نظمت الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة ومركز الإعلام للنساء المغربيات ندوة حول استراتيجيات الحركة الإسلامية بين الدعوة والإرهاب يوم الجمعة والسبت 28 و29 مارس 2008 بفندق بلاص أنفا بالبيضاء، وكلن محور الندوة هو بحث استراتيجية مواجهة الحركة الإسلامية بجميع أطيافها، وقد حاولت أن تجمع الباحثين والأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية والنسائية والمدنية فضلا عن المنابر الإعلامية وذكل لمناقشة دور كل جهة من هذه الجهات في التصدي للتطرف، غير أن الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية وكذا الصحفيين رفضوا الانخراط في هذه السياق، ففضل كثير منهم التغيب، فيما اختار البعض الآخر الحضور والتعبير عن رأيه بما يخالف الأطروحة الاستئصالية التي قصد تمريرها من خلال فعاليات هذه الندوة . الأستاذ حسن رشيق: ليس مهمتي أن أتصدى للتطرف والإرهاب من البدء وضع الأستاذ الباحث حسن رشيق مسافة كبيرة بين وظيفة الأنثروبولوجي وبين دور الإيديولوجي، فمهمة الأول قد تهتم بدراسة الأفعال والقيم والممارسات التي يكون لها تأثير في السياحة، ولكنها قطعا لا تنشغل بالقضايا التي يهتم بها الإيديولوجي من قبيل طرح قضية مواجهة التطرف والإرهاب هذا ليس من طبيعة عملي هكذا يصرح الأستاذ حسن رشيق، ويقطع الطريق على كل الذين يريدون أن يستثمروا ما يقدمه البحث الأنثربولوجي المعرفي ويضعوه قسرا في سياق مواجهة ما يسمى التطرف. لقد انصرف جهدنا كباحثين أنثروبولوجيين لدارسة التدين على صعيد المجتمع المغربي من خلال أربع مستويات: مستوى المعتقدات، ومستوى الممارسات الدينية، ومستوى المعرفة الدينية، ومستوى تمثل القيم الدينية إن دورنا يضيف رشيق لا يتجاوز رصد منسوب هذه المستويات الأربع في المجتمع المغربي، وتتبع تطورها، ومحاولة تفسير هذا التحول. ففي المغرب مثلا، يمكن الحديث عن ارتفاع كبير في نسبة المتمثلين للمعتقدات الدينية وكذا الملتزمين بالممارسات الدينية، لكن يمكن تسجيل الضعف الكبير في المعرفة الدينية بالقياس إلى مصر مثلا، فدورنا يقول حسن رشيق، هو متابعة هذا المنسوب، ورصده ومقارنة ما سيؤول إليه الأمر في المستقبل بما هو عليه الآن، وكذلك الشأن بالنسبة إلى بقية الممارسات التي يفترض أن تؤطر بقيم دينية مثل الرقص والغناء والموسيقى والاختلاط في الشواطئ أو الأعراس وغيرها من القضايا التي يشتغل عليها البحث الأنثروبولوجي. الخلاصة التي ينتهي إليها رشيق في هذا الصددلا ينبغي التركيز على أحد الجوانب والتهويل فيه حتى وإن كان واقعا فبالأحرى إن كان غير مطابق للواقع خلاصة لم يفهم الاستئصاليون أبعادها وهي تدق الإسفين في نعش المقاربة الاستئصالية التي ترى في قيم المغاربة علامة من علامات انتشار التطرف وطغيان التيار الأصولي. محمد ضريف: نسف الأطروحة الاستئصالية نسف المقاربة يبتدئ من نقد عنوان الندوة وشعارها. أقترح أن نتحدث عن الحركة الدينية بين الدعوة والإرهاب، لأن هذا العنوان على الأقل يسمح لنا بالتركيز على الجماعات السلفية الجهادية التي يندرج خطابها وسلوكها العام ضمن خانة الإرهاب مقدمة نفى بها ضريف أن تكون لحركات الإسلام السياسي أية صلة بالإرهاب، وأراد بها من جهة أخرى ضرب الأطروحة الاستئصالية التي لا تميز بين أطياف الحركة الإسلامية سواء منها الصوفي أو الحركي أو الجهادي، إذ كلها حسب المقاربة الاستئصالية وجه لعملة واحدة، وأن كل لون منها إنما يقوم بالدور المكمل لما يقوم به الطيف الآخر. مقاربة التمييز هذه لاقت تجاوبا كبيرا داخل الحضور، إذ توالت التدخلات تؤكد أنه من الظلم ومن غياب الإنصاف وضع الحركات الإسلامية المندمجة والرافضة للعنف في خانة