صحيح أن الناس مختلفون، وأن اختلافهم كاختلاف أصابع اليد لا يشبه أصبع فيها الآخر، وإن مظاهر هذا الاختلاف كثيرة جداً، وفي كل المناحي سواء من جهة الشكل أو الحجم أو الوزن ، أو التركيبة النفسية أو التركيبة العقلية، والخبرة الحياتية أو القناعات الفكرية أو غير ذلك مما يطول ذكره. وصحيح كذلك أن الناس رغم اختلافاتهم هذه يلتقون على أصول محددة، أو مباديء معينة، يتصرفون ويصوغون حياتهم بناء عليها، إنه بناء على هذه المبادئ المعتنقة والممارسات المطبقة عليها يختلف مجتمع عن آخر. فالحياة الزوجية مثلاً في المجتمعات الغربية تقوم على أسس خاصة، تختلف عن تلك التي تقوم عليها الحياة الزوجية في مجتمعاتنا الإسلامية، من هذه الأسس:الأخذ مكافئ للعطاء سواء بسواء وهذا الأساس الاعتقادي من وجهة نظر أهله هو العدل الذي ينبغي أن يكون بين طرفي العلاقة،و قد أضاف الإسلام إلى هذه المعادلة مبدءا أحسن وأرقى وأحكم للحياة الزوجية، وهو مبدأ الفعل لله! إن هذا المبدأ مفاده أن يعمل كل طرف ما أمره الله به تجاه الطرف الآخر، بغض النظر عن رد فعل الطرف الآخر، وهو إذ يفعل ذلك يرجو الثواب من الله أولاً ، قبل أن يرجو حسن المكافأة أو المعاملة بالمثل من الآخر، فالله تعالى هو المبتغى الأول! إن هذا المبدأ من شأنه أن يعلو بالحياة الزوجية إلى أعلى عليين، وأن يجعلها أهنأ حياة وأسعدها، وأعمقها استقراراً ، وأكثرها سكينة وحباً ومودة واتزاناً. أقول لكم كيف؟! ماذا يتوقع أحدنا من رجل تجاه امرأته التي أساءت في حقه بأي شكل من أشكال الإساءة عدا الخيانة الزوجية وتمادت في هذه الإساءة ؟ إن المتوقع وكما هو مشاهد ولمن غاب عنه المبدأ الذي نحن بصدده أن يحاول أن ينتقم منها بأي شكل من الأشكال التي تشفي غليله، حتى وإن كان في ذلك بخسها حقها في الإنفاق عليها أو منعها منه بالكلية، حتى تأتيه صاغرة ذليلة مقرة بخطئها أمامه. إن هذا الرجل لا يشعر بذنب مما يقوم به، وإذا رُوجع فيما يفعل سيقول هي التي أساءت في حقي أولاً وليس لها أن تشكو الآن من إساءتي في حقها! وقد يرى البعض ممن غاب عنهم أيضاً المبدأ أنه مصيب فيما ذهب إليه ،وأن المرأة وحدها هي المخطئة لأنها هي التي بدأت بالإساءة! والذي أحب أن أقوله إن المرأة بالطبع أخطأت، وكذلك الرجل، فخطأ المرأة يكمن في إساءتها الأولية والواضحة ، أما خطأ الرجل فيكمن في خلطه فيما يحق له وفيما لا يجوز له أن يفعله مطلقاً وهو وجوب الإنفاق على امرأته وعلى عيالها! إن الله عز وجل أمر الرجل بالإنفاق على زوجه ولم يجعل قطع الإنفاق الواجب عليها شكلاً من أشكال التأديب الذي يحق للرجل أن يلجأ إليه، فاستغلال حاجة المرأة في الإنفاق وإعناتها في ذلك لإذلالها حتى وإن أساءت شيء يرفضه الإسلام، وما كان أن يحدث لو أن مبدأ لله موجود وحاكم في العلاقة بين الطرفين. إن لجوء الرجل لمثل هذا السلوك سيؤثر في نفسية المرأة تأثيراً بالغاً، وستظل تتذكره ولن ينمحي من ذاكرتها بسهولة، خصوصاً إذا كان الرجل يلجأ إليه كثيراً. ولا أريد أن يُفهم من كلامي هذا أن يقف الرجل مكتوف اليدين ولا يصحح ما يراه اعوجاجاً، بل لابد أن يفعل، ولكن بغير أن يحيد عن المبدأ. مبدأ - لن أرد عليك بالمثل وسأفعل واجبي لله! إن هذا المبدأ لابد أن يعمل به الطرفان، وأقول للمرأة أيضاً،نفرض أن زوجك لا يعرف أسلوباً لطيفاً في الكلام، وأنه يفتقد لمثل هذا الرقي في التعامل، وأنه يلقم من حوله بحجر، فهل معنى ذلك أن تردي بكل حجر حجراً، وأن تقذفيه بكل قذيفة قذيفة، حتى إذا ثار وهاج وماج قلت : أنت الذي بدأت! أنت الذي قلت وأنت الذي أسأت! وكما انزعجت من ردي،عليك أن تراعي إحساسي، وأن تنتقي كلامك معي؟! من المفروض أن نتعامل مع الناس كلهم بالحسنى امتثالاً لأمر الله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم، إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً} الإسراء 53 . وفي حق الخواص يكون هذا الفرض أوجب. لا أريد أن يفهم من كلامي أنني أدعو المرأة إلى أن ترضى المهانة وأن لا تطالب زوجها بحسن عشرتها ومراعاة إنسانيتها. غاية ما أرجوه أن نأتي ما أمرنا الله به بغض النظر عن رد فعل الطرف الآخر، ابتغاء لمرضاة الله أولاً وأخيراً، وصدقوني بهذا الأسلوب ستكون حياتنا الزوجية أسعد وأهنأ وأكثر استقراراً ومودة ورحمة، وهذا هو المطلوب قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون . الروم.21 وقديماً قالوا ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل.