لقد وقع جزء من جيش التحرير الوطني في منطقة الجنوب تحت تأثير النموذج الاشتراكي الجزائري، ومن هذا الجزء أو من تحركات الأعضاء نشأ في بداية السبعينات تنظيم صغير انفصالي ذو ميول يسارية أعلن في مؤتمر بنواكشوط في موريتانيا يوم 10 ماي 1973 ما يسمىالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب أوجبهة البوليساريو. وفي المؤتمر الثاني للجبهة أصبح مصطفى السيد والي كاتبا عاما وصار للجبهة جناح عسكري هوجيش التحرير الشعبي الصحراوي. ومن أجل فهم أعمق لمكونات البوليساريو ينبغي النظر إلى المناخ العام لسنوات السبعينات، لأنه لا يمكن فهم من هو البوليساريو جيدا منذ نشأته من دون الأخذ بعين الاعتبار لمجموع الظروف الجيوسياسية والإقليمية والإيديولوجية لتلك الحقبة. 3 - 1 عنصر في المواجهة الإيديولوجية الشاملة: كان العالم من الناحية الجيوسياسية منقسمافي تلك الحقبة إلى معسكرين بسبب ظروف الحرب الباردة، كل معسكر يريد أن يقضي على مواقف المعسكر الآخر بشتى السبل. ولم يكن السوفيات في هذه المواجهة أقل دينامية، مدعومين بحلفائهم الموضوعيين من بلدانعدم الانحياز(التي كانت تضم الدول الاشتراكية القريبة بشكل أو بآخر من موسكو) حيث كانوا يريدونتسخين هذه الحرب الباردة في العالم الثالث، وكانت استراتيجية السوفيات ترتكز على بعث أو على الأقل مساندةحركات التحرر الوطنية التي سوف تؤدي إلى خلقمناطق توتر بهدف إرهاقالعدو الغربي. ومن الناحية الإيديولوجية كان الشباب يتقلب في غمرة الأزمة السياسية الكبرى التي خلخلت قسما من العالم في نهاية الستينات وبداية السبعينات، وعندما تتاح له الفرصة كان ينظم نفسه في إطار تنظيمات راديكالية مقاتلة أو يلتحق فرادى وجماعات بصفوف تنظيمات تقاتل من أجلعالم جديد، وقد تعرض هؤلاء الشباب بسبب براءتهم وحماسهم للاستغلال بشكل كبير من طرفالمعسكرالشيوعي وحلفائه الذين وجدوا تحت أيديهم إمكانات لوجستية ودعائية كبيرة لدى تنظيمات اليسار المتطرف، خاصة في أوروبا. أما على المستوى الإقليمي فإن منطقة المغرب العربي كانت تعيش في أجواء الخلاف الهادئ بين المغرب والجزائر الذي أدى في عام 1963 إلى مواجهة عسكرية قصيرة بقيت معروفة في التاريخ بحرب الرمال. وخلال سنوات عدة من ذلك ظلت الجزائر التي تعرضت للإهانة والهزيمة من جانب المغرب تترصد الفرصة للانتقام من غريمها، وكان البلدان من الناحية الإيديولوجية ينتميان إلى معسكرين مختلفين مما يزيد من حدة المواجهة بينهما. لقد خرجت الجزائر من حرب دموية دامت عشر سنوات مكللة بهيبة المجاهدين ومعركة جبهة التحرير الوطني، وتمثل صورة العالم الثالث الناهض الواقف ضدالإمبريالية الغربية، أما المغرب فكان فخورا بانتمائه إلىالعالم الحر ويطمح لأن يكون حليفا وفيا للولايات المتحدةالأمريكيةوفرنسا، وكان يعتبر بالنسبة للسوفيات والجزائريين بمثابةطابور خامس في المغرب العربي لالعدو، فكانوا يعتقدون أنه بقليل من الجهد وبعض الوسائل يمكن أن ينزلق إلىالمعسكر التقدمي. يجب أن نضيف هنا معطيين إقليميين آخرين حتى تكون الصورة واضحة جيدا. المعطى الأول يتعلق بليبيا، إذ في الفاتح من سبتمبر 1969 دبرت لجنة من إثني عشر ضابطا منالضباط الأحرار تحت قيادة العقيد معمر القدافي انقلابا ضد الملك إدريس ونصبت في طرابلسالجمهورية العربية الليبية التي كانت متأثرة بشكل قوي بنموذج جمال عبد الناصر في مصر. وفي العام 1973 أطلق العقيد القدافيثورة ثقافية تستهدف الإسراع بالإصلاحات. وأصبحت الدولة منذ ذلك الوقت خاضعة لسلطةاللجان الشعبية الحاضرة في كل مستويات المجتمع. وبسرعة تقرب القدافي من المعسكر السوفياتي، وبدافع من نشوة الحصول على حليف ثان في المنطقة، قام هذا الأخير بتسليح ليبيا