أمينة الجابري، أم لطفلين من أب فرنسي تزوجت به سنة 1997, لكنه اختار الغياب دون رجعة بعد خمس سنوات من الزواج، تاركا وراءه زوجة بدون عقد زواج مصادق عليه، وأبناء دون مستلزمات العيش والتمدرس. حالة الجابري ليست سوى نقطة في واد تتشابك فيه المشاكل الاجتماعية والقانونية والشرعية، لزواج المغربيات من أجانب، خصوصا عند فشل تجربة كانت تظنها بعض النساء مخرجا لهن من مآسي الفقر والعنوسة، ليجدن أنفسهن أمام مسؤولية أبناء فقدوا حضن الأبوة قبل فقدان نفقتها. إنه الثمن الباهض لزواج ممهور بلغة الأرقام، والحلم بأوراق الإقامة كما عبر عن ذلك عبد الرحيم العطري أستاذ علم الاجتماع. أرقام شهد صيف 2007 زواج أكثر من 5664 مغربية بأجانب، مقابل زواج 4320 شابا مغربيا بأجنبيات، بزيادة أكثر من الضعف عن صيف 2001, الذي شهد 2507 زيجات من هذا النوع، وبدأ تفشي هذه الظاهرة بين المغربيات عام1997 بـ 996 زيجة، وفقا لتقديرات وزارة العدل. وحسب قاضي التوثيق المكلف بقسم قضاء الأسرة بالرباط فإنه إلى حدود يوم الخميس الماضي بلغ عدد ملفات الزواج المختلط المعروضة على قسم قضاء الأسرة بالعاصمة 304 ملفا. وأفادت نزهة الوافي رئيسة جمعية أمل النسائية بإيطاليا والنائبة البرلمانية، أن دراسة قام بها الاتحاد الأوروبي ووزارة الداخلية الإيطالية خلصت إلى أن نسبة المتزوجين من شمال إفريقيا بإيطاليين تمثل 49 بالمائة من مجموع الزواج المختلط بإطاليا أغلبهم مغاربة. وأشارت الوافي إلى أن المغربيات المتزوجات من أجانب والوافدات على الجمعية يتخبطن في مشاكل قانونية واجتماعية وتربوية كثيرة. تنبيه أنبه بنات المغرب كي لا يلهثن وراء سراب اسمه الزواج من أجنبي، كي لا يقع لهن ما وقع لي، بهذه الكلمات ألقت أمينة الجابري (من مدينة طنجة) جمرتها التي تقطر دما وهي تقدم شهادتها حول زواج المغربيات من أجانب يوم الخميس الماضي بالرباط، وقالت إن الزوج الفرنسي الذي ظنت أنه سيخرجها من دائرة الفقر والحاجة، وينقلها إلى جنة أوروبا، قد تخلى عنها بعد خمس سنوات من الزواج، تاركا تحت مسؤوليتها طفلين وجدت في البداية صعوبة لتسجيلهما بالمدرسة، إلا أن الجهات المسؤولة تفهمت أمرها، كما وجدت نفسها تنتقل بين القنصلية الفرنسية بالرباط ومثيلتها بطنجة دون جدوى منذ ست سنوات مضت.تعود قصة زواج أمينة الجابري إلى سنة 1997, إذ اقترح صديق والدها عليه أن يزوجها من فرنسي ، فقبل الوالد بعد استشارة ابنته، وتمت مراسم الزواج قبل المصادقة على عقد الزواج من القنصلية الفرنسية، وصدقت أمينة وعود زوجها بنقلها إلى فرنسا، وحملت بالطفل الأول ثم الثاني، إلا أنه بعد خمس سنوات، كما تقول أمينة، وجدت الأخيرة نفسها في هم بعد أن غادر الزوج إلى غير رجعة، وتحت رعايتها طفلين.ولأجل تعليم طفليها بالمدرسة العمومية، خاضت أمينة معركة قانونية لدى المحاكم، توجت بمنحها تسهيلا قانونيا لتسجيلهما، وعليها أن تتجاوز عقبة النفقة عليهما، ما دام اختفاء الأب الفرنسي حائلا دون تطبيق قانون النفقة وإثبات النسب عليه. ورغم كل ما تعانيه، ترفض أمينة فكرة الطلاق من زوجها الفرنسي، أملا منها في أن يعود يوما ليسهل على طفليه الحصول على كل الوثائق دون مشاكل وخاصة الجنسية الفرنسية. هروب متعدد الجنسيات أكدت أسماء الشدادي، عضو جمعية كرامة لتنمية المرأة بطنجة أن أمينة الجابري ليست سوى حالة واحدة من عشر حالات، التي استقبلها مركز الاستماع التابع