هل استطاع الأدب الإسلامي أن يفرض نفسه في المشهد الثقافي المغربي المعاصر، بفضل مجهودات كثير من أقطابه مبدعين ونقادا؟ ما هو شكل حضوره في أنشطة المكتب الإقليمي لـ رابطة الأدب الإسلامي العالمية الي تأسست سنة 1984؟، ماذا تمثل مجلة المشكاة في المشروع الأدبي الإسلامي؟... فالأدب الإسلامي كمادة تدريسية، ولج رحاب الجامعة، بيد أن ثمة إشكالات ما زالت مطروحة في طريق هذا الأدب، منها إشكالية تحديد ماهيته، و إشكالية تسمية مفهومه...وما يعانيه من عقبات وصعوبات على المستوى الإعلامي خاصة. من رواد هذا الأدب، نلامس إجابات لهذه الأسئلة وغيرها، على هامش احتفال مجلة الأدب الإسلامي المشكاة، بعيدها الفضي، بصدور العدد 51 بعد توقف لأزيد من 3 أشهرعن الصدور. في إشكاليات المفهوم الذي يتصفح الكتابات النقدية و يستقريء الأبحاث الأدبية المنجزة حول الأدب الإسلامي تنظيرا وتحليلا، يجد بلا شك زخما من التعريفات التي تحاول تحديد ماهية هذا الأدب. فالدكتور عماد الدين خليل يعرف الأدب الإسلامي بأنه تعبير جمالي مؤثر بالكلمة عن التصور الإسلامي للوجود. وتعرفه رابطة الأدب الإسلامي العالمية، بأنه التعبير الفني الهادف عن الحياة والكون والإنسان وفق التصور الإسلامي، وبناء على ذلك فمفهوم الأدب الإسلامي عام وشامل، إذ تندرج تحت لوائه أنواع أدبية عديدة كالشعر والسرد والخطابة.. ويرى الدكتور نجيب الكيلاني في كتابه مدخل إلى الأدب الإسلامي، أن الأدب الإسلامي أدب مسؤول، والمسؤولية الإسلامية التزام نابع من قلب المؤمن، يقول المؤلف: وارتباط الأدب الإسلامي بالمسؤولية النابعة من صميم الإسلام يقي أجيالنا من السقوط في براثن تيه الفلسفات التي تعد بالمئات، ويضيف: إن الفلسفة الوجودية- مثلا- لم تعد فلسفة واحدة بل عشرات، وسلاح الأدب الإسلامي الكلمة الطيبة.... ويذهب المؤلف إلى أن الأدب الإسلامي يحرص حرصا شديدا على المضمون الفكري النابع من قيم الإسلام، ويجعل من ذلك المضمون ومعه الشكل الفني نسيجا واحدا معبرا أصدق تعبير ومبينا أوضح ما يكون البيان..، وأخيرا فإن الأدب الإسلامي بحسب المؤلف، هو أدب الضمير الحي، تحيا به الأمة فتحيي به موات القلوب. فيما تعريف محمد حسن بريغش اشترط صراحة أن يكون المبدع الإسلامي مسلما، جاء في تعريفه : الأدب الإسلامي هو التعبير الفني الجميل للأديب المسلم عن تجربته في الحياة من خلال التصور الإسلامي. لكن هذا لا ينفي بحس المهتمين أن إسلامية المبدع مفهومة ضمنا من أغلب التعريفات. وهذا يطرح إشكالية القائل والمَقول وصفة الإسلامية. بمعنى آخر: هل نحكم بإسلامية النص الأدبي انطلاقا من المعطى الإبداعي أم انطلاقا من صاحب النص؟. مصطلح مؤقت وترتبط بقضية تعريف الأدب الإسلامي إشكالية أخرى، تتعلق بالتسمية، فالدارسين والناقدين يستعملون جملة من المصطلحات لتوصيف هذا الأدب، لكن رابطة الادب الإسلامي العالمية، تبنت مصطلح الأدب الإسلامي لدقته وخصوصيته. يقول محمد علي الرباوي مدير تحرير