قبل أيام تحدث الرئيس الأمريكي جورج بوش عن الصعوبة التي تواجهها بلاده في تحسين صورتها في العالم العربي بسبب الآلة الدعائية المضادة التي تروج الأكاذيب بحق سياسات الولاياتالمتحدة، وعلى رأسها أن ما يجري في العراق هو حرب ضد الدين الإسلامي. من المؤكد أننا إزاء تصريحات مثيرة للسخرية، تماماً كما هو حال مسلسل من التصريحات المشابهة التي يدلي بها الرئيس الأمريكي بين حين وآخر، من لون إعلانه أن الرب هو الذي أمره بشن الحرب على العراق وأفغانستان، فضلاً عن المواقف التي لا تقل إثارة للسخرية، وربما الرعب أيضاً، من لون تهديده بقصف الجزيرة. لم تكن هذه المرة هي الأولى التي يشكو فيها بوش وأركان إدارته من الإعلام العربي، وبخاصة من قناة الجزيرة، لكن تجنبه ذكر الفضائية القطرية هذه المرة بالاسم، إنما يأتي على خلفية تصريحاته الخاصة بقصفها التي افتضحت عن طريق صحيفة الديلي ميرور. لا يعرف بالطبع ما إذا كان بوش مقتنع بأن الكراهية التي يتمتع بها هو وإدارته في العالم العربي ومعه العالم الإسلامي (هل ثمة جزيرة هناك؟)، هي من نتاج الإعلام، فمثل هذا الرجل لا يستبعد عليه شيء في كل الأحوال، فمن يفكر في قصف قناة تلفزيونية من دون النظر إلى التداعيات يمكن أن يقتنع بأية فكرة مهما بلغ سخفها، لكننا نفترض أن هناك من يكتبون له كلماته ويحركون مواقفه، ومن الطبيعي أن يكونوا أكثر علماً ودراية بشؤون السياسة، ما يعني أننا إزاء محاولة للهروب من السبب الحقيقي لتدهور سمعة الولاياتالمتحدة في العالم العربي والإسلامي نحو سبب هامشي يتمثل في وسائل إعلام لا تكاد تجرؤ على أي شكل من أشكال التحريض، ليس ضد الولاياتالمتحدة فحسب، بل ولا حتى ضد دول أقل منها شأنا في هذا العالم. إن قراءة واعية لواقع الإعلام العربي ما زالت تؤكد أننا إزاء إعلام مهزوم هو في حقيقته نتاج أوضاع سياسية متراجعة بكل المقاييس، وإذا كانت الجزيرة قد تمردت قليلاً وغردت خارج السرب، مع أنها تراجعت في الآونة الأخيرة، فإن جحافل من الفضائيات قد تخصصت في ترويج الرؤية الأمريكية والدفاع عنها، فلماذا لا تنجح هذه الوسائل جميعاً في تحسين صورة الولاياتالمتحدة فيما تنجح محطة واحدة في تشويهها؟! جورج بوش وأركان إدارته لا يريدون الاعتراف بالحقيقة التي يعرفونها جيداً ممثلة في أن سبب كراهية الأمة الإسلامية لهم لا صلة لها بوسائل الإعلام، ولو صح أن تلك الوسائل تروج لطرف وتشوه آخر لكانت الأنظمة الرسمية العربية في منتهى الشعبية تبعاً لاحتكارها المزمن لوسائل الإعلام طوال عقود. بل إننا لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن ما يمنح الجزيرة بعض المصداقية هو عدم تورطها كما يفعل الآخرون في الترويج الفج لسياسات الأنظمة أو سياسات الولاياتالمتحدة، ولو فعلت ذلك لعزف عنها الناس حتى لو استقطبت أجمل المذيعات وأفضل الصحفيين والمراسلين. ألم يحدث ذلك مع العربية التي أنشئت خصيصاً لمنافسة الجزيرة فكان حصادها الفشل بسبب سياساتها التحريرية والصحافية المناهضة للضمير الجمعي للجماهير؟ بقي أن نقول إن موقف جماهير أمتنا من إدارة بوش والمحافظين الجدد لا يتعلق بالإعلام، ولو جندت كل وسائل إعلام الأرض لتغيير ذلك الموقف فلن تنجح ما دام دمنا يسيل على يد الجيش الأمريكي والجيش الصهيوني الذي يستخدم الأسلحة الأمريكية ويتمتع بالغطاء السياسي الأمريكي، والنتيجة أننا إزاء موقف يصنعه السلوك السياسي ولن يتغير حتى يتغير ذلك السلوك، فيما لا يبدو أنه سيتغير في المدى القريب. ترى كيف يرد المواطن العربي على اعتراف بوش بأن غزو العراق كان نتاج خطأ في المعلومات الاستخبارية، وأنه يتحمل شخصياً مسؤوليته؟