الدكتور عزام التميمي رئيس المعهد الفكر السياسي الإسلامي : ينبغي أن نلجأ إلى تبرير مواقفنا بالمسوغات السياسية وليس بالفتاوى الشرعية في هذا الحوار يعلق الدكتور عزام التميمي عن المستجدات الأخيرة في القضية الفلسطينية، زيارة كارتر لقادة حماس وإعلان صنعاء والحوار الفصائلي الفلسطيني بالقاهرة، ويطرح أفكار جرئية لتطوير السلوك السياسي لحركة حماس، ويعتبر أن من دور حماس والحركة الإسلامية أن تحرر جماهيرها من المحرمات غير الدينية التي صنعتها في فترة من الفترات لاعتبارات مبررة، ويدعو إلى عدم اللجوء في العمل السياسي إلى الفتوى، ويدعو إلى اعتماد المسوغات السياسية في تبرير المواقف وليس الفتاوى الشرعية. الذي يتابع الشأن الفلسطيني يلاحظ أن كل الأطراف باتت تعيش مأزقها الخاص، فالولاياتالمتحدةالأمريكية أضحت عاجزة عن تحريك عملية السلام، والكيان الصهيوني أمام واقع سيطرة حماس على قطاع غزة، وحماس تعيش مأزق العزلة، والسلطة الفلسطينية في ورطة، في نظرك كيف تتصور الوضع في ظل هذه المآزق؟ الوضع بالتأكيد صعب، والكل يحاول أن يخرج من مأزقه بأقل التكاليف، لكن يبدو لي أن حماس هي الأقدر من كل هذه الأطراف على الصبر وتحمل التبعات، ذلك أن الشعب الفلسطيني يشعر أنه لم يبق لديه ما يفقده وأن بعض قياداته جربت كل شيء يمكن أن يجرب، وباءت كل هذه المحاولات بالفشل، فالصبر والصمود يبدو هو الخيار الوحيد، هذا بالإضافة إلى أن حركة حماس في الشهور الأخيرة بدأت تناور وتمارس العمل السياسي على الساحة الدولية لسببين: الأول نظرا للضغوط الدولية الشديدة التي تمارس عليها وخاصة من طرف دول الجوار العربية ومصر بالذات، ومعلوم أن حماس لا تريد أن تفتح معارك على كل الجبهات وفي كل الاتجاهات، وتحاول أن تركز معركتها مع الاحتلال. السبب الثاني: وهي أن حماس بحاجة إلى مخرج، والمخرج لا يمكن أن يحصل إلا بالتجاوب مع المبادرات، وحتى إن لزم الأمر بالتقدم بمبادرات، لكن ما يميز هذه المناورات السياسية التي قامت بها حماس أنها لا تشتمل على تنازلات مبدئية، فحماس موقفها من الكيان الصهيوني واضح، ولا أظنه سيتغير لا في المدى القريب ولا في المدى البعيد، وهو الموقف الذي يعتبر الكيان الصهيوني كيانا غير شرعي ولا يمكن الاعتراف به على الإطلاق، وفيما دون ذلك، فيمكن أن تقبل بهدنة أو تهدئة ويمكن أن تقبل بأمور كثيرة لها علاقة بالعمل الميداني اليومي، لكن لا تتعلق بالتنازل على مبادئ. * إلى أي حد يمكن أن نعتبر زيارة كارتر لقادة حماس وإجراؤه حوار معهم مكسبا سياسيا لحماس؟ من وجهة نظر حماس، هذه الزيارة تشكل مكسبا، لأنها كسرت الحصار المفروض عليها وأخرجتها من العزلة، والرئيس كارتر على الرغم من أنه لا يؤثر مباشرة في صناعة القار السياسي، إلا أنه بما يحمله من إرث ووزن، سوف يشجع آخرين على أن يأخذوا مثل هذه المبادرة لزيارة حماس والتحدث إلى قادتها، كما أن أي تغيرات سياسية في أمريكا تأتي بالديمقراطيين إلى الحكم يمكن أن تكون لزيارته أثر على المستوى المتوسط والبعيد. وفي جميع الأحوال فهذه الزيارة لها فوائد معنوية وإعلامية بالنسبة إلى حماس، وإن كانت لن تؤثر على المواقف الأمريكية والأوربية على المدى المنظور. تدخلت اليمن وطرحت مبادرتها، وانتهى الحوار بين حماس وفتح إلى إعلان صنعاء، لكن سرعان ما انهار هذا الاتفاق ، في نظرك لماذا كان مصير إعلان صنعاء مثل مصير اتفاق مكة؟ المشكلة هنا أن المبادرة اليمنية حملت معها بذور فشلها منذ اليوم الأول، وذلك أن أحد بنودها، ويقال إن عباس أبو مازن هو الذي أضافه، يشترط عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل منتصف يونيو ,2007 وهو الشرط التعجيزي الذي لا يمكن أن تتجاوب معه حركة حماس. حماس كانت دائما تقول إنها مع الحوار مع حركة فتح ومع محمود عباس، لكن هذا الحوار ينبغي ألا يكون مشروطا، فإذا كانت لفتح ولعباس مطالب، فلتطرح على طاولة المباحثات، لكن إذا كان عباس يريد من حماس أن تعترف أمام الملأ أنها أخطأت وأن تتراجع عن خطئها أو تعد بالتراجع عن خطئها، فهذا اشتراط لا تقبله حماس، ولذلك عندما جاء الوفدان إلى اليمن، كثير من المراقبين كانت لهم شكوك بأن هذه المباحثات ستصمد كثيرا، وفعلا ما تم هو أن المبادرة اليمنية وضعت جانبا، وأقنع الرئيس اليمني الطرفين لتبني ما سمي بإعلان صنعاء، وأهم بنود هذا الإعلان هو تأكيد وحدة الشعب ووحدة القضية ووحدة المصير والتراب، والتأكيد على أهمية التحاور لحل المشاكل، وهذا بالنسبة لحماس مقبول، وبمجرد ما أعلن عن إعلان صنعاء، رفضته السلطة الفلسطينية في رام الله جملة وتفصيلا، والإسرائيليون هددوا فتح أنها إذا قبلت بالإعلان فإن هذا سيؤثر سلبا على مسار التفاوض وعلى علاقة إسرائيل بالسلطة الفلسطينية، وعاد الوفدان وكأن شيئا لم يكن. هناك شعور لدى كثير من المراقبين بأنه لم يعد بالإمكان الحديث عن عودة الوئام والتصالح بين فتح وحماس، وذلك أن حركة فتح التي تحمي السلطة الفلسطينية في رام الله اختارت أن تمشي في مسار التسوية مع الإسرائيليين، والإسرائيليون يشترطون للمضي في هذا المشروع ألا يحدث أي حوار بين فتح وحماس، ومحمود عباس يتعرض لضغوط شديدة من أمريكا وإسرائيل كلما كانت هناك حتى مجرد همسات تتعلق باحتمال اللقاء مع حماس، هذا بالإضافة إلى أن فتح تآكلت داخليا، إذ لم يعد في الحقيقة هناك تنظيم اسمه فتح، وإنما الموجود هو مجموعة مصالح، ومجموعة من المستفيدين، فلا يوجد هناك تنظيم له رؤوس كبيرة وقادرة على أن تخالف التوجه الذي يستمر فيه محمود عباس. في الوقت الذي تلعب فيه المخابرات المصرية دورا مهما في التقريب بين وجهات نظر الفصائل الفلسطينية، تصدر مواقف من الرئاسة والخارجية المصرية تسير في الاتجاه المعاكس لهذا الخط. كيف تنظرون إلى طبيعة الموقف المصري؟ مصر ليس فيها موقف واحد، وإنما فيها مواقف، هناك موقف ينظر إلى المصلحة الوطنية المصرية ويرى أن هذه المصلحة تستدعي التفاهم مع حركة حماس لأنها اليوم تسيطر على قطاع غزة، وغزة هي الحديقة الخلفية لمصر، ولكن هناك موقف آخر يرى أن حركة حماس هي امتداد للإخوان المسلمين ولا ينبغي بحال أن يعزز موقف حماس موقف الإخوان المسلمين في مصر، ولأن دعم حماس فيه إضعاف أيضا لعباس، فإن الموقف المصري الممثل في الخارجية والرئاسة يرى أن الخيار الوحيد هو التعامل مع عباس، وهذا ما يجعل الموقف المصري موقفا مضطربا فيه غموض في كثير من أوقات، فهي تريد أن تتوسط بين إسرائيل وحماس لكن وساطتها لا تكاد تأتي بنتائج سواء ما يتعلق بتبادل الأسرى أو ما يتعلق بالتهدئة لأن الموقف المصري ليس موقفا محسوما. ففيه تردد وفيه ضبابية وتناقض، بل هناك من يرى بأنه لا يوجد صدق لدى صناع القرار السياسي في مصر في حل الإشكال مع قطاع غزة للاعتبارات التي ذكرتها. وماذا عن الموقف الخليجي، وبشكل خاص الموقف السعودي، هل تراجع هذا الدور بعد فشل اتفاق مكة؟ إذا كنت تقصد الموقف السعودي، فقد انتقد انتقادا لاذعا من طرف الأمريكيين حين أثمر اتفاق مكة، فالأمريكان لم يكونوا موافقين، وأظن أن الملك عبد الله في ذلك الوقت كان مخلصا وجادا إلى التوفيق بين الفلسطينيين لحقن الدماء، لكن بعد أن فشل اتفاق مكة، وفشلت حكومة الوحدة الوطنية أو أفشلت بسبب المحاولة الانقلابية التي قادها محمد دحلان ومن معه، أظن أن السعوديين لم تعد لديهم الحماسة لكي يستأنفوا من جديد جهودهم، هذا بالإضافة إلى أن الأمريكان غير راضين على أي مبادرة عربية لإعادة الاعتبار لحركة حماس، أما المواقف الخليجية الأخرى فهي أضعف من أن تبادر إلى حل للمشكلة، فهناك تباين كبير داخلها، بعضها صامت، وبعضها مخاصم، وبعضها متعاطف، لكن في المحصلة، لا يوجد حراك سياسي كاف. هناك الآن انتقادات توجه إلى حماس بكونها تستحضر البعد العقائدي في السياسة، ويمنعها مبدأ رفض الاعتراف بشرعية العدو من إنتاج أي موقف سياسي في اتجاه التفاوض معه ولو دون الاعتراف به؟ رفض الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني هذا مطلب فلسطيني شعبي وليس موقفا خاصا بحركة حماس، لأنه وببساطة، الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني يعني أن ما وقع في فلسطين عام 1948 كان مقبولا، وأنه لم يكن جريمة، وهذا لا يمكن أن يقول به أي فلسطيني، لأن إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين تسبب في إخراج عدد هائل من الفلسطينيين الآن أبناؤهم وأحفادهم يعدون ما لا يقل عن ستة ملايين موجودين في المخيمات في الضفة الغربيةوغزة ولبنان والأردن وسوريا وفي الشتات. فهذا الموضوع لا علاقة له بالإيديولوجية، وإنما له علاقة بالحق، قد يعبر عنه من حين لآخر بلغة عقائدية، هذا أمر آخر وهو كيف نعبر عن القضية، ويمكن أن يعبر عنها بلغة سياسية بسيطة جدا، هو أننا كشعب فلسطيني ظلمنا، وسلبت منا أراضينا، وانتهكت حقوقنا، وهذه جرائم كلها غير مشروعة ولا يمكن أن نقبل بها، فالموقف هو موقف حقوقي، لا علاقة له بالإيديولوجية. وأنا في كتابي حماس فصول لم تكتب شرحت مواقف حماس، ولاحظت فيه التطور الذي حصل في طريقة حماس في التعبير عن القضية، في البداية كان التعبير عقائديا بحثا، والآن هناك تطور ملحوظ، حماس اليوم تستعمل لغة سياسية، وبذل أن تنتج لغة محلية أصبحت لغتها اليوم عالمية، فقد حصل تطور كبير في لغة حماس، ولذلك فهذا المأخذ غير صحيح وغير وارد في الحقيقة. لماذا لم تطور حماس سلوكها السياسي في اتجاه الحوار المباشر مع العدو الصهيوني والتفاوض معه في بعض القضايا مثل قضية تبادل الأسرى وقضية شاليط مثلا؟ حصل تطور في بعض المواقف تعتبر مفاصل مهمة في تاريخ حركة حماس، خذ على سبيل المثال مبادرة الشيخ ياسين بالهدنة، وهذه أصبحت الآن أساس من أسس التفكير السياسي لحركة حماس، فهي لا يمكن أن تقبل بشرعية الاحتلال الصهيوني، لكن يمكن أن تقبل بإمكان وجوده إلى أجل ما من خلال اتفاقية هدنة، أيضا حماس لها رغبة في أن تبرم اتفاقية أسرى، لكن التعنت الإسرائيلي هو الذي حول دون ذلك. وشخصيا أنا أعتبر تحريم الحديث إلى الإسرائيليين هو موقف مرتبط برأي عام نحن أطرناه وصنعناه، إلا أن المحرم هو أن نتنازل عن حقوقنا، لكن ليس محرما أن تتكلم مع عدوك. معنى هذا أنه من الممكن حسب وجهة نظرك أن تقبل حماس التفاوض مع إسرائيل؟ هذا هو الأفضل. المشكلة هو أن كلمة تفاوض أصبحت للأسف كلمة قذرة، والذي جعلها كذلك هو مسلك منظمة التحرير الفلسطينية حيث أن تفاوضها كان باستمرار تنازلا وانبطاحا أمام العدو، في حين أن التفاوض لغة وسياسة يكون بين الأعداء. التفاوض المباشر مع الخصم هو أفضل من التفاوض عبر الوسيط، لأن هؤلاء الوسطاء غالبا ما تكون لهم حساباتهم. وقد لاحظت أن الرئيس كارتر عندما جاء إلى خالد مشعل قال له إنه يحمل معه رسالة من نائب رئيس وزراء إسرائيل حتى يتفاوض معه بشأن قضية محددة وهي قضية الأسير شاليط. حماس ما كان لها أن تقبل ذلك لأن موقفها حتى الآن عقائدي في الموضوع لأن الكلام مع الإسرائيليين لا يجوز وهو محرم، ووجهة نظري كانت هي أن خالد مشعل لو قبل التحدي وقبل التفاوض المباشر مع نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي لتسبب في أزمة هائلة داخل المنظومة الصهيونية، ولتسبب في طرد حزب شاس من الائتلاف الحكومي ولربما سقطت الحكومة الإسرائيلية برمتها. لذلك أحد مآخذي على حركة حماس وقيادتها السياسية أنها حتى الآن لا تستثمر تناقضات الوضع الداخلي الإسرائيلي وهذا في الحقيقة ينبغي أن يحصل. لكن هذا يمكن أن يخلق أزمة كبيرة داخل حماس؟ ينبغي على حركة حماس وعلى الحركة الإسلامية بشكل عام كما أنها أقنعت جماهيرها والجماهير عامة بمحرمات ليست في الحقيقة محرمات دينية، وإنما هي محرمات سياسية كانت في لحظة سياسية محددة، عليها أن تقنعهم أن هذه المحرمات لم تعد موجودة، وهذا الأمر يسير، فقد حصل لي أن تكلمت مع الإخوة في حماس عدة مرات وسألتهم، وقلت لهم أثبتوا لي شرعا أن الحديث مع الإسرائيليين لا يجوز شرعا فقالوا لي لا نستطيع أن نثبت ذلك، فقلت لهم اثبتوا لي ذلك عقلا، قالوا المانع هو ما سيقوله الناس عنا وأننا بدأنا في التنازل كما فعلت منظمة التحرير الفلسطينية. الناس ثقافتها تتشكل وتتكون بفعل الاختيارات التي تنتجها النخبة السياسية، وهذا ما ينبغي أن يحدث. أنا يؤسفني كثيرا أن الحركة الإسلامية كانت تلجأ في