بعدما أكد الشيخ محمد السحابي على ضرورة تقديم الأمر بالمعروف عن النهي عن المنكر، يؤكد أنه لابد للفقيه والعالم أن لا يتكلم في أية واقعة إلا بعد أن يحيط بأسبابها، لأن كل ما نقل إعلاميا عن أحداث 16 ماي2003, هو أنها استهدفت إحدى الفنادق والمقابر اليهودية وخلقت أكثر من أربعين قتيلا. ويتعجب الشيخ السحابي من استهداف هذه المقابر ويقول: يقال إن أصحاب هذه الأحداث ذهبوا إلى مقبرة لليهود، ولا أدري ما يريدون، هل يريدون أن يقتلوا الأموات؟، وفي أي كتاب سماوي أو وضعي يؤمر بهذا الفعل؟، وأنا أتعجب من هذا الفعل، لأن الأموات تحت الأرض، وحتى إن كان هؤلاء يستهدفون الأحياء، الذين يزورون هذه المقابر للترحم على موتاهم فهم براء من كل اعتداء، وأعتبر هذا الفعل الشنيع سفاهة، بل هو سفاهة بكل معاني السفاهة، والإنسان يتعجب كيف وقعت هذه الأحداث وما الغاية من ورائها، والله أعلم بكل ذلك. وكل ما حدث لا يدخل في خانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا هو من الدعوة في شيء، والإسلام بريء من هذه الأشياء، وأهل الإسلام مبرؤون من مثل هذه الجرائم الشنيعة التي وقعت بالمغرب، وربما تقع ووقعت في بلدان أخرى. توقيف الدروس العلمية عندما وقعت الأحداث، كان الشيخ السحابي يفسر القرآن العظيم بجمعية الشيخ أبي شعيب الدكالي بسلا، ويلقي دروسا عامة كل يوم أربعاء، ويحضرها أكثر من ثلاثمائة فرد تمتلئ بهم جنبات الجمعية، ويتناوب على إلقائها الشيخ السحابي والشيخ سي يحيى والسي عبد الله البخاري، فقرروا توقيف الدروس العامة والاكتفاء بتدريس القرآن فقط، يقول الشيخ السحابي: لما وقعت الأحداث أوقفنا الدروس العامة، ولم يأمرنا أحد بذلك، وذلك خشية أن تستغل جهة من الجهات الجمع، الذي يحضر اللقاءات العلمية، واقتصرنا على تدريس القرآن وعلومه، وقد حدثت تغيرات كبيرة تأثرت بها بعض حركات الدعوة السلمية، وقد سبق أن قلنا إن مثل هذه الأحداث تصيب الصالح والطالح وتصيب كل شيء، رغم أن الناس كانوا ينتفعون من الدروس العامة. في ضيافة رجال الأمن وعقب الأحداث قامت الجهات المسؤولة بأخذ الشباب المتدين لمقرات الأمن للتحقيق معهم حول الأحداث، ولم يسلم الشيخ السحابي من تبعات هذه الحملة، إذ اقتحم ما يناهز ثلاثين فردا بيته بسلا، ويحكي عن تفاصيل هذه الواقعة ويقول: دق رجال الأمن الباب بعنف، وقالت لهم إحدى بناتي: لما تدقون الباب بهذه القوة؟ لكن رجال الأمن لم يردوا عليها وبادروها بالسؤال:أين الشيخ السحابي؟ فخرجتُ إليهم، يقول الشيخ السحابي، وقالوا لي بأدب: نريد أن نفتش مكتبتك الخاصة؟ ولما دخلوا إلى المكتبة، قال لي بعضهم: أين مؤلفاتك التي ألفتها بنفسك، وكان بصري وقتها ضعيفا، ومما أخذوا من المكتبة، حسب ما قالت لي ابنتي، بعض الدروس الشاطبية ومريد الظمآن وكتاب التعريف في اختلاف الرواة عن نافع، وبعض الأشرطة، كما أخذوا بعض المقالات الأخرى، وفي الحقيقة لم أعرف ما أخذوا وما تركوا، وطلبوا مني أن أصاحبهم إلى مقر الأمن، وكتبوا محضرا يحتوي على معلومات خاصة بي وبعض المدارس التي درست بها. وقلتُ لهم: لقد مرت عشرين سنة وكنت قد أخبرت مصالح الأمن بهذه المعلومات! وقالوا لي: إنها إجراءات إدارية لابد منها. فقلت لهم مازحا: ربما يفوتني منها شيء فتقولوا إن الشيخ السحابي يكذب علينا. وتعالت ضحكات الشيخ السحابي، وهو يداعب بيده اليمنى لحيته المشوبة ببياض، ويتابع: وقالوا لي : معاذ الله. ويذكر الشيخ السحابي أن الذي كان يكتب التقرير رجل ذو سلوك طيب، والناس يذكرونه بخير، كما أن سمعته طيبة، يقول الشيخ: أنا لا أجامل أحدا، ولكن أقول ما لهم وما عليهم، ومن جملة ما سألني عنه: أنت تقول إن على المسلمين أن يوحدوا صيامهم؟ وأجابته: هذا مذهب الإمام مالك رحمه الله، وآتيت له بنصوص لفقهاء المالكية، بل إنه قد حكى ابن عبد البر رحمه الله الإجماع عليه، وذكر في أن طرفي المعمورة لا يبلغ الخبر فيهما إلا بعد شهر، فلا فائدة فيه، بخلاف الأماكن التي يصل الخبر فيها قبل انسلاخ الشهر، فإنها محل الاعتبار..، وقد ربط التوحيد بوصول خبر الرؤية، والإعلام اليوم يحقق هذا الغرض، وكذلك قال ابن رشد صاحب بداية المجتهد ونهاية المقتصد، والشيخ خليل:وعم إن نقل بهما عنهما ، أي: عم جميع الأقطار إذا نقل بعدلين عن عدلين، فإذا رؤي وثبت الهلال في مكان ما فإن هذه الرؤية تعم. وكتب هذا، والله أعلم بما كتب، وكتب معلومات مختصرة عن حياتي، وذهبوا بي إلى جهة أخرى، وأعادوا معي مثل السابق.وفي الحقيقة، فقد عاملوني معاملة طيبة، وقالوا لي: هل تعرف الشخص، الذي أتى إليك بعد قليل؟ قلت:لا أعرف! قالوا: إنه المسؤول الأول بالمقر الأمني، وقد أوصانا بك خيرا، ومما نقلوا لي أنه قال: إن الشيخ السحابي عالم من علماء المغرب، فاعتنوا به وخففوا الإجراءات الإدارية ليعود إلى أولاده.