من التزامات المتعاقد أن يكون رهن الإشارة الكاملة لوزارة الأوقاف فيما يخص تعيينه ولا يمكنه أن يمارس أثناء مدة العقد أي نشاط آخر يستهدف الربح لا ينبغي أن تتخذ مهمة الوعظ والإرشاد مجرد وظيفة فإذا كانت كذلك فإن الأمر سيكون ضعيفا ويكون الأداء ليس بالمستوى المطلوب بغية الرفع من مستوى الأئمة والمرشدات أنشأ معهد خاص يستقبل حفاظ القرآن الكريم بالنسبة للأئمة ونصفه على الأقل بالنسبة للمرشدات مع شرط الحصول على شهادة الإجازة الجامعية، مرت أزيد من سنتين على تسلم الفوج الأول وظيفته للقيام بالمهام المسندة إليهم من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بناء على تعاقد بين الطرفين، فهل آن الآوان لتقييم التجربة؟ التجديدفتحت تحقيقا في الموضوع مركزة على الفوج الأول الذي تخرج سنة 2005 والذي يعمل بمدينة الرباط والنواحي. الإشراف الإداري هناك مكتب خاص أنشأته وزارة الأوقاف في المندوبية الجهوية يشرف على الأئمة والمرشدات التابعين لها، حيث تم التأكيد على أن هؤلاء المتخرجين يعتبرون موظفين متعاقدين مع وزارة الأوقاف ويشتغلون مع المندوبية الجهوية بتنسيق مع المجلس العلمي المحلي ، فجميع الأنشطة التي يقوم بها الأئمة والمرشدات تكون تحت إشراف المندوبية وذلك من ناحية طبيعة البرامج والمراقبة والتقييم، وأيضا من ناحية التأطير داخل المساجد الذي يشمل الندوات وجلسات الاستماع والأنشطة التي ترتبط بالمناسبات الوطنية والدينية، فهناك استمارة يملؤها الأئمة والمرشدات لتقييم مدى التزامهم بهذه الأنشطة. وبالنسبة للأجر والتعويضات يتقاضى المتعاقد في متم كل شهر الأجر الذي تخصصه له الوزارة بالإضافة إلى التعويض على التنقل الذي حدد في 900 درهم بالنسبة للأئمة، في حين المرشدات لا تعويض لهن لأنهن لم يقبلن الدراجة النارية كوسيلة للتنقل، كما ذكر لنا بعض الأئمة أنه لحد الساعة لم يتم التنزيل العملي للتعويضات العائلية، كما أشار آخرون أنهم يعملون في كل الأوقات، فليست لهم عطل محددة كما هو متعارف عليه في إطار الوظيفة العمومية. ومن التزامات المتعاقد أن يكون رهن الإشارة الكاملة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فيما يخص تعيينه، ولا يمكنه أن يمارس أثناء مدة العقد أي نشاط آخر يستهدف الربح، وفي حالة رفضه إنجاز شغل من اختصاصه عمدا وبدون مبرر يتم فسخ العقد، كذلك في حالة ارتكابه لبعض الأفعال المخلة بالشرف، وكذا السرقة والتعاطي لمادة مخدرة وغير ذلك من الأفعال المشينة. ومن جهة أخرى أكد السيد عبد الله اكديرة رئيس المجلس العلمي المحلي بالرباط أن العلاقة التي تربط هؤلاء الأئمة والمرشدات المتخرجين من مركز التكوين بالمجلس هي علاقة علمية بالأساس، وتتمثل في التنسيق من ناحية التأطير العلمي وخصوصا المشاركة في الندوات والمحاضرات وكذا إلقاء الدروس، ويتم التنسيق أيضا من ناحية مراقبة خطباء المساجد من ناحية حسن الأداء والسلوك. مهام متعددة عند ملاحظتنا للعقد النموذجي المبرم بين الدولة والأئمة أو المرشدين والمرشدات نجد عدم التحديد في المهمة الموكولة لهؤلاء المتخرجين من مركز تكوين الأئمة والمرشدات، إذ يسجل في العقد المذكور تعدد المهام، بالنسبة للأئمة يعينون في أي مسجد من المساجد التي تحددها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وفيها يقومون بإمامة الصلوات الخمس اليومية وصلاة الجمعة، كما يساهمون في الارتقاء بخطب الجمعة، ولهم أن يرفعوا الأذان