صدر عن دار الثقافة والإعلام الإماراتية كتاب جديد للدكتور طيب بوعزة تحت عنوان مقاربات ورؤى في الفنوهو حصيلة تأمل في نظرية الفن، وبلورة لبعض الرؤى الشخصية وتطبيق لها على بعض الحقول والممارسات الفنية المتداولة. فهذه المقاربات على ضخامة الإشكالات التي تستبطنها ووساعة الحقل المعرفي الذي تدل عليه، حاول فيها الباحث أن يقدم للقارئ صورة نظرية مكثفة وواضحة حول مبادئ كل مقاربة نقدية ، حيث تناول بالمقاربة بعض النظريات الجمالية والنقدية( الكلاسيكية ، والرومانسية ، والدادية)، وقدم عرضا نقديا لنموذج من نماذج التفاسير العلموية للنص الأدبي (هيبوليت تين) ، وتحليلا للرؤية الفلسفية والسيكولوجية لأصل الفن ووظيفته عند شوبنهور وفرويد وكارل يونغ ، ثم تلمسا لتأثير عالم اللسانيات دو سوسير في النقد الأدبي ، مختتما بتحليل ونقد لنظرية أخذ صيتها يعلو اليوم في حقل الدرس الأدبي ،أقصد نظرية التلقي. وقد ركز الباحث النظر على تحليل تطور الرؤية الفنية والنقدية في الثقافة الغربية تحديدا، يرجع ذلك إلى أن هذه الثقافة تمارس في لحظتنا المعاصرة هيمنة ملحوظة. والاهتمام بالثقافة الغربية يحتاج إلى استصحاب الهاجس النقدي ، خاصة عندما يتعلق الأمر بأسئلة المنهج ، سواء في حقل الفن أو الفلسفة أو الاجتماع. وقد حرص الباحث من خلال مقاربته لهذه المفاهيم على التوكيد على نقد أشكال التلقي لها، بما يعني ذلك إنجاز ممارسة نقدية للآخر لا انتهاج خطاه دونما تبصر ووعي. فالوعي النقدي كما يقول الباحث شرط أساس في أي تفاعل أو تواصل بين الثقافات ، وغيابه يؤدي لا محالة إلى الارتكاس في التقليد والاستنساخ. والفعل الثقافي الذي نحتاجه اليوم هو فعل إبداع لا فعل تكرار وتقليد. والرؤى الفنية هي أكثر مسالك الإدراك والتأمل ارتباطا بالأصول اللسنية والثقافية ، وإن كل ارتحال عن أصولنا واستنساخ لرؤى ومناهج جاهزة من ثقافة مغايرة لنا يعد هجانة غير قابلة للإصلاح إلا بتغيير عقلية التقليد التي أنتجتها. واستصحاب الهاجس النقدي كان حاضرا أيضا في قراءة الباحث للسائد الفني في واقعنا الثقافي، حيث خصص أكثر مقالات الفصل الثاني لتناول بعض أسئلة الشعر والمسرح والممارسة النقدية.وقد أدرج ذلك ضمن مقام التأملات والخواطر أكثر من إدراجها كرؤى نظرية تلتزم بقواعد الاستدلال المشروط اعتمادها في البحوث النقدية. كما تناول في الفصل الثاني نصا سرديا هاما هو نص فاوست لجوته ، وقد احتكمت في تناوله لذات الرؤية التي تحكم نظرتي للفن ، أي بوصفه أسلوبا جماليا ورؤيا تتخطى السائد لاستشراف الممكن. ويبقى هذا العمل، على تعدد وتنوع الموضوعات والمناهج والأجناس الفنية التي تناوله، محكوما بخيط منهجي ناظم هو رؤية الباحث إلى معنى الفن ودلالته.