سجلت التحليلات التي تناولت بالتفسير ما جرى من أحداث في سيدي إفني السبت الماضي عدة نقاط نجملها فيما يلي: - إنها حلقة من حلقات انتفاضة المغربغير النافع الذي يعيش واقع التهميش والفقر بعد أن صار خارج اهتمام السياسة الحكومية . - إن هذه الاحتجاجات غير مؤطرة سياسيا ونقابيا، إذ في الغالب ما يقودها شباب عاطل ينشط في العمل الجمعوي مما يجعل السلطة غير قادرة على التعامل معها سياسيا. - إن السلطة عاجزة عن مقاربة هذه الأشكال الاحتجاجية غير المؤطرة، مما يجعلها تستحضر المقاربة الأمنية في التدخل. وتوزع الخط التحريري للصحف الوطنية على ثلاثة اتجاهات: 1 إدانة التدخل الأمني العنيف وتسجيل الانتهكات الحقوقية في حق ساكنة المنطقة.(المساء) 2 تبرير انتهاكات السلطة، باسم استعادة هيبة الدولة ضد المشاغبين الذين سيطروا على ميناء المدينة ضدا على السلطة.(الصباح) 3 قراءة الحدث على أساس أنه ناتج عن أزمة ثقة بين السلطة والمنطقة، حيث تعزز الاعتقاد لدى ساكنة المنطقة أن تهميش المنطقة ليس فقط ناتجا عن تقصير في ترتيب الأولويات الحكومية ، وإنما رفع الأمر إلى درجة ترويج البعض لكون ذلك تعبير عن خيار سياسي تاريخي يعكس موقف السلطة من المنطقة وقبائلها (أيت باعمران) (التجديد) أما التعاطي الحكومي فقد اتخذ هو أيضا ثلاث أشكال: - استثمار الحدث لتصفية الحساب السياسي مع قناة الجزيرة على خلفية خطأ مهني وقعت فيه (بلاغ رسمي نشر في وكالة المغرب العربي للأنباء). - نفي وقوع أحداث في سيدي إفني وإرجاع الأمر إلى مجرد تعبير عن مطالب (تصريح الوزير الأول للقناة الثانية) - التعاطي الأمني من خلال التدخل العنيف للقوات المساعدة وقوات الأمن. قد يكون مبررا التعدد في المقاربات التفسيرية في أوساط المثقفين والإعلاميين وحتى النخب السياسية، لكن أن يكون الموقف الرسمي غير مشدود إلى أصل ينتظمه فهو ما يعبر عن أزمة عميقة في التعاطي الحكومي مع هذه الملفات. فقد أظهر تصريح عباس الفاسي الذي نفى فيه وقوع أحداث في المدينة شرود مؤسسة الوزير الأول التام عن متابعة ما يجري، كما كشف وصفه للأحداث بكونها مجرد تعبير عن مطالب وجود أزمة أخرى لا تقل مأزقية عن الأولى، إذ السؤال الذي يطرح هو :ما هي مبررات هذا التدخل العنيف إذا كان الأمر يتعلق بمجرد التعاطي مع شرائح مجتمعية تعبر عن مطالبها، وفي المقابل، يكشف التعاطي الأمني أزمة أخرى في خطاب وزارة الداخلية، إذ في الوقت الذي برر فيه التدخل الأمني على أساس أنه محاولة لاستعادة هيبة الدولة من خلال فك الاعتصام على الميناء المحاصر من طرف المحتجين الذين كبدوا الدولة خسائر مادية جسيمة حسب الرؤية الرسمية، فإن هجوم رجال الأمن، وفي وقت مبكر على أحياء المدينة واستهداف نسائها وشيوخها وأطفالها يؤشر على أن الأمر لا يتعلق فقط بفك اعتصام المحتجين بالميناء بقدر ما يتعلق بعقاب جماعي للمدينة، وهو ما يزكي التحليل الذي ذهبنا إليه حين اعتبرنا أن المسألة تتعلق بأزمة ثقة بين الطرفين زادت هوتها وحدتها إلى درجة أن البعض صار يروج إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بتهميش المدينة ووضعها خارج الاهتمام الحكومي، وإنما يتعلق بموقف سياسي تاريخي يؤطرالسلطة في علاقتها بقبائل أيت باعمران. المفروض في مثل هذه الاحتجاجات أن تكون المقاربة السياسية والحقوقية هي الأنجع، وذلك باتخاذ مبادرة حكومية، ضمن إطار مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ترفع التهميش عن المنطقة وتدمجها في أوراش الإصلاح التي طالت المغرب،تعيد بذلك تأسيس علاقة الثقة بين السلطة وساكنة المنطقة، أو كان المفروض على الأقل أن تدعم الحكومة الوساطات التي بذلت من طرف البرلمانيين والإطارت الحزبية حتى تساهم في إضفاء المصداقية على هذه الهيئات السياسية، وتقلص بذلك من انسياب الاحتجاج خارج الأطرالمؤسسية، لكن المؤسف أن هذه المقاربة بسقفيها الأعلى والأدنى كانت غائبة تماما، وقد عكس شرود الوزير الأول هذا الغياب، وأخلى بذلك المجال للمقاربة الأمنية التي يبدو أنها وسعت مجال تدخلها وتعاملت مع الاحتجاج كما لو أنه انتفاضة لقبائل أيت باعمران على السلطة المركزية، في حين أن الأمر كان يتطلب أن ينظر إليه على أساس أنه احتجاج منظم من فعاليات مجتمعية على خلفية التهميش والفقر الذي تعيشه المنطقة بعد أن نقضت السلطات المحلية والإقليمية الالتزامات التي قطعت مع ساكنة المدنية.