مواقف كثيرة إلى الفتوى لإضفاء مشروعية على محظورات ربما كانت في زمن ما مبررة، لكنها كانت محظورات سياسية وليست محظورات دينية. أنا شخصيا أرفض التعجل في إصدار مثل هذه الفتاوى، بل أرفض اللجوء إلى الفتاوى في العمل السياسي، وأعتبره أمرا خطيرا ينبغي أن نقلع عنه ونلجأ إلى تبرير مواقفنا بالمسوغات السياسية وليس بالفتاوى الشرعية. الديمقراطية ونظرية الذئاب والكلاب لك موقف من الديمقراطية يثير كثيرا من الجدل، ما دواعي هذا الموقف، وما مسوغاته؟ كنت من أشد المتحمسين للديمقراطية، لكنني الآن وبشكل متزايد، بدأت أتشكك في العملية الديمقراطية في أصلها: أولا في العالم الإسلامي لا يسمح بعملية ديمقراطية نزيهة إطلاقا ولا أظنه سيسمح بذلك، لأن أي ديمقراطية حقيقية ونزيهة في العالم العربي بالذات والعالم الإسلامي عموما ستأتي بأنظمة حكم لا تتوافق مع إرادة النظام الدولي التي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية، والسبب الثاني، أننا شهدنا بأم أعيننا وعبر تجربة عشناها أن الديمقراطية الغربية ديمقراطية لا إنسانية، هي ديمقراطية المنفعة المحلية على حساب الإنسان الذي يعيش خارج الإطار المحلي، ولذلك فالديمقراطية في الغرب اقترن تطورها بالاستعمار والامبرايالية، ولا عجب أن أعتى الامبرياليات، وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية، تسمى زعيمة الديمقراطيات، ولا عجب أن يغزى العراق وتغزى أفغانستان ويؤيد اغتصاب فلسطين باسم الديمقراطية، ولا عجب أن يوصف الكيان الصهيوني بأنه الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، مع أن هذه الأنظمة الديمقراطية بدون استثناء هي أنظمة ضد الإنسانية وضد البيئة، فهي التي تلوث البيئة، وهي التي تقضي على الموارد الطبيعية، وهي التي تتسبب في مزيد من الغلاء والفقر والفحش الفارق بين مستويات الدخل، ولذلك فرأيي أن نعيد النظر في هذه المنظومة الديمقراطية التي صممت أصلا من أجل الإنسان الأوربي الأبيض حتى يزيد من مكاسبه. بعض الناس يقولون بأن الديمقراطية حققت الوئام وحققت الوفاق والسلام الاجتماعي في الغرب، وأنا أقول ليست الديمقراطية هي التي فعلت ذلك، وإنما الذي فعل ذلك هو الاستعمار، وهو خروج هذه الدول الغازية إلى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وسرقتها ونهبها لثروات الشعوب وتمكنها من توفير مستوى مرتفع من المعيشة لشعبها في الداخل، وهذا ما أطلق عليه أرنست كارنر قبيل وفاته بقليل نظرية الذئاب والكلاب، فهذه الحكومات المسماة ديمقراطية هي الذئاب تسطو على العالم الخارجي، وتلقي بالفتات إلى الكلاب، وهي شعوبها حتى تبقى راضية وساكتة. الديمقراطية الغربية بمجرد ما تتآكل موارد الدولة سوف تنهار من الداخل، فنحن في العالم الإسلامي إذا كنا نبحث عن نظام سياسي عادل يتفق مع رغباتنا وطموحاتنا وتطلعاتنا وثقافاتنا وتاريخنا، علينا أن ندرس ونتفحص بعناية حقول الألغام الموجودة في التجربة الديمقراطية الغربية التي في كثير من الأوقات نستنسخها ونقلدها تقليدا وهذا أخشى ما أخشاه.