عثرنا مؤخرا على نص المنشور الذي وزع في فرنسا ونسب إلى اللجنة السداسية الإسلامية كما عثرنا أيضا على بيان من أحد أفراد اللجنة السداسية نور الدين دكير في الرد على هذا المنشور، وسنعمل على نشرهما قريبا، وهما يوضحان بشكل دقيق السياق التاريخي الذي اندرجت فيه هذه الوثيقة والتفاعلات التي كانت تعتمل داخل الحركة الإسلامية عقب الخلاف الذي نشب بعد إقصاء عبد الكريم مطيع للقيادة السداسية، وبالنظر إلى المنشور ولغته، وكذا إلى بيان نور الدين دكير، يتبين أن المنشور إنما نسب للستة بقصد توريطهم، وأن مصدره لا يمكن أن يأتي إلا من جهة مناوئة لهم، وهو ما يعني أن كاتب المنشور إما أن يكون هو عبد الكريم مطيع نفسه، أو بعض مناصريه لكن بإيعاز منه، وقد حرص كاتب المنشور أن يغفل تاريخ إصداره، كما حرص على توزيعه بعيدا عن المغرب (بلد النازلة) وعن الدول العربية المفترض أن تكون معنية بهذا المنشور (السعودية، الكويت). أهمية الوثيقة تكمن أهمية هذه الوثيقة في كونها تنقل صورة من الوضع التنظيمي الذي كانت عليه الحركة الإسلامية خلال سنة ,1979 كما تعكس شكل الأسلوب السياسي الذي كانت تمارسه قيادة الحركة لتصفية معارضيها (الستة) والذي يتجاوز حد الخلاف الفكري والسياسي ليصل إلى درجة التوريط والتدمير، كما تبين الوسائط الإعلامية التي كانت القيادة تراهن عليها لاستتباب الاستقرار الداخلي وعزل وتصفية المتمردين أو المنافسين، فالوثيقة تؤكد من خلال ندائها الاستعطافي للصحف والمجلات الكويتية بالتثبت والتبين قبل النشر، أن هذه المنابر كانت رهن إشارة قيادة الشبيبة الإسلامية بدليل أن بيانات كثيرة نشرت فيها من المتحمل جدا أن تكون إدارة المجلة ليست على علم بمضامينها وحيثياتها. على أن الأهمية الكبرى لهذه الوثيقة هي بحث الأهداف السياسية التي حركت كاتب المنشور لنسب المنشور للسداسيين، ولإثبات علاقتهم بعبد العزيز النعماني، والقصد من إقحام بعض الرموز الوطنية والسياسية. نص الوثيقة ( الجزء الثاني) ورغم ذلك كله لم يأل أخونا جهدا في إيجاد حل يرضي الله ورسوله، وبينما هو كذلك إذ يطلع علينا المنشور الذي وزع في فرنسا والذي أقحم فيه اسم أخينا عدوانا بغير حق، وكتب عند نهاية نصه (اللجنة السداسية) لإيهام الناس أن المصدر هو أولئك الستة، والقارئ لهذا المنشور يلاحظ كثيرا من التناقضات والمغالطات التي تؤكد أن ناشريه طائفة من المغرضين، يستهدفون الإيقاع بين هؤلاء الشبان والمنظمات الإسلامية والسياسية والوطنية، ولا باس من تبيين بعض هذه التناقضات لفضح هؤلاء المزيفين للحقائق كما يلي: - لا يمكن لأي جماعة راشدة فالأحرى إسلامية أن تلطخ سمعتها بذلك الأسلوب اللاإسلامي الذي يشهر بأناس مسلمين وبجمعية لا يمكن إنكار إسلامهاليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء سباب المسلم فسوق وقتاله كفر أتدرون أربى الربا عند الله؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: فإن أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم، ثم قرأ الرسول والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتان وإثما مبينا - لا يمكن أن تدين جماعة عاقلة نفسها بجريمة شائكة وتكشف مخططها للجميع ثم تذكر أسماء رجالات إسلامية محترمين لدى الرأي العام الإسلامي، لتبوء بسخطهم وغضبهم، كما لا يمكن أن تنسب إليهم أقوالا هم منها براء وفي نفس الوقت تطلب منهم مزيدا من الدعم والعون من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما قتل الناس جميعا الآية. المسلم أخ المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه - جاء في المنشور ...