نجاة 32 شخصا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان    حافلة "ألزا" تدهس شابًا وتُنهي حياته بطنجة    الداخلية الإسبانية تكشف عدد المهاجرين الذين تسللوا إلى سبتة منذ بداية 2024    "حماس": شروط إسرائيلية جديدة تؤجل التوصل لاتفاق بغزة    المغرب التطواني يكشف حقائق مغيبة عن الجمهور    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    الحصيلة السنوية للأمن الوطني: أرقام حول الرعاية الاجتماعية والصحية لأسرة الأمن الوطني            بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    بعد تتويجه بطلا للشتاء.. نهضة بركان بالمحمدية لإنهاء الشطر الأول بطريقة مثالية    الوداد يطرح تذاكر مباراته أمام المغرب الفاسي        التوحيد والإصلاح: نثمن تعديل المدونة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي        الرباط: المنظمة العربية للطيران المدني تعقد اجتماعات مكتبها التنفيذي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    قياس استهلاك الأجهزة المنزلية يتيح خفض فاتورة الكهرباء    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    ونجح الاتحاد في جمع كل الاشتراكيين! .. اِشهدْ يا وطن، اِشهدْ يا عالم    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبَسات من نور الذكر الحكيم- بقلم العلامة عبد الهادي بوطالب -24
نشر في التجديد يوم 17 - 01 - 2006

يتابع الدكتور عبد الهادي بوطالب خواطر في تفسير القرآن الكريم ، من خلال قراءاته المتوالية طيلة سنوات للقرآن الكريم بقلب مؤمن وفكر منفتح على فهم جديد لبعض آياته. وهو في اجتهاداته العلمية في تفسير القرآن العظيم، يتحلى بأدب المجتهد ويقول: وأتمنى أن أكون فيها مصيبا يثيبني الله عليها أجرين، أو مخطئا يعطيني الله على خطأي إن شاء أجر المخطئ. وأود أن أنبه إلى أن اجتهاداتي ليست منقولة من كتاب مرجعي أو أني قرأتها أو سمعتها من مرجعية متضلعة في علم التفسير، وإنما هي من فهمي الخاص. لكني مطمئن إلى أنها لا تتنافى مع تفسيرات العلماء السابقين، وأنها مجرد قيمة مضافة إلى عطائهم السخي رحمهم الله وأُثابهم، وأرجو أن يستفيد منها كل من يرغب في الغرْف من ينابيع القرآن الكريم.
{كما أرسلنا فيكم رسولا يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون. يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون. ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون. إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جُناح عليه أن يطَّوَّف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكرٌ عليم}.
هذه سبع آيات تبدأ أولاها بمتابعة ذكر سلسلة النعم التي أنعم الله بها على من استجابوا لدعوة الرسول بدخولهم الإسلام: وجاءت الإشارة إلى ذلك في عبارة كما : أي بالإضافة إلى النعم السابقة التي جاء ذكرها في الآيات الأخرى، وبعد أن قال سبحانه في آخر آية منها: {ولأتمّ نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون} استأنف الله عطفا على ما سلف ذكر النعم بذكر نعمة خاصة هي بعثة {رسول فيكم ليتلو عليكم آياتنا}. فالقرآن ليس قرآن محمد كما يقول خصوم الإسلام ومنكرو الوحي، ومحمد ليس فقط واحدا من مفكري العرب وضع القرآن من عمل فكره، كما يقول بعض المستشرقين. بل هو رسول مبعوث من الله لا يتلو عليكم كتابه ولكن آيات الله التي ليس له فيها إلا التبليغ الصادق : (إن عليك إلا البلاغ). وهو نبيء وكل رسول نبيء. أما النبي فليس رسولا إلا إذا تلقى الرسالة من الله بالوحي. ورسالة هذا النبيء الرسول رسالة تزكية النفوس وتطهيرها من أدْران الشرك والوثنية، ونقلة نوعية إلى عقيدة التوحيد. والرسول هو المعلم الأكبر الذي تعلم في مدرسة الله مربيه وراعيه وقال عن ربه أدبني ربي فأحسن تأديبي. أما التعاليم التي جاء بها (عليه السلام) فهي تطهير للعالم من جهل
