أول ما يجذب انتباهك هو تلك الإعلانات والصور التي تعلقها جمعية الجسر المتخصصة بمراكش لجلب مزيد من المشاركين في قرعة الحظ إلى أمريكا، فهذا إعلان يستعجلك ويقول لم يبق إلا أسبوعان، وآخر يجيب عن الأسئلة الأكثر تداولا عن شروط المشاركة مثل عدم ضرورة إتقان اللغة الإنجليزية أو حول معاملة تفضيلية للمعاقين، وهذه صور سعيدة لمغاربة يعيشون في الولاياتالمتحدة، أحدهم لم ينس أن يحمل معه شعار فريقه المفضل ويرفرف به في سماء واشنطن، وهذه صور مرقمة لعدد من المغاربة الذين ابتسم لهم حظ القرعة المرة الفائتة. ضربة حظ عندما تدخل مقر الجمعية الذي هو عبارة عن حانوت صغير، يخيب توقعك في أن تجد المئات من المغاربة ينتظرون دورهم من أجل تعبئة مطبوع الهجرة، وعلى العكس تجد شبابا يقرؤون كتبا حول التكوين الذاتي، وبعض أعضاء الجمعية منهمكين في أعمال أخرى، ستجد المئات من الأوراق التي لم تجد حظها من الملء، منها الأخضر للعزاب، والأحمر للمتزوجين والمطلقين والأرامل، والأبيض الذي يشرح شروط المشاركة وطرقها وعدد من التنبيهات. عندما تتصفح أرواق شروط المشاركة، أهم ما يثير الانتباه هو شرط الحصول على الباكالوريا على الأقل، مما يعني حسب سمير أبوقاسم أستاذ وناشط جمعوي أن أمريكا تريد أناسا متعلمين صرفت بلدانهم الكثير من أجل ذلك. أمر أخر وهو ما صدر عن السفارة الأمريكية وهو رفضها استقبال بعض المهن وهي الأكثر تداولا وطلبا للتأشيرة مثل كهربائي، ورصاصي، ونجار، وكاتبة، وخياط، وحارس الأمن... مما يعني أن هناك بحثا عن مهن معينة لسد الفراغ. السفارة الأمريكية بالمغرب تعترف أن عددا كبير من المغاربة لا يتوفرون على المؤهلات المطلوبة، في حين على كل طالب التأشيرة أن يؤدي 757 دولارا غير قابلة للاسترجاع. وبالرغم من ذلك يؤدي المرشحون غير المؤهلين مبلغا كبيرا من المال لطلب ينتهي بالرفض وتذهب أموالهم أدراج الرياح. محمد بلحاج مسؤول بجمعية الجسر،لا يتوانى وأنت تسأله عن بعض الحيثيات أن يدعوك أيضا إلى تعبئة المطبوع في حماس ظاهر، مشيرا إلى الامتيازات التي تمنحها التأشيرة؛ منها التنقل بين أمريكا والمغرب بكل حرية، والاستفادة من تخفيض في تكاليف الدراسة، مذكرا أنها ربما هي الفرصة الأخيرة هذا العام؛ على اعتبار أن أعضاء من الكونغرس الأمريكي يعارضون باستمرار تنظيم هذه القرعة ويطالبون بإلغائها. وعن احتياج أمريكا ليد عاملة متدربة أو عقول مهاجرة، يقول بلحاج بصفته خبيرا في الميدان إن الأمر لا يتعلق بحاجة أمريكا إلى اليد العاملة، ولكن الإدارة الأمريكية تريد أن تنوع من الأجناس في المجتمع الأمريكي لفائدة الجاليات الأقل تمثيلية، لذا فقد أقصت العديد من الدول مثل المكسيكوكندا، ثم يقول مدافعا؛ أمريكا لا تهتم للجنس أو اللون أو الدين أو الحجاب أو اللحية، المهم أن تتوفر فيك الشروط المطلوبة وتملأ الاستمارة بشكل جيد. وحول استفادة الجمعية من مبالغ التسجيل التي تصل إلى 30 درهما، أوضح بلحاج إن عمل الجمعية أصلا في التوجيه الدراسي، وما تقوم به دور تطوعي، موضحا أن الثمن موحد في كل مقاهي الأنترنيت، وقد لايكفي لتغطية مصاريف الأوراق والتصوير. بالرغم من ذلك، تجد أوراق تنبه إلى أن المشاركة في القرعة مجانية، وأن المواقع التي تظهر على صفحات الجرائد والمجلات وعلى شبكة الأنترنيت هي فقط شركات خاصة تعرض خدماتها طيلة السنة، وينحصر دورها في استقبال طلبات المرشحين، وعادة ترسل عبر الموقع الرسمي مقابل مبالغ مالية. محمد وارحي صاحب محل للأنترنيت وهو أيضا مهتم بموضوع القرعة، أشار إلى أن عددا من السماسرة يستغلون غفلة البعض، ويضعون عناوينهم مكان عناوين المترشحين، وبمجرد ما أن تصلهم رسائل الموافقة يبدؤون في مساومتهم بمبالغ مالية. غير بعيد عن جمعية الجسر، التقيا مع إحدى الشابات التي انتهت للتو من ملء المطبوع، قالت إن الفرصة سانحة للحصول على الكرين كارد، مضيفة هدفي ليس الاستقرار في أمريكا، ولكن الحصول على التأشيرة من أجل استكمال دراستي. فريد (34 سنة) مجاز قال بدوره إن البحث عن شغل قار هو الهدف من ملء استمارة، فقد أعياه البحث هنا ولم يعد يستهويه المغرب المليء بالتناقضات. ليؤكد شقيق شخص سبق أن نجح في قرعة 2007 أن أخاه سافر إلى أمريكا فعلا، وأن الأمر مرتب ولم تظهر لحد الآن أي مشاكل، لكن الانتخابات أربكت كثيرا من الحسابات، مضيفا أن أول ما يواجه المهاجر هو مكان الإقامة قبل الحصول على عمل. مواطنون لا يأبهون بعيدا عن جمعية الجسر، كثيرون من المراكشيين لا يأبهون لقرعة الحظ هذه، جميلة مثل عائشة مثل عبد السلام، عاطلون عن العمل أو موظفون صغار أو أطر يقولون إنهم لم يفكروا قط في الهجرة إلى أمريكا، بعضهم بسبب ما يحمله من صورة سيئة عن بلد 30 مليون فقير؛ الذين يعيشون على كوبونات الغذاء، والآخرون بسبب ما يلقاه المسلمون من تمييز، وآخرون يخافون من الأعاصير، وآخرون من الأزمة المالية وآخرون يخافون على دينهم ولغتهم... سمير فراخي مهندس دولة جرب العيش في المهجر في كندا، قال إن أمريكا تريد أن أسوق من خلال القرعة أنها بلد للجميع، وهي عكس ذلك، ولما سألناه لماذا رجع إلى المغرب بالرغم من الامتيازات الكبيرة، قال إن العيش في المغرب حلو جميل، يكفي أني هنا تعلمت الصبر والحب، الكثيرون يتوهمون أن مستقبلهم أو مستقبل أولادهم في الخارج، لكنهم يصطدمون بواقع لا يرتفع؛ إذ يبقى المهاجر مواطنا من الدرجة الثانية؛ بالرغم من الدعاية الكبيرة التي تنفق من أجلها الأموال الباهظة، وتقديم بعض النماذج القليلة.