فبهت الذي كفر..لا يعقل أن يتواطأ مجموعة من المسلمين على تكفير مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإن لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلا...وإلا رجعت إلى قائلها رواه أبو داودلا يرمي رجل رجلا بالفسق أو الكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلكرواه البخاري. - هل يصدق عاقل أن تساعد الحكومة الكويتية والمملكة العربية السعودية التي تربطهما مع المغرب عديد من الروابط القوية والصداقة أن تساعد أناسا يريدون المساس بنظام بلادهم الذي يعتبر الدستور المساس به محظورا. يا له من تحريض لهم (مبيت) على هؤلاء الفتية!! ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال - جاء المنشور يخاطب الشباب والشعب المسلم في حين وزع المنشور في بلاد غير مسلمة (فرنسا) وقد تبين من ذلك أن المغرضين كانوا يهدفون إلى استغلال المنشور كوثيقة مادية تثبت أن هؤلاء الستة مناهضين لسلطات بلادهم في حين نلاحظ أن بعض المناشير التي وزعت في المغرب تتهم الستة بالعمالة لنفس السلطات ومكر أولئك يبور. - هل يستقيم في العقل المسلم السليم أن يدعم الدكتور عبد الكريم الخطيب أحد وزراء الدولة السابقين بالحكومة ورئيس حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية ورئيس المقاومة وجيش التحرير بالمغرب... أناسا يريدون المساس بنظام بلادهم الذي يتنافى هو في حبه والتعلق به؟ - هل يصدق عاقل أن يفتخر أناس مسلمون بجريمة سبب للمسلمين في هذا البلد من العراقيل والعقابيل ما أخل بسير الدعوة؟ فمن المستفيد من أمثال هذه الجرائم؟ هل الدعوة الإسلامية التي تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة الملتزمة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ونهجه في خطواتها؟ أم الذين يريدون إحداث القلاقل في صف المسلمين لإيقاع بين علماء الإسلام ومفكريه وشبابه وبين حكوماتهم ومنظمات إسلامية وسياسية ووطنية. اللهم إن هذا منكر يحاك ضد المسلمين (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم). - والملاحظ أن المنشور ذكر أسماء لأعضاء منظمات في المشرق دون أن يذكر أسماء لأعضاء منظمات طلابية بأوربا والمتواجد بعضهم في فرنسا، في حين وزع المنشور بفرنسا، والهدف من ذلك فيما يبدو هو أن للمغرضين مصالح وأحقادا لهؤلاء الأعضاء المحترمين لدى الهيئات الإسلامية، ولأجل أن يتمكن من تسول لهم نفوسهم أن يستفزوا عواطف هؤلاء ووجدانهم، وليتأكد لديهم أن الذين زارهم ما هم إلا شرذمة من فرسان النفاق والأغرار والمنحرفين ذوي السوابق في ميدان الإيقاع بين الدعوة الإسلامية والمنظمات الإسلامية والسياسية والوطنية، وفي ميدان الأخلاق والسلوك الاجتماعي ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، ويلاحظ من خلال قراءة المنشور أسماء معينة لشخصيات إسلامية محترمة وإلى جانب ذلك إغفال متعمد لشخصيات إسلامية أخرى مما يدل على أن الأشخاص المذكورة أسماؤهم ينطوي المصدر المنشور على أحقاد إزاءهم، ولذلك أراد توريطهم وذلك بربطهم ربطا وثيقا ماديا ومعنويا بأشخاص وقع المنشور باسمهم باعتبارهم مجرمين متآمرين على نظام بلادهم خ حسب زعمه خ والهدف من ذلك تحقيق مصالح شخصية ومكاسب نفعية..