الجاهلية وجهالتها. وفي كل بقعة من العالم كانت توجد جاهلية. وعلى ذلك توجه الله إلى عباده، قائلا : {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}: اذكروا نعمتي عليكم وإن تذكروني أذكركم، وأحطْكم برعايتي، وأغمركم بوفير نعمتي دينا ودنيا. وزاد الله قائلا : {واشكروا لي ولا تكفرون}: لا تكفروا بي ولا تجحدوا نعمتي عليكم، وكلما شكرتموني زدتكم من نعمي، فشكركم لا يضيع: {لئن شكرتم لأزيدنكم} (سورة إبراهيم/الآية 7). وورد هذا المعتى بصيغ مختلفة في أحاديث نبوية منها : احمد الله يزدك من فضله. اذكروني أيها المؤمنون بالطاعة أذكركم بالثواب وحسن الجزاء.
وأفرد الله الآية الثالثة للحديث عن أم العبادات: (الصلاة)، وأم الفضائل : فضيلة الصبر فقال سبحانه : {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين}. ما أجمل هذا التعبير !: الصلاة التي كان يقول المنافقون عنها إنها عسيرة وشاقة عليهم لما تأخذه كل يوم من وقت الإنسان، هذه الصلاة هي التي جعل منها القرآن وسيلة للاستعانة بها على كل شاق وعسير. مثلها مثل الصبر الذي كثيرا ما يكون تحمُّله صعبا، خاصة بالنسبة لمن أصيب بخطْبٍ جَلل. لكن الله جعل منه وسيلة للتغلب على الصعاب ومواجهة الخطوب. والصلاة تُكيّف المصلي الذي يرزقه الله الخشوع أثناء أدائها فتجعله يعيش في لذة الطمأنينة، ويرتاح لها، أي يجد فيها راحته : ولا تشقُّ الصلاةُ إلا على قلب منافق. أما المؤمنون الموقنون فالصلاة تقرّبهم إلى الله وتفتح لهم آفاقا واسعة لذكر الله، أي استحضاره في أعماق نفوسهم، والتفكير في خلْقه وملكوته فيزيدون بذلك إيمانا.
وكان النبي عندما يريد أن يقول لبلال المؤذن أذن لصلاة العشاء، يختار لذلك تعبيرا جميلا ويقول أرحْنا بها يا بلال. وموعد العشاء هو الليل، أي أن موعدها يتميز عن مواعيد الصلوات الأخرى بوقوعه في موعد صعب عندما يُسدِل الليل ظلامَه، لكن التوجه إلى الله بصلاة العشاء يبذر في قلب المؤمن في آخر يومه وقبل نومه الراحة والطمأنينة، ويجعل من صلاة العشاء صلاة راحة: وقرْن الصلاة بالصبر (بعطف الصلاة على الصبر) يشير إلى أن كلا منهما إن بدا صعبا فعاقبته إلى خير. وعن الصبر بهذا المعنى قال الشاعر العربي:
الصَّبر كالصِّبْر مُرٌّ في مذاقَته
لكنْ حلاوتُه أحلى من العسل
وقد حث الله المؤمنين في عدة آيات من الذكر الحكيم على التسلح بالصبر في مواجهة الخطوب والمصائب. وفي هذه الآية أمر الله عباده أن يستعينوا بالصبر والصلاة. وأكمل الآية بقوله : {إن الله مع الصابرين}، أي يُسندهم ويقوّيهم ويغلّبهم على المصائب والصعاب، وهو دائما معهم. وهذا يشير إلى أن الصبر إحدى درجات الإيمان العليا، حيث أن فئة المؤمنين الصابرين تجد الله معها يعطيها من فضله على قدر صبرها ومصابرتها. ودرجة المُصابرة أقوى درجات الصبر. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} (سورة آل عمران/الآية 200). أي ادخلوا في صراع مع الصبر حتى تصبحوا متحكمين فيه، وتغلبوه ولا يغلبكم. وتوجه الله في عدة آيات إلى نبيه يأمره بالصبر كلما اشتدت عليه البلوى : بلوى الاختبار. وطلب الله منه في بعض الآيات أن يقتدي ويتأسّى بالرسل والأنبياء الصابرين الذين جاءوا قبله وصبروا على الأذى فقال : {فاصبرْ كما صبر أولو العزْم من الرسل} (سورة الأحقاف/الآية 35).
