الطلاق بعد مدة طويلة من الزواج قد يفهم منه أن تجريب عدة وسائل لم يجد نفعا ووصل الطرفان إلى الباب المسدود ليقتحما باب أبغض الحلال أما أن يتم الطلاق بعد فترة وجيزة من الزواج فهذا يطرح أكثر من سؤال حول دواعي هذا الطلاق المبكر. فالبعض يرى السبب في قلة العقل وعدم تقدير مؤسسة الزوجية، والبعض الآخر يرى أن التدخل المفرط للأهل يفضي إلى وأد مشروع أسرة ناشئة. وبين هؤلاء وأولئك وآخرين تجد المطلقة نفسها أمام كم هائل من المشاكل والأحزان، قد تتجاوزها مع مرور الوقت وقد تخلف في قلبها ونفسها ندوبا مهما مرت السنوات فلن تمحيها. نساء مررن من تجارب قاسية، وتجرعن مرارة الطلاق، اختلفت الأسباب لكن النتيجة واحدة، هم وحزن وسخط على الأوضاع، غير أن الشيء الوحيد الذي ميزهن عن غيرهن من المطلقات هو عدم إنجابهن لأطفال، ولعل هذا ما يخفف وضعيتهن. بين تعدد الدوافع والظروف، استقت التجديد نماذج لنساء مطلقات جمعهن قصر مدة العيش في بيت الزوجية، وتحليل أخصائي لفهم وضعية المتجرعات مرارة الطلاق المبكر. قلة العقل مرت سنة على طلاقها إلا أن فاطمة ما تزال تعجز عن إخفاء دموعها كلما استطردت في الموضوع، مرة تلقي باللوم على والدة زوجها، ومرة أخرى على قلة عقلها التي كانت السبب في ما آلت إليه كما قالت. رحل زوجها إلى بلاد الغربة بعد 02 يوما من المعاشرة الزوجية، لتبدأ رحلة الصراعات مع والدته وأخواته، انتهت بعودتها إلى منزل والديها، في انتظار عودة زوجها للبحث عن حل، ولتشعره بمعاناتها اليومية مع عائلته، لكن أملها خاب لأن الزوج بمجرد أن علم بعودتها إلى أهلها قطع كل وسائل اتصاله بها، إلى أن وصلتها دعوى المحكمة يطلب فيها الطلاق. لم تستوعب الأمر لكن لم يكن من خيار أمامها سوى اختيار لقبها الجديد مطلقة الذي اعتبرته أهم تغيير حصل في حياتها، وانكسار نفسي يصعب شرحه. لحسن حظ فاطمة أنها لقيت الدعم النفسي والمعنوي من والديها، وهذا على الأقل يخفف عنها، على عكس أمال التي ما إن حصلت على ورقة الطلاق حتى انقلب الجميع ضدها خاصة أنها لم تبق في بيت الزوجية سوى شهرين بعد علاقة جمعتها وزوجها لأكثر من سنتين، ولم تجد من يضمد جراحها لأنها هي التي اختارته أول الأمر مما كرس الصراع بينها وبين عائلتها. اصطدام الحب بالواقع انقلب حلم الماضي وتحول إلى كابوس بعد الزواج ففضل كل منهما الابتعاد عن الآخر، لكن أمال اعتبرت أن حياتها مع زوجها كانت مرة والأمر منها وضعها الجديد الذي تنكر فيه الجميع لها، وأنهت حديثها بــ ماحيلتك لراسك، ما حيلتك لعائلتك، ما حليتك للناس، خليها على الله وصافي. لم تكمل حديثها لكن الواضح أن التحديات التي واجهتها قضت مضجعها وأيقظتها من حلم جميل إلى كابوس مرعب، وهذا ما أوعز الدكتور عبد المجيد كمي أخصائي الأمراض النفسية والعصبية في تصريح لـ التجديد أهم أسبابه إلى كون نظرة الحب التي كانت تجمع طرفي العلاقة قبل الزواج لم تدم بمجرد اصطدامهما بإكراهات الواقع وبمجرد أن ظهرت الشخصية الحقيقية لكلا الطرفين، إذ بعد علاقة قد تدوم لسنوات يحصل الطلاق في الأشهر الأولى من الزواج، لأن العلاقة قبل الزواج لم يكن يجمعهما فيها غير العاطفة، التي غالبا ما تزول بمجرد ما تظهر المشاكل الواقعية كمشكل السكن، وضغوطات المعيشة اليومية، لتتغير نظرة كل طرف للآخر، وغالبا ما تؤدي صعوبة تحمل