عند الاقتضاء، ومن المهام المشتركة بين الأئمة والمرشدين والمرشدات، إعطاء دروس في مختلف العلوم الإسلامية، كما يساهمون في التكوين المستمر للأئمة أو المرشدات وباقي القيمين الدينيين، وأيضا يساهمون في الحفاظ على الوحدة الدينية للمجتمع وتماسكه ضمن ثوابت الأمة؛ ومن مهامهم أيضا إعطاء الدروس في محو الأمية، ويساهمون في النشاط الثقافي الاجتماعي بالمسجد، إلى غير ذلك من المهام المتعددة والمتنوعة، وعندما سألنا بعض الأئمة والمرشدات المتخرجين أكدوا لنا عدم التحديد في المهمة، حيث أشار أحد الطلبة المستجوبين أنه يشرف على 46 مسجد، ويقوم بتكوين الأئمة وذلك حصة في كل أسبوع، ويقوم أيضا بدروس ومواعظ وخطب الجمعة، بالإضافة إلى جلسات الاستماع الأسبوعية للإجابة الناس على تساؤلاتهم، كما رأى إمام مرشد آخر أن عدد المساجد يختلف من إمام لآخر، ولهذا ينبغي تحسين البرمجة قصد التوفيق بين جميع هذه الأنشطة، هذا بالإضافة إلى القيام بأنشطة أخرى غير متعلقة بالأئمة ولكن لها علاقة بالمجتمع المدني، كعقد شراكات مع مجموعة من المؤسسات كالمؤسسة السجنية والمؤسسة التعليمية، وهذا يكون حسب جدولة زمنية مضبوطة، وحول قيامهم بدور المراقبة يؤكد أحد المؤطرين أنهم فقط يبدون بعض الملحوظات حول قراءة القرآن والتوجيهات العلمية لتحسين أداء أئمة المساجد. علاقة التكوين بالمهام ذكر الأستاذ لحسن بن إبراهيم سكنفل أستاذ مادة الخطابة بمعهد تكوين الأئمة والمرشدات أن كل الطلبة حاملون لكتاب الله، وهذا شرط أساس، فلا يتصور في عرف المغاربة أن يكون الإمام غير حافظ لكتاب الله، وبالنسبة للمرشدات أن تكون حافظة لثلاثين حزبا على الأقل، وتأكيدا لهذا الأمر وحرصا عليه، وتقوية له فإن من ضمن المواد مادة تعهد الحفظ إضافة إلى ضرورة قراءة الحزب الراتب مع بداية كل يوم (حزبان يوميا)، وهناك أيضا مواد متصلة بالقرآن كعلم القراءات والتجويد وعلوم القرآن، هذا أمر أساس ورئيس بل هو أساس التكوين المكين وركنه الركين. كما أشار لحسن أن هناك من المواد ما يتعلق بتعميق التخصص المفروض في الإمام والمرشدة كالعلوم الشرعية، السنة النبوية ، الفقه المالكي (فقه الإمامة، وفقه النساء، وفقه المعاملات)، العقيدة الأشعرية والتصوف وتاريخ التشريع، قواعد اللغة العربية. و حول التنصيص على هذه المواد ذكر لحسن سكنفل أن التأكيد على هذه المواد نابع من الحرص على أن يكون المتخرج على قدر كافٍ من التمكن في هذه المواد خصوصا الحاملون لإجازات في تخصصات علمية، أيضا من المواد ما هو مرتبط بتيسير التعامل مع الواقع كمادة التواصل التي تهدف إلى تقوية الجانب العملي في عمل هؤلاء الأئمة والمرشدات على اعتبار أن عملهم مرتبط بالتواصل مع القيمين الدينيين ومع عامة الناس، من المواد كذلك مادة الفلك ومادة تحليل الخطاب الديني ومادة الخدمة الاجتماعية والمؤسسات، ومحو الأمية والمدخل العام لتاريخ العالم، وهذه مواد كلها تقوي جانب الفقه بالواقع والارتباط به، فلا يعيش الإمام والمرشدة منعزلين عن واقعهم المعيش، وهناك أيضا يقول لحسن مادة الخطابة والوعظ وهي مادة تطبيقية مائة بالمائة، يتقدم خلال حصصها الطلبة بإنجازاتهم في مجال الوعظ والخطابة والمحاضرات والندوات حيث تناقش الإنجازات، ويستخلص من هذه المناقشة المنهجية العملية لإلقاء الخطب والمواعظ، وذلك يرصد الإيجابيات والتعثرات وإعطاء البدائل، لذلك فإن لحسن كان يؤكد على الطلبة بضرورة الانفتاح على العلوم