هل تكرار حوادث انهيار العمارات بفاس، عتيقها وحديثها، جعل مسؤولينا يتآلفون مع هذه الظاهرة ويتعايشون معها؟ أذكر هذا التساؤل وأنا أسمع بالقناة الثانية تصريح رئيس مقاطعة المرينيين التي تنتمي إليها العمارة المنهارة، وهو يحمل الزمن مسؤولية فقدان سبعة أرواح وجرح عدد مماثل. فهو قد حدد عمر العمارة في ستة عقود، وهذا شيء غير دقيق، إذ أن المنطقة كانت في الأربعينات من القرن الماضي عبارة عن مقالع لا يمتد إليها العمران الحضري. واسنتتج أن ضحايا فاس العتيقة هم أكثر من ضحايا مقاطعته. وهذا غير صحيح أيضاً، إذ يكفي تذكير الرئيس بأن الحي الحسني المجاور قد شهد سنة 1998 سقوط 17 ضحية، وفي السنة الموالية 47 قتيلاً، بالإضافة إلى مقاول قتل نهاية شهر دجنبر 1999 على يد عون سلطة بحي التقدم-الأمل على خلفية ارتشاء مرتبط بالبناء العشوائي، وضحايا آخرين بعمارة سقطت بالحي الجديد بزواغة وهي في طور البناء يوم 19 شتنبر .1999 أما ضحايا فاس العتيقة، فهم أقل من أرقام فاس الشمالية في نفس الفترة. فهذه مفارقة غريبة أن تكون فاس العتيقة أكثر صموداً في وجه الانهيار من فاس المعاصرة. عدم جدية خطاب رئيس مقاطعة المرينيين تأتي كذلك من كون هذا المسؤول تحمل مسؤولية النائب الأول لرئيس جماعة زواغة ما بين ,20031997 وأن حزبه قد تحمل وزر تدبير هده الجماعة من دون انقطاع منذ أن أنشئت سنة ,1992 فضلاً عن أنه يسير حالياً مجلس جماعة فاس بميزانية تصل إلى 40 مليار سنتيم (ميزانية سنوية وقروض). لقد كان على رئيس المقاطعة في تصريحه التلفزي أن يقدم بالأرقام والبيانات الجهد المالي المبذول للحد من ظاهرة الانهيارات. لذلك لم نر بأساً من منح هذا المسؤول فرصة الاستدراك، حيث أخبرنا عند سؤالنا له عقب تصريحه التلفزي أن وزارة الإسكان قد رصدت لمقاطعته ميزانية 9 ملايين درهم لذات الغرض. وأن الغلاف المالي الذي قد يكون أنفق في الحد من الانهيارات ما بين 2003/1997 يتعدى المليار سنتيماً. لكن لم يمنحنا بيانات كتابية، ووعد بذلك فيما بعد. ألم يحن الأوان إذن إلى أن يبتعد البناء عن الاستثمار الانتخابي والتساهل المسطري وضعف زجرية القانون وإغماض العين؟. بأي وجه سيلاقي بعض مسؤولينا ضحايا الانهيارات يوم الحساب الأخروي؟. ألا يمكن تطوير صيغ تضامنية أكثر واقعية ونزاهة لحل إشكالية السكن غير اللائق، علماً بأن القدرات الادخارية المحدودية للشرائح الاجتماعية الضعيفة تدفعها إلى السكن في منازل آيلة للسقوط في كل لحظة وحين؟. ليكن لنا في الوضعيات السوسيو-ثقافية لضحايا حي ابن زاكور كما تم إبرازها أعلاه، خير حافز لمضاعفة الجهود، كل في مجال اختصاصه، ولتأديب سماسرة البناء العشوائي الحاط بكرامة الإنسان في الحياة وبعد الممات. ملاحظة أخيرة لا بد من إبرازها بصدد الانهيارات ومحاولات الإنقاذ، ذلك أن رجال الوقاية المدنية ضباطاً وجنوداً يعرضون حياتهم للخطر مع غياب أو ضعف التأمينات اللازمة. فعلى المجتمع إذن بشقه السياسي والمدني أن يكرم هؤلاء الأبطال الذين يمنحون أكثر مما يأخذون. الدكتور سعيد سامي