تمكن ستة من طلبة قطاع غزة المحاصر، من احتلال مراكز متقدمة ضمن المراتب العشرة الأولى لأوائل فلسطينالمحتلة، لينتزعوا النجاح ويحققوا التفوق برغم الحصار الصهيوني الخانق الذي لم يتوقف جواً وبراً وبحراً على قطاع غزة، وهو ما أثار الانتباه لدلالة ذلك على صعيد صراع الإرادات مع الاحتلال. لقد شكّل الطلبة الفلسطينية نموذجاً لافتاً، سواء في الضفة الغربيةالمحتلة، حيث الاجتياحات والتوغلات والاختطافات التي تنفذها قوات الاحتلال يومياً، أم في قطاع غزة القابع في ظل الحصار المشدد والعدوان الصهيوني الضاري. معدلات فاقت التوقعات ولعلّ الإشارة الأبرز في هذا السياق؛ أنّ الطالبة المتفوقة والأولى على مستوى فلسطين في القسم العلمي، هي أسماء نصر أبو نمر، الحافظة لكتاب الله تعالى، والتي ترتدي الحجاب الإسلامي (النقاب)، وهي من محافظة خانيونس (جنوبي قطاع غزة). فالطالبة من مدرسة عكا الثانوية للبنات؛ قد هدم الاحتلال منزلها في أول أيام سنة 2005، لكنها تمكنت مع ذلك من الحصول على درجة 99.3 في المائة برغم التشريد الذي لحق بعائلتها. أما الطالبة حنان بشير رجب، فقد حصلت أيضاً على المرتبة الأولى مكرّر بنسبة 99.3 في المائة، وهي من مدرسة زهرة المدائن الثانوية (أ) للبنات، من غرب غزة، فيما حصلت الطالبة المتفوقة ولاء بسام زكي موسى على نسبة 99.1 في المائة، على المرتبة السادسة على فلسطينالمحتلة، وهي من مدرسة العروبة للبنات في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة. كما وحصلت الطالبة ياسمين مصلح الحلو، على نسبة 99.1 في المائة، السادسة مكرر على فلسطينالمحتلة، بينما وفي القسم الأدبي حصلت الطالبة المتفوقة إسلام عبد الله سليمان أبو مر على نسبة 98.1 في المائة، وهي من مدرسة شادية أبو غزالة (أ) للبنات من محافظة شمال قطاع غزة، فيما حصلت الطالبة بيسان محمد عزات السباخي على نسبة 98.1% من محافظة غزة. أوائل تفوقوا على الحصار وقد انتزع هؤلاء الأوائل من قطاع غزة النجاح والتميز والتفوق من وسط الحصار الظالم، وقد حصلوا على هذه النتائج المشرفة رغم انقطاع التيار الكهربائي الذي حرمهم في كثير من الأحيان من دراستهم حيث كان (وما زال) نقص الوقود مشهد من مشاهد الاستبداد الصهيوني الذي عانى منه هؤلاء فلم يتمكنوا من الوصول لمدارسهم في كثير من الأحيان، بعد أن شلت حركة المركبات الناتج عن نقص الوقود. كما أثّر نقص الوقود أيضاً على تشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، فرسم الطلبة نجاحهم بخيوط الضوء الخافت، المنبعث من أضواء الشموع. 211 ضحية جراء الحصار ولم تقف فصول الحصار الخانق؛ إلى هذه الكارثة بل تجاوزت ذلك لتستمر معاناة تلك الطلبة حينما كانوا يسمعون كل يوم بوفاة أحد أقاربه أو جار لهم مريض بمرض السرطان أو غيره، نتيجة منعه من السفر لتلقي العلاج، أو نتيجة نقص الأدوية في قطاع غزة والناتجة عن سياسة إغلاق المعابر ومنع دخول الأدوية والسلع الأساسية. حيث وصل عدد ضحايا الحصار من المرضى حتى إعلان نتائج التوجيهي إلى 211 ضحية، فارقت الحياة لأنها منعت من السفر أو أنها حرمت من الدواء والعلاج. الاجتياحات والتوغلات لم تكسر عزيمتهم وبطبيعة الحال؛ فإنّ هؤلاء الأوائل أيضاً انتزعوا هذا النجاح والتفوق بالتزامن مع الاجتياحات الصهيونية التي كانت تنفذها قوات الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، حيث كان أقوى تلك الاجتياحات ما يعرف بعملية الصيف الساخن ، التي قتلت سلطات الاحتلال خلالها قرابة 135 شهيداً فلسطينياً، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أنّ تلك الجريمة الصهيونية خلّفت مئات المصابين والجرحى، بينهم عدد كبير ممن انقطعت أطرافهم. كما وهدمت قوات الاحتلال خلال هذه الاجتياحات والتوغلات الصهيونية العشرات بل المئات من المنازل، وجرفت آلاف الدونمات من المزارع، وهدمت الآبار وكل أشكال الحياة الفلسطينية، فكانت الخسائر تفوق مئات الملايين من الدولارات. وعلى الرغم من ذلك كله؛ فإنهم تفوّقوا ونجحوا. رسالة قوية ضمن صراع الإرادات هذه الرسالة التي كتبها أوائل التوجيهي في قطاع غزة، كانت بمثابة رسالة قوية، مفادها أنّ شعباً يرزح تحت الحصار لا يمكن أن يستسلم أو تنحني هامته، وأنّ أبنائه المتفوقين، سواء في الضفة الغربيةالمحتلة أم في قطاع غزة المحاصر، يكسبون صراع الإرادات مع الاحتلال وفي أقسى الظروف، تماماً كما جسدت ذلك الفلسطينية أسماء، ذات البيت المدمّر.