الوضع الجديد إلى الطلاق. وهذا راجع بالأساس إلى قصور أغلب المقبلين على الزواج على فهم المعنى الحقيقي لفكرة الزواج، وتقدير المسؤولية الملقاة على عاتقهم كما أوضح ذلك الدكتور عبد المجيد كمي. تدخل الأهل غالبا ما يقدم الشاب على الزواج نزولا عند رغبة والديه وبعد كثرة الإلحاح عليه، وقد تكون الفكرة ناتجة عن قراره الشخصي، غير أن المشكل حسب عبد المجيد كمي هو ما يترتب عن ذلك الزواج، إذ أن أغلب الحالات التي تعرف الطلاق المبكر يكون الزوج فيها مهاجرا، وهو إما يكون متزوجا من أخرى هناك، أو له علاقة غير شرعية تؤثر مباشرة على علاقته بزوجته، ومباشرة بعد عودته إلى المهجر يضطر إلى جعل زوجته تقيم مع والديه، على أمل أنه سيقوم بإجراءات إلحاق زوجته به بغرض التجمع العائلي، إن لم يكن متزوجا هناك، لكن قد يحدث الطلاق قبل الانتهاء من إجراءات التجمع العائلي، وهذا يرجع غالبا إلى أن الزوجة تجد نفسها وحيدة مع عائلة الزوج التي تتألف في غالب الأحيان من عائلة كبيرة تتخلل علاقتها بهم مجموعة من الحساسيات والصراعات الكلاسيكية في مجتمعنا المغربي، من بينها أن الزوجة عندما تعيش مع أخت الزوج تشعر بأنها شخص غير مرغوب فيه داخل الأسرة لتبدأ الصراعات والمشاكل مع شقيقات زوجها أو مع والدته، وسرعان ما تفقد طاقتها للتحمل، وتعلن غضبها وبأنها لم تتزوج لتبقى مع العائلة فتصبح الحياة الزوجية مقيدة بالتعاسة. متهمة من المجتمع يرى عبد المجيد كمي، في حديثه لـ التجديد أن تجربة الطلاق قاسية على كلا الطرفين، غير أن معاناة المرأة تكون أكبر، فبعد أن كانت معززة في حضن عائلتها تجد نفسها في صراعات في منزل زوجها ثم تطلق وتعود إلى منزل والديها من جديد، لتختلف نظرة المجتمع لها، مهما كان جمالها، أو صغرها، أو ما يميزها، تطبع عليها وصمة الطلاق التي يعيبها بها المجتمع، ويحملها كل المسؤولية عن الطلاق. وهذا ما يزيد معاناتها النفسية، ويزيد الوضع تأزما إن كانت حاملا، أو إن طلقت بطفل. أما بالنسبة للعائلة فالأمر يختلف وذلك حسب تقبل كل عائلة للوضع، إذ هناك عائلات تفضل أن تطلق ابنتها مبكرا قبل إنجابها لأطفال كي لا تزيد معاناة الابنة مع مرور الزمن. وهناك عائلات أخرى ترفض تماما الابنة المطلقة. غير أن معاناة الزوجة النفسية لا تختلف كثيرا عن معاناة الزوج، خاصة إن اتخذ الرجل قرار الطلاق مجبرا من طرف العائلة، أو أن الزوجة لم تتحمل العيش مع والديه رغم تمسكه بها. ومع ذلك يبقى التأثير النفسي للطلاق على الزوجة أعمق. فالزوج غالبا ما يعاود الزواج وينسى تجربة الطلاق. أما الزوجة فلا تساعدها نظرة الاتهام التي يوجهها لها المجتمع على النسيان. تجاوز الأزمة ولتجاوز أزمات الطلاق النفسية أكد عبد المجيد كمي على أهمية توعية الشخص المطلق بأن هذا قضاء الله وقدره، وحتى إن كان الطلاق ناتجا عن إحساس الفرد بالخطإ فيجب أخذ الدروس والعبرة من التجربة والابتعاد عن الإحساس بالذنب ومعاتبة الذات، كي لا تكون تجربة الطلاق تدميرا للذات والعيش في أزمة. والأهم هو عدم إقدام الإنسان على الزواج إلا بعد التخطيط الجيد له والتفاني في دفع مؤسسة الزوجية للاستمرار والنجاح. والطلاق لا يعد نقصا عند المرأة، بل هو تجربة ودافع لتفادي الوقوع في نفس الخطإ مرة أخرى. والطلاق المبكر ربما وضعيته أفضل من الاستمرار في المعاناة.