مجلة المشكاة وعضو الكتب الإقليمي بالمغرب لـ رابطة الأدب الإسلامي لـ التجديد: ولكن الذي نلمسه هو أن الناس لم يتمكنوا من فهم المقصود من الأدب الإسلامي، هم يتصورونه أدبا دينيا، والأمر غير ذلك، ويضيف الشاعر الرباوي: نحن حين فكرنا في مصطلح الأدب الإسلامي فكرنا فيه في مرحلة كان ينبغي أن نستعمل فيها هذا المصطلح، ذلك أن المرحلة كانت في أواخر السبعينات، بالإضافة إلى أنه كانت هناك تيارات تملأ الساحة، كانت الفلسفة الوجودية، والثقافة الماركسية..، وانعكس ذلك على مجموعة من الإنتاجات، فكان ينبغي أن نبحث عن أدب ينتمي لحضارتنا، ويؤكد الرباوي: نحن استعملنا مصطلح إسلامي مؤقتا، وإلا فنحن ننادي بالأدب بمفهومه الحضاري، بمعنى أننا نبحث عن الأدب كما أنجزه أسلافنا، تتجلى فيه ملامح الحضارة الإسلامية، نريد أدبا نكتبه دون أن نكون مقيدين برؤى غير الرؤى الإسلامية. ولذلك نشرنا أعمالا كثيرة للمجاطي مثلا وعبد الكريم الطبال في مجلة المشكاة، لأنها أدب بمفهومه الحضاري، وذلك هو الأدب الإسلامي. ويذهب علي لغزيوي عضو الرابطة إلى أن الأدب الإسلامي قديم ولكنه كان تلقائيا، مؤكدا أنه بعد بروز اتجاهات وتيارات متعددة كان لا بد من إعادة تصحيح المفاهيم، ومنها تصحيح مفهوم الأدب الإسلامي. ويشيرلغزيوي من الهيئة الاستشارية لـمجلة المشكاة، إلى أن الحديث اليوم عن الأدب الإسلامي هو حديث عن مفهوم جديد لهذا الأدب. الذي يفرض نفسه لأنه أصبح أدبا شائعا في المغرب ن وأصبح له من يواكبه، وظهرت منابر خاصة تنشره ليس في المغرب فقط ولكن بالمشرق أيضا. يضيف لغزيوي لـ : نحن حين نتحدث عن الأدب الاسلامي، إنما نتحدث عن أدب له مستوى فني، والفن لا يمكن أن يكون إلا في مستوى رفيع يؤثر باللغة، بالتعبير بطريقة جمالية عن المشاعر، و إسلامي مصدر اصطناعي هو صفة للأدب، بحيث يكون مرتبطا للعقيدة التي ينتمي إليها مبدعه. ويرمي لغزوي إلى أن كون الأدب الإسلامي أدبا هادفا ملتزما، فإن ذلك لا يرفع عن الأديب الإسلامي ضرورة الالتزام بالتعبير الفني، كما أن الالتزام الإسلامي عند الأديب لا يعفيه من هذه الضرورة. ويشدد لغزيوي في ذلك على أن جوهر الأدب الاسلامي في الرؤية التي تطابق الاسلام، أي التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون وفق التصور الإسلامي. ويرد الرباوي على الذين لا زال يظهر الغبش في عيونهم، ولم يتمكنوا من فهم الدلالة من الأدب الإسلامي، بالقول : أدعوهم إلى قراءة ما نكتب. فالذين يتساءلون لا يقرؤون. اعتراف صريح يعزز مسيرة الأدب الإسلامي الذي أثبت وجوده في الساحة الأدبية في المغرب، بحسب محمد علي الرباوي، أنه استطاع أن يجد لنفسه منبرا يعبرمن خلاله عن هذا التصور الجديد، رغم أن المؤسسين لهذا الأدب ينشرون إبداعاتهم في منابر مختلفة، بما في ذلك المنابر التي لا تؤمن بهذا التيار، ويشدد الرباوي أنه مع مرورالأيام أصبح هناك اعتراف صريح بوجوده في كتابات متعددة، وإن كان بعضهم يفضل أن يسميه