لم يكن متوقعا من بلد يؤمن بمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الأقليات أن يسمح بظهور تلك الرعونة المخزية، ويتم التهجم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وتصويره بشكل يدعو إلى الاستهجان، لم يكن يتصور من بلد يحترم الأديان أن تبلغ به الرداءة إلى درجة الجرأة على هذا النبي العظيم، الذي كان عنوانا للأخلاق والتسامح والحوار والتعامل الإنساني. ولم يكن متصورا أن تبلغ الرعونة منتهاها حينما رفضت السلطات الدانماركية في البدء الاستجابة لنداء الجاليات المسلمة الداعية لإيقاف هذا العبث الذي يفسد الود بين الشعوب، وينتهك الحقوق والشعائر التي تدين بها فئات معتبرة داخل النسيج الدانماركي. لقد تعاملت السلطات الدانماركية مع نداءات المسلمين باستهتار كبير، وتولت كبرها بتبرير مثل هذا السلوك بدعوى احترام حرية التعبير. لم يكن المسلمون المغتربون في الدانمارك وفي النرويج حينها يملكون في أحسن الأحوال سوى الاستنكار الذي يفرضه أضعف الإيمان، لكن القضية ليست قضية مسلمي الدانمارك أو النرويج، إنها قضية كل المسلمين الذين هبوا من كل فج عميق لنصرة هذا النبي والدفاع عنه. لقد كانت الهبة في مستوى تعلق هذه الأمة بنبيها، وأبانت بعض الدول العربية كالسعودية وقطر وليبيا عن غيرتها ونصرتها لهذا الرسول الكريم، فأقدمت على خطوات دبلوماسية كانت في مستوى الحدث، وتداعت الجماهير العربية المسلمة معلنة نصرتها لهذا الرسول بوسائل المواجهة الحقيقية. مقاطعة اقتصادية لمنتجات هذه الدول التي لا تحترم قيم المسلمين وشعائرهم وتاريخهم وقدوتهم وأسوتهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم. حين أحست هذه الدول أن سلاح النصرة أمضى وأقوى ، وأدركت أن المسلمين يعرفون الأسلوب الحقيقي للمواجهة، قام خبراء الاقتصاد في هذه الدول يحذرون من النكسة الاقتصادية المرتقبة، وينصحون بالمبادرة للاعتذار. بعض حكومات المسلمين لم تكترث بهذا الهجوم السافر على أحد الثوابت الرئيسة في ديننا، ولم تصدر أي بيان شجب أو استنكار، ولا مجرد التصريح بالقلق من مثل هذه السلوكات الفجة التي لا تحترم الأعراف الدبلوماسية القاضية باحترام الأديان والرسل. برودة قاتلة تسكن مثل هذه المواقف، وكأن الرسول الكريم لا يستحق من حكوماتنا أي تقدير وأي نصرة، فما يضير بلدنا لو أعلنت حكومتنا سخطها واستنكارها الشديد من هذا السلوك الأرعن الذي أقدمت عليه حكومة الدانمارك؟ وهل نكون أقل وفاء ورعاية لحقوق المصطفى من بعض الدول العربية التي انخرطت بقوة في نصرة رسولنا الكريم؟ لحظة تاريخية تستدعي أن نعبئ طاقاتنا، ونعلن تمسكنا بثوابتنا ونصرتنا لديننا. لحظة تاريخية تجعلنا واعين بقدرتنا على تلقين الدرس لكل من سولت له نفسه المساس بهذا الرسول الكريم. نحن المسلمين نملك أكبر قوة، ونملك أكبر ذخيرة تجعلنا نواجه بأسلوب العصر، نوجه فيه رأينا العام العربي الإسلامي لمقاطعة كل من لا يحترم ديننا، ومناهضة كل من يتهجم على نبينا. حينما نكون قادرين على تفعيل هذا السلوك ونهج هذا الأسلوب، لن يجرؤ الآخرون على استهداف ديننا واستهداف نبينا، إنهم إن فعلوا حينها يرتكبون حماقة كبرى لن يستفيقوا منها حتى يروا اقتصادهم يجر خيبات الأمل، وسلعهم تتراكم على مراسيهم ولا تجد من يأخذها منهم. لن نقبل بالاعتذار، ولن نقبل بأقل من تلقين الدرس حتى لا يجترئ المجترئون بعد ذلك. لن يكون ديننا ورسولنا الثوب الذي يمسح فيه كل أحد قاذوراته، ولن تكون شعوبنا بالتي ترضى بأن تداس حرماتها وشعائر دينها بتلك الرداءة المخزية. سيكون مفيدا أن نلقن كل من سولت له نفسه سب الرسول صلى الله عليه وسلم والتعريض به الدرس البليغ الذي يكلفه الكثير من خزينة مال الدولة، فالقوم لا يحسون بالأذى إلا إذا تضاءلت مداخيلهم، فحينها لا شك يستدعون خبراءهم لتحليل الوضعية، وحينها لا شك يعتذرون، وحينها فقط لا يجب أن نقبل الاعتذار. نبينا هو أسوتنا وقدوتنا، وهو المنارة والهدى، وهو الذي قاد هذه الأمة إلى مراشد الخير، وهو الذي أعطى للإنسانية جمعاء معاني الأخوة والإحسان والتسامح والحوار والتعارف بين الشعوب، وهو الذي أرسى قيم العدل، أفلا يستحق منا أن نهب لنصرته والدفاع عنه؟. صرخة قوية ينبغي أن تصدر من بلاد السيرة النبوية، من بلاد حفظ أبناؤها عبر الأجيال كتاب الشفا في التعريف بحقوق المصطفى من بلاد نبغت في المديح النبوي، وبرزت في الشمائل، صرخة قوية ينبغي أن تصدر من بلاد المغرب الأقصى وفاء لهذا النبي الكريم، وتعظيما لقدره. صرخة كبرى ومقاطعة اقتصادية لكل من صدر منه اللؤم في حق هذا الرسول الكريم. أقل الواجب يا علماءنا أن تهبوا للنصرة، وأقل الواجب يا حكومتنا أن تكوني في مستوى الحدث، ومستوى التعلق بهذا الرسول الكريم. شعبنا المسلم ينتظر منكم النصرة فلبوا النداء وقوموا صفا واحدا للدفاع عن نبيكم الكريم صلى الله عليه وسلم.