هناك حيثية في تاريخ الحركة الإسلامية المغربية تحتاج إلى مزيد من التوضيح، وعلى الرغم من أن شهادات كثيرة مرت إلا أن الوضوح الكامل فيها لم يتحقق بعد. انفصلت الجماعة الإسلامية عن الشبيبة الإسلامية، وفارقت قيادة عبد الكريم مطيع، لكن لماذا لم تتخذ الجماعة الإسلامية القرار بإعلان الانفصال عن مطيع؟ في التفسير الذي قدمه محمد يتيم في شهادته، أرجع الأمر إلى أن تصور الإخوة للمشكلة لم تكن في مسألة خط الشبيبة الفكري واختيارها التنظيمي (السرية)، وإنما كانت كل المشكلة منصبة حول القيادة والمخاطب وتحديد المسؤوليات، ولذلك فبمجرد ما اتخذت الجماعة الإسلامية قرارا بجعل القيادة جماعية انتفت المشكلة، ولم يعد الأمر يستدعي الإعلان عن الانفصال. نفهم من تفسير محمد يتيم أنه كانت هناك حاجة لاستئناف عمل الشبيبة بنفس توجهها الفكري وخطها التنظيمي شرط أن تنتفي العوائق التنظيمية. بهذا المنطق، يصبح الحديث عن المراجعات الفكرية قبل سنة 1982 مجرد مزاعم عارية من الإثبات التاريخي ما دام الأمر قد حسم تنظيميا ولم تعد هناك أي مشكلة بعد تشكيل اللجنة الوطنية وانتخاب رئيس الحركة. لكن هل يصح هذا التفسير؟ لا يمكن أن نقبل بهذا التفسير بكل إطلاقه لأنه يغيب الطرف الثاني من المعادلة. شهادة الأستاذ رشيد حازم ربما تزيل هذا الإشكال، فالرجل يكشف في حواره عن الخلاف الذي اشتد وبقوة داخل اللجنة الوطنية حول اختيار السرية أو العلنية، وحول قضية إعلان الانفصال عن مطيع. فالأستاذ عبد الإله بن كيران وعبد الله بها حسب شهادة رشيد حازم كانا يدعوان إلى الإعلان الرسمي عن الانفصال عن مطيع، وانتهاج العمل الشرعي القانوني، بينما كان الرأي الغالب هو للسرية واستئناف العمل على نسق الشبيبة الإسلامية. حصيلة الشهادة أن الجماعة لم تدشن مراجعات لفكر الشبيبة الإسلامية، وإنما الذي دشنها أفراد كان على رأسهم عبد الإله بن كيران وعبد الله بها، ثم توالت الأحداث والمحطات وقوت من مواقع هذا الطرح بعد أن كان وضعه التنظيمي ضعيفا. كيف تمت الأمور إذن؟ بعد أن اتفق الإخوة سنة 1980 على مفارقة مطيع انقسم رأي الإخوة إلى فريقين - فريق يرى أن مشكلة الشبيبة الإسلامية متلخصة في تحديد المسؤوليات التنظيمية وتوحيد المخاطب، وقد رأى أنصار هذا التوجه أن تشكيل اللجنة الوطنية قد حل المشكلة تماما، وأنه بعد انتخاب رئيس الحركة ستغيب كل الملاحظات التي كانت على الشبيبة الإسلامية زمن مطيع. -وفريق ثان كان يرى أن الأمر لا يتعلق فقط بمفاصلة شخص ووضع تراتبية تنظيمية، وإنما تتعلق بضرورة إحداث مراجعة شاملة على مستوى التصور والاختيار التنظيمي ومنهجية العمل. حسم النقاش في نهاية المطاف لصالح الرأي الأول، وصار الوزن التنظيمي لأصحاب الرأي الأول ضعيفا، بل وصل الأمر إلى تجميد نشاط عبد الإله بن كيران، ثم تقوى بعد ذلك مواقع الرأي الثاني، فما الذي دفع الإخوة جميعا إلى العدول كلية عن العمل السري؟ وما الذي جعل بن كيران يأخذ المبادرة؟ أسئلة نناقشها في عدد الغد.