وجاء في هذه الآيات أن الله يبتلي بعض عباده بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. وعلى المؤمنين المبتلَيْن بذلك وما يشبهه اختبارا من الله لهم أن يقولوا : {إنا لله وإنا إليه راجعون}. {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} (سورة البقرة/الآية 156). فبفهم المؤمنين هذه الآية حق فهمها تهون عليهم المصائب، ويتقبلون بصبر ابتلاء الله لهم، ويتذكرون أن الإنسان فوق هذه الأرض إنما هو وديعة أودعها الله الحياة والأرض لأجل مسمى لا يعلمه إلا هو، ويستردُّها إليه في الأجل الموعود، والوقت المحدود: {لا يستأخرون ساعة (عن أجلهم) ولا يستقدمون} دقيقة واحدة. بل أمور عباده تجري على قَدَر الله ولا رادّ لقضائه وقدره. وعلى ذلك ينبغي أن نقرأ هذه الآية وأن نفهمها حق فهمها لنستنتج منها أنه لا ينفع في تحمل المصيبة إلا الصبر عليها. وإذا فهمنا ذلك صبرنا. وإن لم نفهم ذلك أصِبْنا بالقُنوط واليأس واستعظام المصائب، بينما هي هيّنة لأن الحياة كلها مختصرة في لحظات. أما الدار الأخرى التي نعود إليها فهي أدوم وأبقى: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهوٌ ولعب، وإن الدار الآخرة لهي
الحيوان (الحياة الحق) (أو الحياة التي لا موت فيها) لو كانوا يعلمون} (سورة العنكبوت/ الآية 64).
الآية السابعة هي قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} إلى قوله تعالى : {ومن تطوّع خيرا فإن الله شاكرٌ عليم}. وجاءت هذه الآية بعد آيات ذكَر الله فيها رفْعه مقام الكعبة (البيت الحرام) بجعلها قبلة المسلمين. وتنص هذه الآية على فضل جبلي الصفا والمروة وهما أيضا بمكة المكرمة، حيث جعل الله منهما منسِكيْن للحج مع بقية المناسك الأخرى: يسعى الحاجّ بينهما سبع مرات أو سبعة أشواط. وهو يسبّح الله ويدعوه ويتضرع إليه.
وردا على من قال من معارضي رسالة الإسلام إن الدين الجديد إنما ثبّت بفرض هذه الشعيرة ما كان يجري في الجاهلية قال الله عن الصفا والمروة إنهما من شعائر الله: أي أنهما ضمن الشريعة التي نزلت على النبي الكريم، وليست من أعمال الجاهلية. ولا حَرَج على المسلم في أداء هاتين الشعيرتيْن على الشكل الذي جاء به الإسلام، يسعى بين الجبليْن موحدا الله لا يشرك به شيئا لا كما كان يفعل الوثنيون المشركون.
*****
{ويزكّيكم}: ينمّي قدراتكم، ويكثر أعمالكم، ويطهركم من الإثم والمعصية والضلال، ويرزقكم العفة وطهارة الضمير.
