تميز شهر أكتوبر الماضي بكثرة ملفات وقضايا الإرهاب المطروحة أمام القضاء المغربي، فبخلاف غيره من الأشهر، عرضت أمام هذا القضاء ملفات المجموعة المسؤولة عن تفجيرات الدارالبيضاء في مارس وأبريل ,2007 والتي بلغ مجموع سنوات الأحكام التي صدرت ضد المتهمين فيها 250 سنة، كما عُرض ملفا مجموعة فتح الأندلس ومجموعة المسلمون الجدد، أما الملف الأهم والذي استبقه جدل سياسي وحقوقي كبير حول مدى توافر ضمانات المحاكمة العادلة والنزيهة فيه، وانتفاء عدد من شروطها قبل انطلاق مسلسل المحاكمة الخاصة به، فهو ملف ما سمي بمجموعة بليرج وضمنه ملف القيادات السياسية الستة المعتقلة في إطاره. ودون الدخول في تفاصيل هذه الملفات والإشكالات التي تطرحها، غير أنها تعيد تأكيد سؤال كبير في المغرب حول الافتقاد الواضح إلى البوصلة العلمية في تأطير سياسات مكافحة الإرهاب، مما أوقع ويوقع هذه السياسات في تناقضات عميقة وأخطاء كبيرة وأحيانا مخجلة، تجعل من هذه السياسة نفسها أحد أسباب إنتاج الخطر الإرهابي، وعاملا من عوامل إدامته، ليس فقط بسبب تركيزها الأحادي على المنطق الأمني الضيق، بل أيضا ـ وبالنظر إلى التطورات التي تعرفها ـ وجود حالة من العجز عند عدد من القائمين عليها عن الانتقال من مرحلة الانشغال بملاحقة هذه المجموعة أو كشف هذه الخلية إلى مرحلة التساؤل عن مستقبل الظاهرة والتفكير الاستراتيجي فيها، أي أن هناك اشتغالا تكتيكيا بدون أفق استراتيجي يجعل من سياسات ما يسمى مكافحة الإرهاب سياسة جزئية ومرحلية تعيش حالة من المراوحة، مرتهنة للسياسات الدولية عامة والأميركية خاصة، وباختصار سياسات أمنية بدون تفكير محلي وعقل مؤطر. نتج الوصول إلى القناعة السابقة عن دراستين: الأولى قدمت في مؤتمر شتنبر 2007 للجمعية الأميركية للعلوم السياسية تحت عنوان >القضية من أجل دراسات إرهاب نقدية< حررها ثلاثة باحثين من بريطانيا، هم ريتشارد جاكسون وجيرون غانين وماري برين سميث، ويمثلون المجموعة المشرفة على مجلة >دراسات نقدية في الإرهاب<، ويقومون على مركز >دراسة الراديكالية والعنف السياسي المعاصر< بجامعة أبيريستيوت ببريطانيا. أما الدراسة الثانية فصدرت حديثا عن مؤسسة راند ذات العلاقة بسلاح الجو في وزارة الدفاع الأميركية تحت عنوان >كيف تنتهي المجموعات الإرهابية.. دروس لمكافحة القاعدة<، وحررها كل من سيث جونز الباحث بجامعة جورج تاون، ومارتن ليبيكي المختص في العلاقة بين تكنولوجيا المعلومات والأمن القومي. يمكن القول إن الدراسة الصادرة عن راند حملت مفاجآت ثقيلة، خاصة أن خلاصاتها ارتكزت على تحليل نهايات 680 مجموعة بين عامي 1968 و,2006 ومحاولة ربط ذلك بالسياسة الأميركية لمكافحة تنظيم القاعدة، ذلك أن الدراسة وبكل بساطة قالت إن >الأدلة الملموسة تكشف أن غالبية المجموعات ومنذ عام 1968 انتهت إما بالتحاقها بالعملية السياسية أو بتمكن القوات الأمنية والاستخبارية من اعتقال وقتل أعضائها الأساسيين، وأن القوة العسكرية نادرا ما شكلت السبب الأول والأساسي في نهاية المجموعات الإرهابية، وأن