بـ الأدب الديني، فعبد اللطيف اللعبي حين ترجم منتخبات من الشعر المغربي، واختارالشاعر الرباوي نموذجا تحدث عنه بصفة ما يسمى بـ الأدب الديني، هذا التصنيف اعتبره الرباوي مصطلحا يريد أن يخبء المصطلح الآخر إسلامي. المشكاة شكلت منبرا يحتضن صوت هذا الأدب، الذي استطاع أن يفرض نفسه عبر خطة صار عليها في هذه المجلة، وهي ليست منبرا خاصا بالجماعة التي ترى أنها تكتب أدبا إسلاميا، كما تؤكد هيئة تحريرها، بل انفتحنا على كل قلم مغربي نرى أن في شعره شيئا مما ندعو إليه، وكتابات تحمل نفسا إسلاميا، يؤكد الرباوي مضيفا: انفتحنا على إتحاد كتاب المغرب، وعلى رابطة الأدب المغربي، وقمنا بأنشطة مشتركة، فالهدف هو البحث على ما يوحد مع الجهات الثقافية، والتركيز على ما يجمع وهو كثير. هذا جعل الانفتاح جعل الذين لا يؤمنون بتيارنا، يكتشفون أن هذا التيار ليس منغلقا كما تصوروا، ولكنه منفتح، والدليل أن كتاباتنا منفتحة أيضا على مستوى اللغة والتصورات الفنية يقول الرباوي. ومن جهته يؤكد علي لغزيوي أنه بعد ظهور مجلة المشكاة وجرائد أخرى، تعزز هذا الأدب الذي أصبح له كتابه ودارسوه وناقدوه، وتعزز أيضا من خلال الأطروحات الجامعية، بعد أن تراكم الإبداع في هذا المجال، وإن كانت بعض الأجناس الصحفية لم تزدهر بعد مثل المسرح.. لكن المشكاة لا يمكنها أن تستوعب كل الأقلام، حسب الرباوي، بل لا بد أن تعزز بمنابر أخرى، واستحضر في السياق أن توقف المشكاة لما يزيد على ثلاثة أشهر، كانت لأسباب مادية محضة، بحيث أنه منذ ظهورها تعتمد على القاريء وعلى الاشتراكات، ورغم أن رابطة الأدب الإسلامي في السنوات الأخيرة حاولت أن تمول بعض الأعداد، إلا أنها منذ الصيف الماضي قررت عدم دعم المشكاة لاعتبارات تخصها، لذلك حدث تعثر في الصدور. لكن على الرغم من ذلك فالادب الاسلامي، أدب استطاع أن يثبث وجوده في المشهد الثقافي المغربي، لذلك يستغرب الرباوي حينما يقال بأن الأدب الإسلامي في المغرب غير معروف، مضيفا أن هناك أطروحات كثيرة تناولت هذا الأدب في الجامعات المغربية، أحيانا بصفة الإسلامي، وأحيانا تناولت رموز الأدب في إطار الأدب المغربي، وأحيانا خصصت رسائل جامعية لهؤلاء الأعلام. وبنفس تفاؤلية يقرر الرباوي بأن الأدب الإسلامي سيكون هو البديل. إكراهات مسيرة هذا الأدب الذي ناضل ولا زال ليضع له موقعا في الساحة الأدبية المغربية، تطوق انطلاقته إكراهات، يحصرها علي الغزيوي في برامج التربية والتعليم غير المواكبة، كما أنه يتأثر بحركة النشر وتوزيع الكتاب عموما، وهذا يحد من انتشاره في جهات متعددة بالمغرب وخارجه. ومن جهة أخرى يؤكد لغزيوي في السياق على قلة المنابر التي تحتضن الأدب الاسلامي، معتبرا أن الانتشار الإعلامي لهذا الأدب لا تسمح به شروط مجلة المشكاة.القائمة على جهود الغيورين على هذا الأدب. هذا بالإضافة إلى الافتقار إلى التربية الذوقية في فهم النصوص الأصيلة، فالانفتاح ضروري ولكن لا بد من بناء الشخصية الأصيلة.