مثيرة تلك التفجيرات التي وقعت في قطاع غزة خلال الأيام الماضية. وإذا كانت حماس قد تسرعت في الحديث عن مسؤولية بعض عناصر فتح، فإن حديث فريق رام الله عن خلافات داخلية في صفوف حماس تقف خلف التفجيرات لا يمت إلى العقل والمنطق بصلة، وهو أقرب للمناكفة الحزبية منه إلى الحديث الجدي. وإذا كانت الدوافع هي العنصر الأساسي في تحديد الجناة، فإن الإسرائيليين سيحضرون بقوة هنا، لا سيما أن نظرتهم إلى التهدئة ليست إيجابية رغم شعورهم بالحاجة إليها، وحين يكون الموقف على هذا النحو، فإن قيامهم بعمليات تخريب يمكن نسبتها إلى صراعات فلسطينية داخلية سيكون ممكنا إلى حد كبير. نقول ذلك في ضوء التصريحات التي أدلى بها يوفال ديسكن، رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية العامة الشاباك المتخصص بدوره في توجيه العملاء الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ففي تقريره الذي تلاه أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يوم الثلاثاء الماضي قدم ديسكن تقييما سلبيا لاتفاق التهدئة مع حركة حماس، قائلاً إنه يقضم من صورة إسرائيل الردعية التي تضررت بشكل حقيقي من خلال جملة أحداث وقعت خلال السنوات الثلاث الأخيرة: من فك الارتباط عن قطاع غزة، إلى سيطرة حماس عليه، إلى الحرب الثانية على لبنان، والآن اتفاق التهدئة الذي علق عليه بالقول: ضمن اتفاق التهدئة منحنا حماس حبل نجاة... نحن لا نهاجمهم، بل نفتح لهم المعابر، فيما هم لا يلتزمون وقف تعاظم قوتهم العسكرية، معتبرا أن الهدوء المؤقت الذي تحصل عليه إسرائيل هو وهم لأن سقوط القذائف الصاروخية سيتجدد. في ضوء هذا التقييم السلبي للتهدئة ليس مستغربا أن تلجأ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى استخدام طائفة العملاء في سياق الانتقام من حماس والتخريب على وضعها في قطاع غزة، بصرف النظر عن هوية أولئك العملاء الذين يخترقون مختلف الفصائل، ومن ضمنها حركة فتح التي ستميل حماس إلى اتهام أطراف فيها بالعبث الأمني. يشار هنا إلى وجود عدد من العناصر المهمة في كتائب القسام سيظلون برسم الاستهداف، وهنا في حالة التهدئة سيميل العدو إلى استخدام أدوات غير مباشرة، وهي معادلة تنطبق على التفجيرات التي وقعت، لا سيما ذاك الذي استهدف عناصر الكتائب على شاطئ غزة، وأوقع ستة شهداء من بينهم ابن شقيق القيادي المعروف الدكتور خليل الحية وقد جرح فيه نجله الأكبر أسامة ، مع العلم أن سجل تضحيات هذا الرجل من أهله وعائلته ما زال يكبر يوما إثر آخر، من دون أن يفت ذلك في عضده أو يوهن عزيمته: هو العالم العامل كما يعرفه أهل القطاع. أيا يكن الأمر، فما جرى يعزز بؤس الوضع الفلسطيني، ويؤكد من جديد الحاجة الماسة إلى إطار جامع للفلسطينيين: من الأفضل أن يكون منظمة التحرير بعد إعادة تشكيلها على أسس تأخذ في الاعتبار التحولات الجديدة في الساحة الفلسطينية، سواء في جانبها التمثيلي أو السياسي، وتحديدا تجربة التفاوض منذ أوسلو ولغاية الآن.