني مفضل لدى العديد من الأوساط الأمريكية . ففي اليابان نجح الاحتلال الأمريكي بقيادة ماكارتر في تفكيك البيروقراطية الفاشية التي كانت مسيطرة آنذاك لكنه أجهض محاولات الاشتراكيين لإعادة بناء قواعدهم السياسية . و لم تسلم أيضا النقابات المهنية من الآثار السلبية لسياسات الجنرال ماكارتر الذي منح امتيازات عديدة لما يعرف بالزايباتسو zaibatsu و هي المجموعات الصناعية المسيطرة على المجتمع الياباني . و في 1951 وضع ماكارتر أسس نظريته العنصرية للاحتلال حيث قال : " انطلاقا من مقاييس الحضارة الحديثة فإن اليابان و بالمقارنة مع تطورنا الاقتصادي الذي تجاوز سنته الخامسة و الأربعون ليس إلا صبيا لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره " . فبسبب النمو الاقتصادي المتذبذب وقتها لليابان حاول ماكارتر وضع تصورات معينة كضرورة احترام سلطة الدولة بكل مؤسساتها . هذه المقارنة مع اليابان ربما تروق لوزارة الدفاع الأمريكية لكنها ليست دقيقة . المقارنة الحقيقية يجب أن تكون مع فترة الانتداب البريطاني للعراق ( 1914-1932 ) . ففي سنة 1914 احتلت القوات البريطانية مدينة البصرة و بعدها بغداد ثم الموصل و أقامت على هذه المناطق الثلاث التي كانت تابعة للحكم العثماني دولة العراق الحديثة . و خوفا من تمرد الأقليات المتعددة كالشيعة و الأكراد و الآشوريين و اليهود و غيرهم حاولت بريطانيا التحالف مع العثمانيين ضدها . و جاءت فترة الشريفيين المنحدرون من وجهاء السنة الذين استوطنوا ضواحي بغداد . ففي سنة 1920 انتفض المجتمع العراقي ضد الاحتلال البريطاني لكن هذه الانتفاضة قمعت بشدة فقتل من العراقيين حوالي ستة آلاف و خمسمائة من البريطانيين و الهنود الذين جندتهم بريطانيا في تلك المواجهات. و رغبة منها في نزع فتيل التمرد و الثورات نصّبت الملك فيصل الأول ملكا على العراق . و حكم فيصل الأول و عائلته العراق ( فيصل الأول هو ابن الشريف حسين خادم الحرمين الشريفين في الجزيرة العربية وقتها و أخ الملك عبد الله في الأردن) تحت الانتداب البريطاني من سنة 1921 حتى سنة 1932 و كحكم ملكي مستقل نوعا ما من سنة 1932 حتى سنة 1958 . و خلال فترة حكم الملك فيصل الأول قمعت ثورة الأكراد بشدة من قبل القوات البريطانية و كانت تلك أول مرة تستخدم فيها بكثافة الغارات الجوية . و بمساعدة من الأمريكيين قام البريطانيون بتقسيم النفط على الشركات الأجنبية على الشكل التالي : الشركة الفارسية البريطانية للنفط 23.75 % رويال دتش شل 23.75 % الشركة الفرنسية للنفط 23.75 % ستاندارد أويل مبايل 23.75% و شركة سيريس غوبلكاين 5% . و بهذا أوجد الانتداب إطار عمل لهدفين اثنين , قمع الشيعة و الأكراد و استنزاف الثروات النفطية . و لعبت ورقة الحكم الملكي أيضا مؤخرا في أفغانستان مع ظاهر شاه لكنها رفضت لصالح إبقاء قرضاي . و حتى في اليابان كانت هناك العديد من الأسئلة حول الإبقاء على حكم ملكي فاشي لكن ماكارتر و نزولا عند نصيحة مستشاره روت بنديكت اختار الإبقاء صوريا على سلالة هيروهيتو . ومن المؤكد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تخطط للبقاء للأبد في العراق و لكنها ترغب في إنشاء قاعدة أو قاعدتين عسكريتين في البلاد و يد مسيطرة على النفط و تنصيب حاكم صديق و موالي لها . و هذا الصديق سيكون إما قرضاي جديد للعراق أو ملك بصناعة أمريكية . ترجمة : حميد نعمان فيجاي براشاد مجلة كونتربانتش