جيدا وأصبحت منذ مارس 1977 تسمىالجماهيرية(دولة الجماهير) العربية الليبية الشعبية الاشتراكية. وطيلة عقد من الزمن بدأت ليبيا تتفنن في قلب إفريقيا محددة بالخصوص كهدف لها الدول الرجعية التي كان من بينها المغرب. وفي الأخير هناك معطى آخر دولي لا يمكن إغفاله، وهو الدعم الكوبي للبوليساريو الذي لم يجر في أي لحظة إنكاره. لكن مصلحة نظام كاسترو في الصحراء الغربية قد تثير الاستغراب، غير أنه لا ينبغي نسيان أن كوبا قد اجتهدت كثيرا طيلة عقدين من الزمن لقلب استقرار إفريقيا ودعم الحركات الماركسية، وقد وجد السوفيات أنه من الأفضل إعطاء حليفهم الصغير في الكارايبي مهمة إنشاء مناطق لحرب العصابات والتمرد التي أصبحت شوكة في أقدام القوى الغربية وحلفائها المحليين، والحال أن المغرب كما سبق القول كان هو الحليف القوي الوحيد للمعسكر الغربي في منطقة شمال إفريقيا. ويجب الإشارة هنا إلى أن الكوبيين قد بدأوا في التواجد بالجزائر منذ العام 1963 حيث كانوا قد بعثوا إلى هناك بكتيبة عسكرية مجهزة بالدبابات السوفياتية الصنع من نوعتي,33 ومستشارين عسكريين وعملاء لمخابراتهم. وكان أحد أدوار هؤلاءالمستشارين هو دعم النظيمات الانفصالية التي أخذت في التحرك في الصحراء الغربية. وقد حصل في عام 1965 أن اختفى المهدي بن بركة، أحد المعارضين البارزين للحسن الثاني، ونتوفر اليوم فيما يخص اختفاء بن بركة والدعم الكوبي للبوليساريو على شهادة ذات أهمية فائقة هي شهادةخوان بيبيس أحد الزعماء الكبار السابقين في مصالح الاستعلامات الكوبية الحاصل على اللجوء السياسي بفرنسا منذ عشرين عاما، ففي كتاب صدر له حديثا كتب خوان بيبيس الذي كان موجودا في الجزائر تلك الفترة قائلا: على أي حال، ففي أعقاب ذلك الاغتيال استشاط فيديل كاستروغضبا كشأن غضباته الأخرى التي هو وحده يعرف أسرارها، وأقسم بأن يصبح المغرب أرض الانتقام(خوان بيبيس: الماغنيفيكو: 20 عاما في خدمة مخابرات كاستور. باريس. 2005)، في هذه الفترة بالذات اتخذ قرار تدريب مجموعة ستصبح سنوات قليلة فيما بعد تسمىجبهة البوليساريو، حيث يتابع بيبيس:إن التاريخ يسجل إذن أن إثنين من أقدم المنظمات المسلحة في العالم، وهما منظمة إيتا الباسكية وجبهة البوليساريو، هما من صنع كوبا، والثانية كانت من صنع تشي غيفارا شخصيا. المعطى الأخير الذي يجب أخذه بعين الاعتبار، وهو معطى مغربي خالص، أن نهاية سنوات الستينات وبداية العقد التالي تميزت بأنها كانت سنوات سوداء بالنسبة للرباط. فقد عرف نظام الحسن الثاني انزلاقا استبداديا وتم حل البرلمان، كما كتب مصطفى بوعزيز الباحث في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء: إن مرحلة 1965 1975 هي مرحلة متميزة على العديد من المستويات، لقد كانت ظروفا استثنائية حيث تم إغلاق الحقل السياسي والثقافي في ظرفية تميزت بمخاض اجتماعي عميق، وقد أصبح الشباب المتمدرس، خاصة أبناء الثانويات، رأس الحربة في تمرد أقلية الشبيبة المغربية. وفي قمة النظام حيث كان الحسن الثاني يحاول اجتثات الفساد كان البعض يعتقد بأن ساعته قد حانت، وفي يوليوز 1971 هجم بضع عشرات من الضباط وآلاف من تلاميذ المدرسة العسكرية أهرمومو على القصر الصيفي بالصخيرات وحدثت مجزرة قتل فيها نحو مائة من الضيوف وجرح نحو مائتين، أما المحاولة الثانية فحصلت في 16 غشت 1972 عندما تعرضت طائرة الملكالبوينغ لهجوم بالرصاص من طرف القناصة لدى عودتها من رحلة رسمية إلى فرنسا، ودفع الجنرال أوفقير رجل ثقة الملك الحسن الثاني حيا ته ثمنا لفشل محاولته. لقد كان المناخ السياسي متوترا بشكل خاص في المملكة المغربية في بداية سنوات السبعينات. في هذا السياق التاريخي نشأت جبهة البوليساريو في ماي .1973