الصلح خير شعار يتغنى به الكثيرون لكن القليلين هم الذين يفلحون في تنفيذه، وخصوصا إذا تعلق الأمر بين قريبين وخاصة منهما الزوجين، والحالة التي بين أيدينا لسيدة أعيتها شكوى زوجين مرت على زواجهما أكثر من 15 سنة أنجبا خلالها طفلين، ولم يصلا بعد إلى سكة النجاة من شيء اسمه عدم التوافق الزوجي. المشكلة التي أرقت السيدة صاحبة اليد البيضاء هي أنها كلما حضرت إلى بيت الزوجين تجد كل واحد منهما مستعدا للإدلاء بكل ما يملك من دلائل وقرائن تدل على أن شريكه ليس في المستوى المطلوب، والأخطر في الأمر أن الصراخ والسباب يكون أمام الأطفال. جربت السيدة المصلحة عدة طرق للصلح داخل بيت الزوجين، لكنها باءت بالفشل، واهتدت في يوم من الأيام من شهر مارس المنصرم إلى أن تجرب وسيلة أخرى، إذ عزمت أسرة الزوجين وأسرة أخرى صديقة إلى غذاء في محطة للاستراحة خارج المدينة التي يسكنونها جميعا، ولم تخبر أي أسرة بأنها استدعت الأخرى، وتركت أمر اللقاء الجماعي لثلاثة أسر بما فيها أسرتها للمفاجأة. استقلت كل أسرة سيارتها ليلتقي الجميع في المكان والوقت الذي حددته صاحبة المبادرة لتجد ثلاثة أسر نفسها في مكان مريح بعيد عن ضوضاء المدينة وضغط المشاكل المنزلية، شكلت المفاجأة بداية انشراح لدى الجميع، وما إن انتهى تناول وجبة الغذاء حتى أخذت كل أسرة تتفسح في المكان، منعزلة عن الآخرين، وكانت هذه المناسبة فرصة لينعم الزوجان المتخاصمان دوما بفترة من الراحة، كما أنهما بدآ يقارنان حالتهما مع حالة التفاهم السائد بين أطراف الأسرتين الباقيتين، لتكون القدوة حافزا لهما من أجل تغيير مسار حياتهما، وتفاهما لوحدهما دون ضغط من الآخرين على بدء صفحة جديدة من حياتهما يسودها جو من التفاهم وغض الطرف والسعي نحو توفير جو أسري مساعد على تنشئة سليمة لطفليهما. وبهذا استحقت السيدة المبادرة بجدارة أن تنطبق عليها المقولة المتداولة: التربية بالقدوة الحسنة لا بالوصايا. انتهت فترة الاستراحة وطويت معها صفحة مظلمة لحياة زوجية نكدية، وعاد المدعووون كلهم يثنون على مبادرة السيدة المصلحة التي سخرت جهدها المعنوي والمالي لإنقاذ أسرة من الضياع، ولم تيأس من ضيق المكان فاتخذت المجال الفسيح في الأرض لتحقق صلحا سينفعها في دنياها وآخرتها.