إذا كان لكل شيء قصة، فإن قصة البوليساريو هي قصة المؤامرة الجزائرية على المغرب خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي، عندما كان العالم مقسما إلى قطبين كبيرين يتبع لهما لاعبون صغار في كل منطقة من العالم، وكانت الجزائر انطلاقا من ذلك تعتبر نفسها «الوصي» على الاشتراكية العربية في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، وتحاول اللعب بورقة دعم حركات التحرر العربية والإفريقية، لتجد في النهاية أن بإمكانها محاربة المغرب عبر توظيف جبهة البوليساريو الوليدة آنذاك ضمن تلك الورقة للتعمية. فالجزائر كانت تدرك جيدا بأن الجغرافيا هي السياسة، وأي بلد يريد دخول التاريخ لا بد أن يعتمد على الموقع والامتداد، وكانت تسعى لأن تكون الفاعل الرئيسي في المنطقة، ولكي تتمكن من ذلك كان لا بد من اقتطاع جزء رئيسي من تراب المغرب للحيولة دون امتداده الأفقي الذي يعطيه قدرة على التأثير في السياسة الإقليمية. وقد جاءت نشأة البوليساريو ضمن هذا المنظور. لكن بخلاف ما يعرفه الكثيرون، فإن مؤسسي البوليساريو الذين التحقوا بوطنهم المغرب يؤكدون أن جبهة البوليساريو كما هي معروفة اليوم لا علاقة لها ببوليساريو بداية السبعينيات، التي أنشأها بعض الشباب الصحراوي للمقاومة ضد الوجود الإسباني في الصحراء، إذ يتحدث هؤلاء عن«البوليساريو الأول»، الذي كان موجها أساسا إلى محاربة الاحتلال الإسباني، و«البوليساريو الثاني» الذي انحرف عن أهدافه الأولى وأصبح موجها نحو المغرب، لكن الانتقال من الأول إلى الثاني كان بمقتضى مؤامرة جزائرية دبرت في سرية مطلقة وخلفت ضحايا. نشأت جبهة البوليساريو في بدايتها كحركة ثقافية، ذات مطالب محددة تجاه الإدارة الاستعمارية الإسبانية في الأقاليم الصحراوية، التي كانت واقعة تحت احتلال مدريد. وكانت لهذه الحركة بعض المطالب مثل تعليم اللغة العربية وإدخال الإسلام في المناهج الدراسية، وهي المطالب التي تقدمت بها الجبهة في وثيقة من عشر نقاط إلى الإدارة الإسبانية بالصحراء. وأمام تزايد التوتر بين السكان والإدارة الاستعمارية قام عدد من الصحراويين بمدينة العيون بانتفاضة شعبية مطالبين برحيل المستعمر الإسباني من الصحراء، في منطقة قريبة من المدينة يطلق عليه «الزملة»، شهدت أولى الانتفاضات الشعبية للمقاومة الصحراوية في المنطقة الواقعة تحت الاحتلال الإسباني، فردت القوات الإسبانية بالرصاص الحي، مما خلف مقتل أزيد من ثلاثين شخصا، الأمر الذي أجج مشاعر العداء والكراهية تجاه الاحتلال. كانت المناطق الخاضعة لإسبانيا من الصحراء المغربية في تلك الفترة بمثابة منفى للشيوعيين واليساريين الإسبان الذين كان النظام الإسباني ينفيهم كنوع من العقاب، فكان هؤلاء يحرضون سكان الصحراء ضد إسبانيا ويحاولون تذكير شباب الصحراء بالوضعية الاستعمارية التي يخضعون لها. وإضافة إلى هذا العنصر كان هناك بعض الطلبة الصحراويين الذين يدرسون في الجامعات المغربية وينشطون داخل بعض الأحزاب اليسارية في تلك الفترة، الأمر الذي أدى إلى تنامي الوعي بضرورة تشكيل تنظيم أو جبهة لمحاربة الوجود الاستعماري الإسباني وتحرير المناطق الصحراوية. وفي شهر أبريل من عام 1973 خرج نحو ثلاثين شخصا من مدينة العيون، يمثلون مختلف الانتماءات، إلى الزويرات من أجل عقد أول مؤتمر تأسيس لجبهة البوليساريو في 28 أبريل من ذلك العام. انتخب المؤتمر الأول إبراهيم غالي أول أمين عام للجبهة، واختير اسم «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب»، وهي الكلمات التي أعطت عبارة«البوليساريو» باللغة الإسبانية. ويقول البشير الدخيل، الذي كان أحد مؤسسي الجبهة إلى جانب الوالي مصطفى السيد، الذي قتل في موريتانيا عام 1976، وعمر الحضرمي، العائد إلى المغرب بعد ذلك، إن التسمية الأولى للبوليساريو ، والتي لا يزال محتفظا بها إلى اليوم، كانت تشير إلى أن الهدف هو تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، اللذين كانا تحت الاحتلال الإسباني، ولم يكن مطروحا في جدول أعمال الجبهة أي حديث عن الانفصال عن المغرب، بدليل أن عبارة «الصحراء الغربية» لم تصبح جزءا من الاستراتيجية العسكرية و الإعلامية إلا بعدما دخلت الجزائر على الخط فيما بعد، لتحريف الجبهة عن أهدافها الحقيقية. في العام التالي، 1974، تم عقد المؤتمر الثاني للبوليساريو فوق أرض الجزائر، في منطقة تسمى «أم غريض» قرب تيبازا الجزائرية، وتم انتخاب الوالي مصطفى السيد أمينا عاما بالإجماع. لكن الجزائر في تلك الفترة بدأت تعي الدور الذي يمكن للجبهة الوليدة أن تلعبه في خدمة مصالحها ضد المغرب، ووجدت أن الأمور تنفلت من بين يديها، لذا عملت على تقوية جناح داخل البوليساريو محسوب عليها، يتزعمه محمد عبد العزيز، الذي سيتم “انتخابه” بدعم من النظام الجزائري أمينا عاما للبوليساريو خلفا لمصطفى السيد الذي قتل في ظروف غامضة تشير فيها الأصابع إلى الجزائر، لفتح الطريق أمام الاستراتيجية التي خططت لها ضد المغرب، فقد كان وضع عبد العزيز على رأس البوليساريو انقلابا أبيض دبرته الجزائر لتحريف مسار الجبهة وتحويل صراعها نحو المغرب بدلا من إسبانيا، وهنا بدأ الحديث عن«الصحراء الغربية» للتشويش على قضية الصحراء الشرقية التي اقتطعتها الجزائر من التراب المغربي بدعم من الاستعمار الفرنسي.