قال الدكتور أحمد الريسوني، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، إن تحديد وظيفة الدين ورسالته، يعتبر بمثابة اقرأ في الإسلام، وأضاف الريسوني، في ندوة حول تجديد الخطاب الديني، في إطار فعاليات المنتدى الوطني الثامن بكلية الآداب السويسي بالرباط، إن مقاربات تجديد الخطاب الديني متشعبة جدا، بالنظر إلى المد الإسلامي والديني، حيث الدين يسجل حضوره في كل المحافل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأكد الريسوني أن عمليات التجديد الإسلامي تتم بطريقة تجزيئية، وبدوافع متناقضة، الأمر الذي يتطلب تحديد وظيفة الدين نفسه، ورسالته في حياة الناس أولا. وحول المقاربات المتعددة، أبرز الريسوني أن هناك ثلاث مقاربات، الأولى تنظر إلى الدين على أساس أنه مشكلة دنيوية، وعبء من أجل النجاة في الآخرة، ومقتضى ذلك في النهاية، تحمل مقتضياته رغم المشقة والعسر، في حين ترى الثانية أن الدين نجاة في الآخرة والدنيا معا، لكن بشرط أن تقوم الخلافة أو الدولة الإسلامية، التي تطبق الشريعة الإسلامية في حياة الناس، والخلاصة التي يؤول أصحاب هذا الاتجاه، أن الإسلام حل مؤجل إلى الآخرة، وموقوف التنفيذ في الدنيا، وهذه الأطروحة مماثلة للأطروحة الأولى في خلاصاتها، وانتصر المحاضر للأطروحة الثالثة التي ترى أن الدين هداية ناجزة، ومن ثم فهو حل عاجل في الدنيا، ومؤجل في الآخرة، فهو ليس مشكلة ومشقة، كما أنه لا ينتظر قيام دولة أو خلافة، ورسالة الإسلام ووظيفته تتجلى في أثر الايمان على السلوك والعمل والفكر، بالاعتماد المباشر على نصوص الشرع وأدلته. وأكد الأستاذ الجامعي أن الإسلام دين هداية ونور في الدنيا، تبدأ فور الإيمان به، وتنمو بقدر العمل به، فهو دين حكمة وحلم. وأكد الريسوني أن الإسلام إذا فهمه المجدد، بما يجعل الناس متحضرين بإيمانهم، سعداء بأخلاقهم، فرحين بتعبهم، فإن الخطاب الاسلامي يستطيع أن يبني مجتمعات قوامها الرحمة والسعادة في الدنيا والآخرة. من جهة آخرى، أوضح بلال التليدي، باحث في الفكر الإسلامي، أن عملية التجديد في الخطاب الإسلامي لا بد لها من منطلقات مرجعية، تتمثل في المقتضى الفكري والعلمي، وكذا العملي والسلوكي، إضافة إلى الفني والذوقي، حيث اعتبر هذا الأخير الحلقة الأضعف. وحول دواعي ومسوغات تجديد الخطاب الديني، أوضح الباحث أن الدواعي تختلف بين من اعتبر دعوى التجديد مجرد استجابة غير طبيعية لضغوط الحداثة وإكرهاتها، وبين من ينظر إلى التجديد على أنه استجابة لضغوط الفكر المتطرف ونزقه، إلى طرح ثالث يرى أن دعوى تجديد الخطاب الإسلامي مشروع ذاتي وموضوعي، بالنظر إلى تطور الواقع وتعقده. وأبرز التليدي، أن عملية تجديد الخطاب الديني لا بد أن تنضبط إلى قواعد، تكون منطلقا في التجديد. الدكتور سمير بودينار، أستاذ العلوم السياسية بوجدة، اعتبر خطاب التجديد الديني يرتبط أكثر بخطاب المرجعية، لأن الخطاب سواء كان دينيا أو غيره، يحتاج إلى التجديد، وأكد بودينار أن وجود مرجعية موجهة للسلوك الإنساني، حقيقة ثابتة، مشيرا إلى أنه لا يتصور إنسان بدون مرجعية اعتقادية، وأكد الباحث أن الحداثة كمنظومة تنتصر للعقل، تشكل رغما عنها منظومة اعتقادية، لها منطلقات وخصائص ذاتية، تشبه كثيرا تلك التي يستند إليها الدين نفسه. وأوضح الباحث الجامعي أن الوحي كمنظومة تشريعية ترمي إلى حفظ الكليات الخمس، تواجه اليوم تحديات هائلة تقتضي إعادة طرح الأسئلة الصحيحة بهدف استنطاق الوحي، واستخراج معالم الهداية. وأثار بودينار إشكالية المعيارية في عملية التجديد الديني، والسلطة المخول لها وضع هذه المعيارية، مشيرا إلى أنه رغم السلطة غير العادية للدين على السلوك الإنساني، لا بد من الالتزام الأخلاقي كشرط محدد، يوقف عملية التجزيء حتى لا يصبح الإسلام شيئا آخر، وأكد المحاضر أن المعيارية تتمثل في ضبط منظومة القيم، بحيث أن عملية التجديد لا تتم على نحو صحيح، إلا بعد إدراك منظومة القيم، والوعي بأن هذه المنظومة متراكبة، تنتهي بقيمة مركزية، هي قيمة العدل.