أدى انهيار عمارة القنيطرة إلى الحديث عن دور ومسؤولية المهندس المعماري فيما وقع، وما مدى وجود هذا الفاعل في مراحل البناء؟، وما مدى مساهمته في الحد مما وقع باعتباره مسؤولا عن وضع التصميم ومتابعة عملية البناء؟... أسئلة كثيرة تطرقنا إليها في هذا الحوار مع عمر الفرخاني رئيس المجلس الوطني للمهندسين المعماريين: عرف المغرب انهيار بعض البنايات الحديثة مثل ما وقع في طنجة وما عرفته القنيطرة مؤخرا، ما تعليقكم عما يحدث؟ إن كارثة القنيطرة لم تؤدي فقط لفقدان أرواح بشرية لعمال البناء، بل إلى تشريد حوالي عشرين أسرة أصبحت بدون معيل. وما ينبغي التركيز عليه في مثل هذه الحوادث هو الابتعاد عن المزايدات السياسة، فقد علمتنا التجارب السابقة انطلاقا مما وقع في مدينة الحسيمة أن تحميل كل طرف المسؤولية للآخر يؤدي إلى بقاء هذه الملفات عالقة وغامضة ولا نصل إلى أي نتيجة تذكر. وملف القنيطرة بين يدي القضاء وستسفر التحقيقات عن حيثيات ما حصل ويعاقب المسؤولين عن ذلك، غير أن الأهم حاليا هو كيف نتجنب هذه الكوارث مستقبلا، وذلك عبر التركيز على مهام المهندس المعماري الذي نادرا ما يلتفت إليها، ويصبح المهندس أهم رجل في المغرب لما تنهارعمارة أو يسقط منزل، ولكن عندما تقوم الهيئة الوطنية للمهندسين بالتحسيس بمسؤولية المتدخلين في عملية البناء فإنها لا تجد لها آذانا صاغية. برأيكم ما هي أهم أسباب هذه الحوادث؟ القطاع الخاص في مجال البناء لا يعمل مثل القطاع العام، ولم نسمع سابقا أن بناية قامت الدولة ببنائها انهارت لأن أوراش الدولة تدبر بطريقة مهنية، لأنها تحرص على وجود جميع المتدخلين من مهندسين معماريين ومكتب المراقبة والمختبر وجميع الدراسات التقنية المدققة، والحرص على مقاولة مؤهلة وبعدها تشرع في العمل، هناك مشاكل من نوع آخر بخصوص مشاريع الدولة تتعلق بالرشوة لكن هناك حرص على الجودة في المجال التقني، كما لا ننسى أن هناك مجموعات في القطاع الخاص مهيكلة مثل الدولة وتحرص على حضور جميع المتدخلين في عملية البناء شأنها في ذلك شأن القطاع العام وأحيانا أفضل منه ولكن يبقى عددها قليل. وبالمقابل نجد أن لكل مواطن مغربي الحق عند حصوله على رخصة البناء سواء تعلق الأمر ببناء منزل أو مركب تجاري أو عمارة أن يستعدي عمال البناء دون مشاركة المهندس المعماري أومكتب الدراسات أوالمختبرودون إشراف مقاولة مؤهلة ومكتب دراسات معترف به. ورغم أن القانون المغربي يشير إلى أنه يجب على المهندس المعماري أن يتابع عملية البناء لكن إذا لم يقم صاحب ورش البناء باستدعائه فلا يمكن أن يفرض نفسه عليه. ولا بد من الإشارة إلى متدخل آخر دوره مغيب وهو طبيب الشغل، هذا الأخير الذي من مهامه العناية بظروف عمل وصحة العاملين ومامدى التزامهم بقواعد السلامة، فمثلا نجد العمال في أوراش البناء يعملون دون خوذات واقية ويعملون في ظروف يغامرون بحياتهم. ما هي أهم الحلول المناسبة لهذا الواقع؟ في انتظار أن يخرج قانون السكنى والتعمير 04/04 ومدونة التعمير إلى حيز الوجود، ينبغي أن يتخذ المسؤولين إجراءات استعجالية مثل إصدار دورية تؤكد على أن لا يبدأ أي ورش حتى يؤشر المهندس المعماري على ذلك بعد حضور المتدخلين الآخرين، وحينها يصبح مسؤولا عن الورش، ويتحمل مسؤوليته على المستوى التقني عند وقوع أي خطأ أو خلل أو تجاوز للقانون. بنظركم ما هي الأسباب التي حالت دون خروج مشروع القانون 04/04 لحد الآن؟ مشروع القانون 04/04 جاء بعد كارثة الحسيمة، التي كانت كارثة طبيعية، ولم يتم استيعاب خطورة المشاكل المرتبطة بالبناء حينها، لكن حالة القنيطرة لم تكن نتيجة زلزال أو أي شيء، حتى مشكلة الأرض الذي تحدثت عنها الصحافة والتي قالت إنها غير صالحة للبناء عليها احتمال غير وارد، لأن عملية البناء يمكن أن تتم على أي أرض كانت، فمثلا اليابانيون شيدوا مطارا فوق الماء، تهبط فيه طائرات وتقلع منه بدون مشاكل، فالمشكل تكمن في ما مدى وجود دراسات للمشروع قبل انطلاق أوراشه، وما مدى احترام خلاصات الدراسات. وفي ما يتعلق بمشروع قانون 04/04 فإن هناك لوبي يريد أن يبقى هذا القطاع كما كان للاستفادة من الوضع، ومن المؤاخذات على مشروع القانون هو زجر بعض المتدخلين دون آخرين، في حين ينبغي أن يشمل الزجر جميع المسؤولين الذين يتخذون قرارات كل حسب مسؤوليته. من تقصد باللوبي؟ لا أريد أن أدخل في التفاصيل، ولكن اللوبي هو الفئة التي تستفيد من الفراغ القانوني ومن غياب سياسة اللاعقاب، ولذلك فكلما بقي القانون حبيس الرفوف فإنها هي المستفيد الأول من الوضع الحالي. أما مدونة التعمير فتحتاج لبعض الوقت، لكن في انتظار صدورها ينبغي تأهيل القطاع الخاص مثل القطاع العام في مجال البناء. لكن ألا توجد مسؤولية للمهندس فيما يحدث؟ المهندس المعماري مسؤول عن التصميم الذي وضعه وملاحظة إن كان هناك خطأ في التنفيذ، ومسؤول أيضا إذا كان هو من وقع على انطلاق الأشغال وبدايتها. ويتابع مع مكتب المراقبة ويدرس التصاميم لمكتب الدراسات والمختبر ليحلل عينات من الاسمنت المسلح، ويرى إن كان هناك نقص أم لا، وفي حالة وجود خروقات في البناء يصدر أمرا بالهدم، وفي حالة إذا لم ينفذ الأمر يوجه مراسلة للإدارة يوضح فيها عدم مسؤوليته عن الورش حتى يبرأ ذمته في حالة انهيار البناء. هناك معضلة بالمغرب متربطة بالسكن وتتعلق بالمنازل الآيلة للسقوط، في رأيكم كيف يمكن أن تحل هذه المشكلة؟ هذا مشكل صعب جدا وهو مشكل اجتماعي لأن القاطنين في المدن المغربية (وعددها 32 مدينة) يعيشون أوضاعا اقتصادية صعبة، ولا توجد العصا السحرية لحل هذه المشاكل، فالمغرب بلد في طور النمو والقدرة الشرائية للمواطنين ضعيفة، غير أن الهيئة الوطنية للمهندسين سبق أن اقترحت على الدولة منح هؤلاء السكان قروض من أجل السكن بدون فائدة، وفرنسا سبق أن قامت بهذه العملية إذ منحت قروضا بدون فوائد لهذه الشريحة. وأرى أن مشكل المنازل الآيلة للسقوط ينبغي أن تعطاه الأولوية مقارنة مع دور الصفيح، لأن المنازل المهددة بالانهيار في حالة سقوطها ستؤدي إلى قتل أرواح بشرية، في حين أن سقوط سقف قصديري بمنزل صفيحي لا يؤدي إلى كارثة، وهذا لا يعني عدم الاهتمام بدور الصفيح ولكن تكون كأولوية ثانية. وسبق لجلالة الملك محمد السادس أن أشار إلى عدة مشاكل في رسالة له وجهها في اليوم الوطني للمهندس المعماري ومن بينها الدور الآيلة للسقوط. ولذلك فهذا المشكل يتطلب حلولا استعجالية لأنه كلما مر الوقت إلا والخطر يتفاقم. كلمة أخيرة... ينبغي أن تعطى الأهمية لأهل الاختصاص في أي مجال، وأن يحترم المهنيون وأن لا تبقى الهيمنة لأهل المال والنفوذ وتعود للمجتمع ثقته في المتخصصين والمهنيين وحينها يمكن أن نحاسبهم إن أخطؤو أوخالفوا القانون.