الإنسانية كالفلسفة باعتبارها تعطي منهجا للتفكير، وعلوم التربية (كعلم النفس التربوي وعلم النفس الاجتماعي باعتبارهما ضرورين لمعرفة الشخصية الإنسانية والشخصية الاجتماعية)، والاطلاع على الأصول الفكرية والعقدية للمقولات الحديثة كالحداثة والديمقراطية والعولمة، ومعرفة الطلبة لهذه العلوم والمعارف يقول لحسن أعطاهم دافعا قويا للقيام بمهمة الأئمة والوعاظ والمرشدين عموماً أي تأطير المواطنين دينيا، ومساعدة القيمين الدينيين خصوصا الأئمة والمؤذنين على القيام بواجبهم بالتعاون معهم والاستفادة من تجربتهم. الوظيفة بين الرسالية والإنتاج العلمي يرى لحسن سكنفل أن البعد الرسالي لا يتنافى مع الجانب المادي الذي هو أيضا عنصر أساس، ومن هنا جاءت أهمية هذا البرنامج حيث يشتغل هذا الإمام وهذه المرشدة بعيدا عن الحاجة التي كثيرا ما كانت عائقا في طريق بعض المشتغلين في هذا الميدان، حينما يختار الإنسان هذا الميدان فالمفروض فيه أن يستحضر واجبه باعتباره إماما واعظا مرشداً، وعلى اعتبار أن عمله مرتبط بأمير المؤمنين، مرتبط بدين الأمة ودين الدولة فرسالته هي رسالة العلماء الذين هم ورثة الأنبياء والتي يجسدها قول الله تعالى: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون . وقوله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. فالبعد الرسالي ينبغي حسب لحسن أن يكون حاضرا لأن شغل هؤلاء الطلبة مع الله تعالى، وليس مع أي جهة. أما الإنتاج في مجال الكتابة، فإن لحسن يرى بأنه راجع بالأساس إلى جهد الشخص نفسه والمرتبط بعلو الهمة، والسعي إلى التميز، والباب مفتوح أمام الأئمة والمرشدات للمشاركة والإبداع في مجال تخصصهم عن علم ومعرفة ودراية ، فهم أولى الناس بذلك يؤهلهم لذلك تكوينهم وتفرغهم للدعوة والتوجيه والإرشاد والبيان والتبيين ودائما بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن سيرا على نهج الأسلاف من علماء الأمة الربانيين الأبرار الذي قضوا جل أوقاتهم في التعليم والتأليف. تقييم التجربة بالنسبة لشفيق الإدريسي الداعية الإسلامي يرى هذه التجربة وإنشاء هذا المعهد فكرة نوعية يجب أن يشد بحرارة على أيدي الذين كانوا وراء هذا المشروع الهام وإن جاء متأخرا، وما دام أنه قد جاء يصفق له ويشجع ويدعى لمن كان ورائه، أما بالنسبة لنوع المناهج والبرامج التي سطرت يضيف شفيق لابأس بها ولكن الملاحظ أن الفوج الأول كان متميزا بالنظر والمقارنة مع الفوج الثاني، ذلك أن الفوج الأول روعي في اختيار الأشخاص الذين يرتادون هذا المعهد من أجل التكوين أمرين اثنين، الأمر الأول:الألمعية، أي أن الطالب يكون نابغة وألمعيا، وثانيا: أن يكون رساليا. ولكن مع الأسف يقول شفيق أنه في التجربة الثانية لم يراع فيها هذا الأمر، لذلك تجد أن الفرق والبون شاسع ما بين الفوج الأول والفوج الثاني. وعلى العموم يرى شفيق الإدريسي أن المعهد يؤدي واجبه ولكن لايرتقي إلى المستوى المطلوب والمستوى الذي يطمح إليه المسلم المغربي الذي يرتاد المساجد سواء تعلق ذلك بالوعظ والإرشاد أو خُطب الجمعة، ويعتقد أنه لابد من الرجوع إلى المعايير التي يتم بها اختيار الذين يرتادون هذه المعاهد ويتصدون للوعظ والإرشاد وخطبة الجمعة، وهي أن يكون الطالب ألمعيا، وأن يكون نابغة، ولابد أيضا أن يكون رساليا، يعني ألا تكون هذه حرفة أو مجرد وظيفة، فإذا كانت كذلك فإن الأمر سيكون ضعيفا ويكون الأداء ليس بالمستوى المطلوب.