وتفيد كلمة زكّي يزكّي معنى التنمية: فالمسلمون بدءوا قلة عددية وتناموا عبر العالم. وهم يؤلفون اليوم ما يناهز مليارا ونصفا من البشر. وهم يحملون رسالة الطهارة والنماء الروحي. فما جاء به الإسلام من تعاليم كلها فضائل وأخلاقيات تنمي الروح، وترتفع بالإنسان المسلم إلى أعلى الدرجات، وتجعل منه قدوة للبشر ليستقيموا على الطريقة المثلى.
والزكاة التي فرضها الله على القادرين عليها تحدث الله عنها في القرآن وربط بين مفهومها ومفهوم التنمية والطهارة، فقال سبحانه مخاطبا نَبيّه : {خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتُزكّيهم بها} (سورة التوبة/الآية 102).
الكتاب والحكمة : فسر بعض المفسرين الكتاب بأنه القرآن. والحكمة بالسنة. ولا أميل إلى هذا التفسير، لأن الحكمة جاءت في القرآن والسنة معا وطفحا بها. وما أكثر ما فيهما من عِظاتٍ وأحكام وعلوم وحكمة! والحكمة مَلَكة يكتسبها الإنسان فيصبح بها قادرا على وضع الأمور في مواضعها، وعلى وزن الأشياء بموازينها الصحيحة. ورأس الحكمة مخافة الله.
ولعل المراد أن رسالة الإسلام جاءت بالتعليم ورفع الجهل ومحو الأمية: أليس أن أول آية نزلت من الكتاب هي: آية {اقرأ باسم ربك الذي خلق} (سورة العلق). وجاءت تزكي النفس وتطهرها من عبادة الأوثان والخرافات والجاهلية الجهلاء وتتمّم مكارم الأخلاق، وتُشيع العلم والحكمة في الأجيال المسلمة الحاضرة في عصر البعثة والأجيال اللاحقة بهم إلى يوم الدين. ومن الإسلام مدرسة القراءة والكتابة والتعلم والهدي والتنوير تخرّج الجيل الرائد الذي أشاع في الأمبراطوريات التي اعتنقت الإسلام رسالة العلم والحكمة.
*****
{ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات، بل أحياء}: هذا إخبار من الله إلى الرسول والمؤمنين بغيب جليل وجّه الله به الفئة القليلة المسلمة التي دخلت الإسلام منذ البعثة النبوية بمكة إلى مرحلة الهجرة إلى المدينة وقال لهم سبحانه : استعدّوا فإنكم ستدخلون في مرحلة جهاد صعب يسقط فيه منكم شهداء وليسوا أمواتا، بل هم أحياء ولكن لا تشعرون. وقد وصفهم الله في آية أخرى بأنهم {أحياء عند ربهم يُرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ويَسْتبْشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (سورة آل عمران/الآيات 169 و170 و 171).
ولعبد الله بن عباس رأي آخر في سبب نزول هذه الآية. فقد رُوي عنه أنه قال : سبب نزولها أنهم كانوا يقولون عن قتلى بدر وأحُد : مات فلان ببدر، ومات فلان بأحُد فنهى الله عن وصف الشهداء بالأموات. وقال سبحانه : {ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون}.
*****
{ولَنبلُونّكم بشيء من الخوف} الآية : هذا إخبار بغيب آخر مفاده أن الله سيبلو المؤمنين في الدنيا بأنواع من البلوى اختبارا لهم ولقدرتهم على بذل النفس في سبيل الله، وتحمل التضحيات، والصبر والرضى بقدر الله وقضائه.
والدنيا الفانية هي على خلاف الدنيا الأخرى الباقية التي لا يبتلي فيها الله عباده، بل يخلدهم في النعيم المقيم، لا ينتابهم الخوف ولا يشكون من المرض ومن الجوع ولا من نقص فيما رزقهم الله من الخيرات، وليس عليهم فيها لا خوفٌ ولا هم يحزنون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.