للجمعية خلال الموسم الحالي، لزوجات مغربيات من أجانب يشتكين من هروب أزواجهن وتركهن دون نفقة، وهي حالات تمثل 2 بالمائة من عدد الحالات الإجمالي الوارد على المركز البالغ عددها 500 حالة. وتعاني الزوجات المغربيات من أجانب، حسب الشدادي، من عودة الأزواج الأجانب إلى بلدانهم الأصلية وعدم المصادقة على عقود الزواج واحتجاز الأطفال أو تركهم دون نفقة. وتختلف جنسيات الأزواج الأجانب، حسب الشدادي، إذ هناك سعودي وإماراتي ومصري وسوري وكويتي وتركي وفرنسي وإيطالي وألماني وإسباني. وجميع هذه الحالات تشتكي من تخلي الأزواج عن النفقة، وعودتهم إلى بلدانهم الأصلية، ما عدا الزوج السوري الذي هاجر الى أوربا. وتتخبط تلك الزوجات في مشاكل بسبب عدم المصادقة على عقود الزواج، وعدم تسجيل الأبناء في سجل الحالة المدنية، أما حالة الزوج التركي فإنه قام باحتجاز الأطفال بتركيا. وعزت الشدادي أسباب هذه المعاناة إلى كون حالات التعارف بين هؤلاء الأزواج تمت في غالبها عن طريق الصدفة في المغرب أو بلد المهجر، والأخرى تمت عن طريق غرف الدردشة، كما أن موافقة الأسرة كانت تلقائية ولم تشترط مدة زمنية على إعلان الأجنبي لإسلامه، والتأكد من حسن إسلامه قبل عقد القران. أداء الثمن يرى عبد الرحيم العطري أستاذ علم الاجتماع بالقنيطرة أن البعد السوسيواقتصادي هو الذي يتصدر أسباب الإقدام على زواج المغربيات من أجانب، وأيضا المغاربة من أجنبيات، سواء رغبة في الحصول على أوراق الإقامة في بلد أجنبي لجلب العملة، أو بالسعي وراء تحسين مستوى العيش من خلال زواج المغربية بأجنبي قد يحل معضلتها ومعضلة أخيها المعطل وأبيها المقعد.ويرى العطري أنه إذا كان لكل شيء ثمنه، وللقيم ثمنها، فإن الأطفال المنحدرين من زيجات ممهورة بلغة الأرقام وأوراق الإقامة، هم الذين يؤدون هذا الثمن الباهض لزواج المغربيات من أجانب، إذ يحدث لهم في الغالب نوع من الانفصام الاجتماعي، خصوصا في حالة التمأسس المادي الصرف للزواج المختلط، إذ يغيب التواصل والتفاهم القبلي، ويسعى كل طرف إلى تأمين أساسياته الثقافية، وتشريبها للأطفال لضمان مزيد من الولاء والتمكن من السيطرة على مجموع النسق. ويظل الأطفال، حسب العطري، الحلقة الأضعف في سباق الآباء ليؤدوا ثمن الزواج الخطأ؛ فيصبحون مع ما ذكر بهوية مهزوزة ومشاكل بالجملة. وأشار العطري إلى عدم تعميم هذه النتيجة للزواج المختلط، مؤكدا أن الاختلاف الثقافي والطقوسي قد يصير مصدر إغناء لثقافة الأطفال، إلا أن هذا الحكم ينسحب على زيجات انبنت قبلا على غاية غير عابئة بتسوية أوراق الإقامة وتحصيل الثروات المادية. الحاجة إلى فقه الزواج أصبح من السهل على أجنبي غير مسلم الزواج من مغربية مسلمة، ما دام الأمر لا يتطلب سوى وثيقة تثبت إعلانه للشهادة وبالتالي إسلامه، وهو إجراء أصبح صوريا أكثر منه ممارسة وتطبيقا، حتى إن هناك حالات من زيجات مغربيات بأجانب يعلن فيه الزوج ردته بمجرد أن تطأ قدماه أرض بلده في المهجر، كما أن بعض أطراف هذه الزيجات يكون على علم بأن إسلام من تقدم للزواج لم يعد سوى مجرد إجراء قانوني من أجل استكمال وثائق الزواج الصفقة. واعتبر عبد الرزاق الجاي أستاذ كرسي السنة وعلومها بجامعة محمد الخامس بالرباط، وعضو الدائرة العلمية للدراسات الإسلامية أن غياب فقه الزواج من مناهج التعليم والتدريس مشجع على تنامي الأشكال السلبية لظاهرة الزواج من أجانب. حبيبة أوغانيم