واحدة مع الحركات الجهادية التي تستبيح القتل والتفجير والاعتداء على الأبرياء. لم يتوان محمد ضريف في شن هجوم شديد على بعض الكتاب المحسوبين على الخط الاستئصالي متهما بعضهم بالكذب واختلاق نصوص وأقوال ونسبها إلى رموز إسلامية بهدف تشويهها، مؤكدا في هذا السياق أن الحد الأدنى الذي ينبغي أن يكون في الصراع الإيديولوجي هو احترام المعطيات المعرفية والعلمية، وأن هذا الأمر يدخل في صميم الأخلاق، إذ لا يمكن أن نقفز على معطيات البحث الأكاديمي، ونختلق الكذب من أجل تصفية خصوم سياسيين ردا منه على سعيد لكحل الذي نسب إلى الأستاذ عبد السلام ياسين ما لم يقله. سعيد لكحل: دفاع عن الاختطاف ما جرى في الجزائر سيقع قريبا في المغرب هذه هي ملخص المقالة التي جاء سعيد لكحل يقرؤها في فعاليات هذه الندوة، فلا فرق بين معتدلين ومتطرفين، بل الأخطر في نظر سعيد لكحل هم المعتدلون الوسطيون الذين يقدمون الورشة الإيديولوجية للذين يفجرون أنفسهم. مدخل المواجهة يبدأ من المدارس التعليمية وإعادة النظر في المناهج التربوية، ومن تحصين المساجد من دعاة الوهابية. سعيد لكحل لم يفته أن يصب جام غضبه على بعض قادة الحزب الاشتراكي الموحد متهما إياهم بالتحالف مع الإرهابيين (يقصد خالد السفياني)، ولم ينس أن يشن هجوما عنيفا على الجمعيات الحقوقية التي تناهض الانتهاكات الحقوقية التي تقع تحت مسمى مكافحة الإرهاب، حيث دافع بكل قوة على الاختطاف، واعتبره أمرا شرعيا ما دام الأمر حسب رأيه يتعلق بمصلحة الوطن. من أجل الوطن يمكن أن نقبل بالاختطاف والتعذيب، ما دامت هذه هي الوسيلة الوحيدة لتجنيب البلاد الكارثة وجهة نظر أيدها بكل قوة جمال هاشم، واستاء لها كثير من الحقوقيين وبعض القانونيين الذين رأوا أنه من الخطورة بمكان على حرية الأفراد والجماعات أن ينادي المثقفون بمثل هذه الأفكار الفاشية. الأحزاب السياسية: لا نملك استراتيجية لمواجهة التطرف لاحظ الجميع الحضور الباهت للأحزاب السياسية في هذه الندوة، إذ لم يحضر فيها إلا ممثل عن حزب التقدم والاشتراكية (نبيل بن عبد الله) وممثلة عن الحزب الاشتراكي الموحد (نبيلة منيب) ففيما تجهل الأسباب التي دعت محمد الساسي أن يتغيب عن هذه الندوة، ذكرت مصادر مقربة من الاتحاد الاشتراكي أن ممثل الحزب (إدريس لشكر) ربما قدر أن الظرف غير موات لحضور الاتحاد الاشتراكي ، فيما غاب حزب الاستقلال في شخص محمد المساري عن الحضور . مراقبون لهذه الندوة، قرؤوا في غياب حزبي الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال رفض هذين الحزبين الانخراط في معركة ربما تحضر ضد الإسلاميين المندمجين في العمل السياسي (حزب العدالة والتنمية). نبيل عبد الله: مواجهة الإرهاب من موقع صناعة القرار لوحظ ارتباك كبير على نبيل بن عبد الله الذي بعث في كلمته أكثر من رسالة سياسية، فمن جهة أعلن استعداده للانضمام إلى حركة اشمل إن وجدت للدفاع عن قيم حقوق الإنسان (يشير في ذلك على حركة لكل الديمقراطيين)، ومن جهة لم يبد أي اعتراض على اعتبار المرجعية الإسلامية كأساس لاستلهام الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتمنى أن تصير الأحزاب الإسلامية على شاكلة الأحزاب المسيحية الديمقراطية، ومن جهة أخرى أكد نبيل بن عبد الله أنه لا يمكن مواجهة التطرف والإرهاب إلا إذا تمكن الديمقراطيون من الوصول إلى مراكز القرار(دعوة قوى اليسار إلى عدم مقاطعة الانتخابات وترك الساحة فارغة للإسلاميين). دعوة رأى فيها المتتبعون لفعاليات الندوة أن الرجل ربما يسعى لإقناع كل فعاليات اليسار بما في ذلك اليسار الجذري إلى مساندة حزبه في المعركة الانتخابية حتى يحتل مواقع كبيرة في مراكز القرار تمكنه من لعب