مجموعات قليلة تمكنت من تحقيق انتصارات<. وبناء على ذلك توصي الدراسة بأن هذه الخلاصة ذات آثار هامة على كيفية التعامل مع القاعدة، وهي تدعو إلى إعادة تفكير جذرية في استراتيجيات مكافحة الإرهاب الأميركية لما بعد 11 شتنبر. ورغم إقرار الدراسة بأن نهاية غالبية المجموعات الإرهابية تطلب سياسات متعددة، بدءا من المجال الأمني والنشاط الاستخباري والعمل العسكري والتفاوض السياسي والعقوبات الاقتصادية، فإن الفترة الحالية +تفرض على صناع السياسة معرفة كيفية صناعة أولوياتهم في ظل موارد محدودة، ولتتحدث الدراسة بعد ذلك بلغة ومفردات غير متداولة في هذا المجال، كالقول بعدم استثناء التفكير في الحلول التفاوضية من الطاولة، خاصة أن غالبية نهايات المجموعات موضوع الدراسة كانت في التحول السياسي وليس بسبب الهزيمة الميدانية. ولعل من المثير أن %10 من المجموعات انتهت لأنها حققت أهدافها، في حين أن القوة العسكرية أنهت %7 من الحالات، مع الإشارة إلى أن الدراسة أبرزت أن دور الشرطة والاستخبارات في الإنهاء يكون متقدما على دور الجيش، إذ إن الأولى تمكنت من إنهاء %40 من الحالات، أما التفاوض السياسي فعمليا أنهى %.43 أما عن نتائج ذلك على الحرب ضد القاعدة، فالدراسة التي جاءت في 251 صفحة كانت واضحة في القول >إن استراتيجية أميركا لم تكن ناجحة في إضعاف قدرات تنظيم القاعدة، وأن هذا الأخير ما زال قويا وكفئا<، ورغم أنها استبعدت مسألة الوصول إلى حل متفاوض عليه فإنها أدمجت المسألة ضمن المفكر فيه. أما الدراسة الأولى الصادرة عن البريطانيين الثلاثة فهي الأخرى سارت في اتجاه إعادة طرح الأسئلة القديمة، بدءا بتعريف الإرهاب باعتبار أن الإجابات التي قدمت لم تكن كافية، غير أن أهم شيء كشفت عنه الدراسة هو السلوك البريطاني بعد تفجيرات لندن في يوليوز ,2005 حيث شهد المجال الجامعي انبعاث حركة علمية نقدية تسائل المعرفة المؤطرة لسياسات مكافحة الإرهاب، ففي بداية 2006 أعلن عن تأسيس مجموعة عمل في الدراسات النقدية حول الإرهاب ضمن الجمعية البريطانية للدراسات الدولية، وفي نفس السنة أطلقت جامعة شرق لندن برنامجا لدرجة الماجستير حول دراسات الإرهاب، وفي أكتوبر من تلك السنة أيضا نظمت مجموعة العمل المشار إليها آنفا مع مركز دراسة الراديكالية والعنف السياسي المعاصر مؤتمرا حول >هل حان وقت دراسات إرهابية نقدية؟< بمانشيستر جمع فيها حوالي خمسين باحثا من بريطانيا وأوروبا وشمال أميركا. ثم في عام 2007 أطلقت المجلة الأكاديمية >دراسات نقدية عن الإرهاب<. وقد أبرزت الدراسة أن المفاهيم والنظريات والمناهج المعتمدة في دراسة الظاهرة الإرهابية تعاني من ضعف وفشل بناء المعرفة المطلوبة، وتحليل آثار ذلك على +الحرب على الإرهاب؛. أين نحن من ذلك في عالمنا العربي؟ الجواب معروف، باختصار إنه الفراغ، بل إن تفكيرا من هذا النوع يجر صاحبه إلى دائرة الاتهام، لكن استحضار ما يجري في ساحات البحث خارجنا يبقى أقل ما يمكن القيام به، على الأقل لنفهم ما يجري حاليا في أفغانستان وقبله في العراق.