وإلا فلماذا لم يذكر شخصيات أخرى مع العلم أن المنشور نفسه ذكر اتصالات قد تمت مع الجامعة والمنظمات الإسلامية الطلابية بأوربا في حين وزع المنشور بفرنسا، فانتبه من هذا الكيد الذي يهدف توريط فئة من المسلمين في قضايا إجرامية مستعملا فئة أخرى من المسلمين ومحاولا تضليل هذه الأخيرة، وإيهامها بأن الفئة الأولى لا صلة لهم بالإسلام، وإنما هم مجرمون مارقون عن الإسلام فاسقون عن تعاليمه، بمعنى أنه يريد أن يضرب المسلمين بالمسلمين إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ صلى الله عليه وسلم وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد متفق عليه. ولا يفوتنا في هذا البيان أن نسجل عجبنا اللا متناهي لما ينشر في بعض الصحف الإسلامية خ خصوصا الكويتية- من بيانات وتحليلات وتعليقات ضاربة عرض الحائط كل ما يقتضيه العمل الصحافي والواجب الإسلامي من تبين وتثبت وتحقق، مؤذية بذلك الشباب المسلم الطاهر، ومظهرة إياه للخاص والعام بمظهر لا يليق بكرامة المسلم وحرمته التي تفضل عند الله على حرمة الكعبة المشرفة. فلتحذر صحافتنا الإسلامية من المكايد والمصايد التي تنصب لها وهي لا تشعر، وعليها ألا تنخدع بزخرف القول والكلام، فهناك آيات عن أناس ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر قال تعالى: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألذ الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليهلك فيها الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وبئس المهاد وفي الأخير نؤكد مرة أخرى ونعلن أمام الملأ باسمنا وباسم أخينا العربي بأننا براء مما جاء في المنشور المذكور براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام والله على ذلك شهيد وكفى به وكيلا. كما نوجه نداء حارا إلى كافة المسلمين بالاعتصام بحبل الله جميعا دونما تفرقة أو تخاذل وتطهير القلوب وصفاء النفوس ومتانة الخلق، فالأمة التي فيها تعاليم الإسلام لن تكون الأمة المتخاصمة ممزقة متباعدة، كما نوجه النداء لعلماء الإسلام ودعاته أن يوحدوا صفهم وينبذوا خلافاتهم وليوحدوا آراءهم في منهج الدعوة مستقين في ذلك من كتاب الله والهدى النبوي الشريف لكي لا يجد الشيطان منفذا للتحرش بينهم، وليتعاونوا كالبنيان المرصوص فيما بينهم متفقين عليه، وليعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه ولنكن عباد الله إخوانا كما أمرنا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان.. فإن رجاء الأمة فيكم بعد الله كبير يا ورثة الأنبياء... ربنا اعف عنا وتجاوز عمن ظلمنا ولا تهلكنا بما فعله السفهاء منا. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم، وبالدعاء مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ملاحظات على الوثيقة الملاحظة الأولى: لا تخل لغة الوثيقة من سجال شرعي وسياسي ينم عن منسوب عال من الثقافة الشرعية والسياسية، وهو ما يعني أن البيان لم يكتبه شخص واحد (العربي بوسلهام) إذ من الوارد جدا أن يكون قد خضع لنقاش مستفيض وانتهت صيغته النهائية بالشكل الذي هي عليه الآن. الملاحظة الثانية: تكشف الوثيقة السياق الذي اندرجت فيه زيارة العربي بوسلهام إلى الحجاز وأن ذلك لم يكن بتوجيه من جماعة التبين وإن كانت الأفكار التي حملها العربي بوسلهام لا تختلف من حيث تأصيلها عن مبادرة جماعة التبين. الملاحظة الثالثة: لم تذكر الوثيقة السبب الذي أقحم فيه اسم العربي بوسلهام في منشور فرنسا بارتباط مع اللجنة السداسية، غير أن بيان نور الدين دكير الذي سننشره قريبا يبين أن هذا الإقحام سببه الرفقة التي حصلت بين دكير والعربي بوسلهام في زيارتهما لمكة من أجل إصلاح ذات البين. الملاحظة الرابعة: لا يمكن تفسير التهجم على شخصية إسلامية مستقلة مثل شخصية الأخ العربي بوسلهام غلا في سياق ردود الفعل التي قام بها عبد الكريم مطيع ضد كل الشخصيات والجهات التي سعت إلى الإصلاح بين جناحي التنظيم في أواخر سنة 1977 وبداية سنة 1978 وحتى في سنة 1979 التي عرفت آخر محاولات الإصلاح بعد فصل اللجنة السداسية. فقد تعرض كل الذين زاروا مطيع من أجل الإصلاح إلى اتهامات بالعمالة في مناشير وبيانات متعددة. الملاحظة الخامسة: لعل لغة منشور فرنسا كانت الأكثر خطورة قياسا إلى البيانات الأخرى التي أصدرها مطيع في حق السداسيين، إذ جرت بياناته على وصفهم بالمنحرفين والأغرار والعملاء والتعاون مع الاستخبارات المغربية، غير هذا المنشور ازدحمت فيه التهم الشنيعة من: الافتخار بقتل عمر ابن جلون. الانتساب إلى عبد العزيز النعماني ومن ثمة حركة المجاهدين المغاربة بيان صلة منفذي اغتيال عمر ابن جلون (ذكر اسم سعد أحمد بالاسم) باللجنة السداسية. حرق مجموعة من الشخصيات الإسلامية العاملة في المجال الدعوي والتي كانت معروفة بدعمها للشبيبة الإسلامية في مراحلها الأولى وتسهيل نشر بياناتها في مجلة المجتمع والبلاغ الكويتيتين، وهو ما يعني التأريخ لزمن بداية الخلاف بين مطيع والكويت حكومة ومنظمات إسلامية وشبابية (1979). بداية التعرض لشخصية عبد الكريم الخطيب، ذلك أن عبد الكريم مطيع وحسب بيان نشره عبد الكريم مطيع في مجلة المجتمع قبل هذا المنشور ببشع شهور والذي سنتناوله قريبا أشاد بشخصية الدكتور الخطيب ونسب إلى الستة تحاملهم عليه، وهو ما يؤكد تناقض عبد الكريم مطيع في هذا الموضوع وارتباكه. الملاحظة السادسة: تفتح هذه الوثيقة آفاقا للبحث في جملة من المسائل تتعلق أولاها بالقطاع الطلابي الإسلامي والدور الذي لبعته اللجنة الطلابية المشرفة على المجمع الإسلامي بجامعة محمد الخامس بالرباط، وتتعلق الثانية بالخطاب الفكري والسياسي الذي كان الجسم الحركي يتبناه في تلك المرحلة (جدل المفردات التوحيدية والمفاهيم اليسارية في الخطاب الحركي الإسلامي)، وتتعلق الثانية بالتأريخ لمرحلة من مراحل المخاض التي عاشته الحركة الإسلامية والدور الذي لعبه وسطاء من خارج الجسم التنظيمي الحركي لحل هذه المعضلة، كما تفتح الوثيقة آفاق البحث في قطتين شائكتين: الأولى تتعلق بحركة المجاهدين المغاربة وعلاقة عبد العزيز النعماني بعبد الكريم مطيع، وتتعلق الثانية باغتيال عمر ابن جلون ومسؤولية قيادة الشبيبة الإسلامية (عبد الكريم مطيع) على هذه الجريمة.