دور أكبر للتصدي للتطرف، فيما ووجه بانتقادات لاذعة من المتدخلين عن عجز اليسار الذي مكن من وزارت الإيديولوجية (التعليم، الثقافة، الاتصال) من القيام بأي دور في اتجاه محاصرة فكر التطرف في المدرسة والشارع. الجمعيات الحقوقية: لا نقبل أن نستعدي الدولة ضد الحركات الإسلامية محاربة الإرهاب لا تبرر الاعتداء على الحقوق والحريات، ونرفض استعداء الدولة ضد الحركات الإسلامية، هكذا بدأت خديجة الرياضي مداخلتها ترد فيها على أمينة بوعياش التي انساقت وراء نزعاتها الإيديولوجية ونسيت أنها ترأس جمعية حقوقية تلزمها أن تتحدث بلغة حقوقية ومن داخل مرجعية حقوقية واضحة. خديجة الرياضي التي أكدت أكثر من مرة خلافها الجدري مع الإسلاميين على صعيد منظمة القيم والمشروع المجتمعي، بل ونضالها على أكثر من مستوى ضد خطاب الحركات الإسلامية وأدبياتها، إلا أنها وبكل جرأة أعلنت رفضها الانسياق وراء من يريد أن يستعدي الجمعيات الحقوقية والدولة ضد الحركات الإسلامية. خديجة الرياضي فضلت أن تحترم الصفة الحقوقية التي تفرض عليها أن تنسجم مع المرجعية الحقوقية وألا تنزلق إلى استعداء الدولة ضد الحركة الإسلامية ضدا على حقوق الإنسان، رافضة أن تنزلق تحت أي اعتبار من الاعتبارات إلى مواقع تبرير الانتهاكات الحقوقية التي تجري ضد الحركات الإسلامية. خديجة الرويسي: استراتيجية المواجهة تبدأ من معرفة العدو وحجمه كلمة خديجة الرويسي عن بيت الحكمة انصرفت رأسا إلى طرح أسئلة إجرائية تتوجه بالأساس إلى رسم استراتيجية المواجهة ضد الحركات الإسلامية الدعوية. ينبغي علينا أن نعرف أن الحركات الإسلامية الدعوية بجميع أطيافها تمثل جزءا من الإرهاب، إنها تمثل الجانب الفكري منه، وهو أخطر الجوانب لأنه يتعلق بفرض الآراء وتقليص مساحة الخاص لصالح العام. ينبغي علينا أن نعرف من يمثل الإرهاب؟ وما هو حجمه؟ وما هي امتداداته؟ وما هي الآليات التي يشتغل بها؟ وكيف نواجهه؟ وبأية أسلحة؟ وكيف نقيس أدوات مواجهتنا لهذا الإرهاب؟ أسئلة تختصر عناصر الاستراتيجية التي تحدد العدو وطبيعته وحجمه وأدوات اشتغاله وطرق مواجهته وتقييم هذه المواجهة ومتابعة ما أنجز وما لم ينجز. كلمة فتحت المجال واسعا لمناقشة وسائل المواجهة، إذ تركز الحديث عن البرامج التربوية ومناهج التعليم ووسائل الإعلام والمساجد وكل ما يتعلق بالشأن الديني. الإعلام: لا تنتظروا من الإعلام أن يواجه التطرف -كانت هذه هي أضعف جلسات الندوة إذ تغيب كل من عبد الحميد اجماهيري عن الاتحاد الاشتراكي، ونور الدين مفتاح عن الأيام وأحمد بنشمسي عن تيل كيل ، فيما اعتبر البعض غياب الاتحاد الاشتراكي بأنه موقف، وهو ما يفسر عدم حضور إدريس لشكر عن الأحزاب السياسية وعبد الحميد اجماهيري عن الجريدة، فيما حضرت لطيفة اجبابدي ليس بصفتها كعضو في المكتب السياسي للحزب، وإنما بصفتها ناشطة نسائية. جلسة لم يؤطرها إلا البشير الزناكي الذي لا جريدة له، وبهية العمراني عن ريبورتير وجامع كولحسن عن القناة الثانية، وقد بدا من التدخلات وكذا من النقاش أنه من المستحيل الحديث عن انخراط الإعلام في مواجهة الحركات الإسلامية، ومن المستحيل أيضا أن يتخلى الإعلام عن دوره في كشف الحقيقة وتقديم المعلومة للرأي العام في سبيل التصدي لما يسمى مواجهة التطرف. من جهته أكد البشير الزناكي في كلمته خطورة الاكتفاء بالمقاربة الأمنية في التصدي لظاهرة التطرف، وأن المقاربة ألمثلى ينبغي أن تتوجه إلى البعد الثقافي والقيمي، ملمحا إلى أن تجاوز المنظومة القيمية الموروثة ينبغي أن يمر عبر التدافع المجتمعي، ذلك التدافع الذي سيكشف لنا يضيف البشير الزناكي اتجاه المجتمع وهل ينزع لقوى المحافظة أم يختار قوى التقدم والديمقراطية.